فيروس "كورونا "يعمق شرخ الخلافات بين شمال وجنوب أوروبا

قمة تاريخية بطول مدتها وتباين مواقف أعضائها،،،

قمة تاريخية بطول مدتها  وتباين مواقف أعضائها،،،
  • 499
م. مرشدي م. مرشدي

عندما حدد قادة دول الاتحاد الأوروبي مدة أول قمة استثنائية لهم منذ شهر فيفري الماضي، بيومين كانوا يعتقدون أن ذلك سيكون كافيا لتذليل الخلافات بينهم حول كيفية توزيع ميزانية الدعم الموحد لإخراج اقتصاد القارة من حالة الانكماش التي ضربته بسبب تداعيات "كورونا".. ولكنهم اقتنعوا بعد ثلاثة أيام من النقاشات الحادة أنهم أخطأوا تقدير  حقيقة وهوة الشرخ القائمة بينهم حول هذه القضية الحساسة، مما حتّم عليهم تمديد عمر القمة إلى أربعة أيام في أطول قمة للاتحاد منذ قمة مدينة نيس الفرنسية شهر ديسمبر 2000.

وجد قادة الاتحاد الـ27  أنفسهم ملزمين على تمديد مدة القمة في بداية الأمر إلى ثلاثة أيام ولكنهم بعد أن فشلوا في تحقيق مبتغاهم مرة ثانية قرروا تمديدها إلى أربعة أيام كاملة بعد 50 ساعة من الجلسات الماراطونية انتهت فجر أمس،  وعكست عمق تباين مواقف دول المنتظم الأوروبي وخلافاتهم في ضبط سياسة مالية تحظى بموافقة كل الدول.

وحتى عندما قرروا مواصلة اجتماعهم ظهر أمس، إلا أنهم لم يكونوا متيقنين بإمكانية حسم خلافاتهم رغم محاولة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الظهور بمظهر المتفائل، وقال بإمكانية التوصل إلى أرضية توافقية حول  ضوابط توزيع ميزانية الإنقاذ التي تم رصدها لإعادة بعث اقتصادات الدول الأعضاء، وخاصة الأكثر تضررا منها في الجزء الجنوبي للقارة العجوز قبل أن يتدارك الأمر مؤكدا أن لا شيء تم ضبطه وأنه يبقى جد حذر في تصريحاته، ضمن موقف عبّرت عنه أيضا المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي حرصت على إرفاق تصريحاتها المتفائلة بكثير من الحذر وعدم اليقين.

وعكست وضعية التوجس حقيقة الخلافات والمواقف المتباينة التي شهدتها الجلسات التفاوضية والتي حرص قادة الاتحاد الأوروبي، على أن تتم في سرية تامة إلى غاية التوصل إلى اتفاق أو الافتراق على خلافات قد تستدعي عقد قمة أخرى لاحقا.

وأكدت مدة أربعة أيام التي استغرقتها هذه القمة الطارئة وجلساتها الماراطونية، أن إمكانية تذليل الخلافات تبقى ضئيلة بما قد يحتّم تحديد موعد آخر لقمة ثانية، وحتى وإن كتب لهذه النجاح فإن نتيجتها سوف لن تخرج عن دائرة حلول ترقيعية مما يجعلها دون مستوى التحديات التي فرضها فيروس "كوفيد ـ 19"، وجعل اقتصادات دول الاتحاد تتهاوى الواحد تلو الآخر في وقت قياسي لم يتعد ستة أشهر.

وإذا كانت دول شمال القارة حافظت على تنافسية  اقتصاداتها وشجعها ذلك على التمسك بمواقفها الصارمة بخصوص كيفية توزيع ميزانية 750 مليار أورو التي تم الاتفاق على تخصيصها لإعادة الإقلاع الاقتصادي، إلا أنها ستجد نفسها مرغمة على مواصلة النقاش بالنظر إلى العلاقات التجارية والاقتصادية البينية بين دول الاتحاد، ولقناعتها بأن كساد اقتصاد دولة عضو ما ستكون انعكاساته كارثية على اقتصاديات كل هذا المنتظم القاري.

وهو ما فسر حرص رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، على مواصلة دوره كوسيط بين دول الشمال والجنوب من أجل  تقديم مشروع توافقي عله يحظى برضى الجميع.

وذكرت مصادر أوروبية أن الخلاف تكرس بين شمال وجنوب القارة بسبب مبلغ 500 مليار دولار التي اقترحت في المشروع التمهيدي لدعم اقتصادات الدول الأكثر تضررا، وهو مبلغ رأت فيه دول الشمال بأنه ضخم بما يستدعي تخفيضه قدر الإمكان وحتى تحويله إلى قروض تسدد لخزينة الاتحاد بفوائد، ضمن مقاربة رفضتها دول جنوب أوروبا من  منطلق التضامن الأوروبي.

وهو ما جعل شارل ميشال، يقترح تخفيض هذا المبلغ إلى 390 مليار أورو وتحويل المبلغ المتبقي إلى قروض ضمن فكرة قد لا تلقى الإجماع وتؤدي إلى فشل القمة من أساسها.

وإذا كانت دول الدنمارك والنمسا والسويد وهولندا وبدرجة أقل فنلندا المحسوبة على دول الشمال مستعدة لتقبل هذا الحل الوسط بدليل تصريحات، الوزير الأول الهولندي مارك ريت، الذي أكد  على تسجيل تقدم كبير في المفاوضات دون أن يمنعه ذلك من التأكيد أن ذلك قد يفشل القمة.

وكان المسؤول الهولندي يلمح إلى مواقف دول جنوب القارة، التي رفضت الأمر الواقع الذي تريد دول الشمال فرضه عليها وعكسه تصريح الرئيس الفرنسي، الذي شدد من حدة لهجة خطابه وراح إلى حد تشبيه مواقف الوزير الأول الهولندي، بمواقف متصلبة كان  الوزير الأول البريطاني بوريس جونسون، يؤكد عليها في كل مرة قبل انسحاب بلاده من عضوية الاتحاد الأوروبي، وقال إن مثل هذه التصرفات قد تدفع بدول أخرى إلى الخروج من  المنتظم الأوروبي.

وبسبب هذه المواقف المتباينة راح رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، يحث الجميع على إظهار الاتحاد الأوروبي في صورة التكتل المتجانس وليس صورة أوروبا متفرقة وملغمة بخلافات أعضائها.