الرئيس التونسي يختار شخصية غير متحزبة لقيادة الحكومة الجديدة
- 595
وقع اختيار الرئيس التونسي، قيس سعيد على وزير الداخلية السابق، هشام مشيشي لتشكيل حكومة جديدة خلال مهلة شهر، خلفا لحكومة الوزير الأول المستقيل، إلياس الفخفاخ.
وتم اختيار هشام مشيشي في هذا المنصب الحساس من بين شخصيات رشحتها أحزابها علها تحظى برضى الرئيس قيس سعيد الذي فاجأ الجميع، مفضلا في النهاية تعيين وزير الداخلية في الحكومة المستقيلة لهذه المهمة الصعبة.
وقال الرئيس سعيد لدى استقباله رئيس حكومته الجديد إنني بعد تفحص للوضع العام في البلاد، فقد كلفتك بتشكيل الحكومة، ضمن إقرار منه بقدرة الرجل على الاضطلاع بهذه المهمة وخاصة في الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التي يمر بها هذا البلد.
ويكون الرئيس التونسي بمثل هذا الاعتراف أراد أن يؤكد بأن الشخصيات التي تقدمت بها الأحزاب المنضوية تحت قبة مجلس نواب الشعب لم تشفع لهم سيرهم الذاتية، رغم أن الكثير منهم سبق لهم تولي مسؤوليات في مناصب تنفيذية سامية بما فيها اضطلاعهم بحقائب وزارية وازنة في الجهاز التنفيذي التونسي.
وفضل الرئيس التونسي اختيار هشام مشيشي، رجل القانون البالغ من العمر 46 عاما لسابق معرفته به يوم كان مستشاره للشؤون القانونية قبل أن يتم تعيينه في منصب وزير للداخلية في حكومة إلياس الفخفاخ، وهو منصب سيادي عادة ما تتولاه شخصيات موالية وموثوق فيها وعارفة بخبايا الشأن الأمني والإداري في أي بلد.
واكتسب مشيشي خبرته من خلال مناصب تنفيذية تقلدها في وزارات النقل والشؤون الاجتماعية والصحة، مكنته من الإحاطة بالمشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تعرفها تونس وكانت بالنسبة له ذخرا في وقوع اختيار الرئيس، قيس سعيد عليه.
وبالإضافة إلى تجربته رغم صغر سنه، فإن الرئيس التونسي بهذا الاختيار أراد الخروج من تحت دائرة تأثير الأحزاب الكبيرة عليه وعلى رئيس حكومته الذي أراده رجل إجماع، يقف على مسافة واحدة من كل الأحزاب الوطنية منها أو الإسلامية أو العلمانية، الكبيرة منها والصغيرة.
وفضل الرئيس التونسي، شخصية غير متحزبة لقيادة الحكومة القادمة لتفادي التجربة ”الفاشلة” لسابقه إلياس الفخفاخ الذي وجد نفسه محاصرا بتجاذبات أحزاب سياسية متعددة المشارب والإيديولوجيات صعب عليه التوفيق بين مواقفها وكان ذلك سببا في رحيله في أقل من ستة أشهر منذ تعيينه، حتى وإن كانت قضية تضارب مصالحه الشخصية مع مهامه الرسمية السبب الظاهر في استقالته.
والمؤكد أن الوافد الجديد على قصر ”القصبة” الحكومي سيحرص على تفادي تأثير هذه التجاذبات على تشكيل حكومته التي يتعين عليه تقديم طاقمها في أقل من شهر للحصول على ثقة نواب مجلس الشعب التونسي.ولكن هل ينجح الوزير الأول التونسي في تجاوز عقبة ما يعرف بالأحزاب الكبيرة التي تريد تأكيد قوتها من خلال إصرارها على الفوز بالحقائب الوزارية المهمة والسيادية؟
وتبقى المهمة صعبة في ظاهرتها، اللهم إلا إذا لعب بورقة التخويف من احتمال لجوء الرئيس قيس سعيد إلى حل البرلمان والدعوة إلى تنظيم انتخابات عامة مسبقة ضمن خيار لا تريد هذه الأحزاب الوصول إليه بسبب مخاوفها من احتمال فقدان بعض مقاعدها النيابية لصالح قوى سياسية أخرى منافسة أو قوائم أحرار محتملة ضمن فرضية تجعلها لا تقامر وتقبل بالأمر الواقع الذي يريد الرئيس التونسي فرضه من أجل تمكين بلاده من سلطة تنفيذية قادرة على مواجهة الأزمات المتعددة التي تواجهها.
وهي الحقيقة التي اعترف بها مشيشي وقال إن تعيينه في هذا المنصب مسؤولية كبيرة وتحد أكبر، وخاصة في ظل الظروف التي تعرفها البلاد، متعهدا بتشكيل حكومة تلبي توقعات كل التونسيين”، ضمن رسالة قوية باتجاه كل الأحزاب بأنه سيكون متفتحا على الجميع والأخذ بكل مقترحاتها التي تخدم المصلحة العليا لتونس.
ولكن من سوء حظ الوزير الأول الجديد أنه تولى مهمته في ظل زوبعة عاصفة تشهدها كواليس مجلس نواب الشعب في انتظار جلسة سحب الثقة من رئيسه ورئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي الخميس القادم وسط حرب تجاذبات شرسة بين كتلة المناوئين لهذا الأخير والمؤيدين له.
وحتى وإن كان الغنوشي واثقا من فشل خصومه في تحقيق الأغلبية للإطاحة به بقناعة أنه لم يأت على ظهر دبابة، إلا أن ذلك لم يمنع الإقرار بحقيقة التوتر القائم على خلفية انقطاع التيار بين أحزاب علمانية وأخرى وطنية وإسلامية.
واستشعر الرئيس، قيس سعيد حقيقة هذه التجاذبات وخطرها على الوضع السياسي في البلاد مما جعله يؤكد في بيان حاد وشديد اللهجة أنه لن يقبل بأي محاولة لزرع الفوضى في داخل البرلمان ومن كل محاولة لعرقلة جلساته وأنه لن يبقى مكتوف الأيدي أمام كل مسعى لانهيار مؤسسات الدولة.