مسرحيون يتحدّثون عنها لـ"المساء”:

لجنة الإصلاح يجب أن تكون ثمرة جلسات مع الممارسين

لجنة الإصلاح يجب أن تكون ثمرة جلسات مع الممارسين
  • 834
دليلة مالك دليلة مالك

حظي إنشاء لجنة إصلاح المسرح الجزائري التي تشكّلت مؤخرا، من لدن وزارة الثقافة بنقد واسع سألت المساء مجموعة من المسرحيين الذين اعتبروا أن المبادرة جيدة غير أن الكيفية التي تمت بها فيها الكثير من الكلام، كما أن بعض الأسماء التي تشكلها محل سخط أيضا.

إذ ترى الأستاذة والكاتبة المسرحية كنزة مباركي، أنّ أيّ إصلاح يبنى على الأساس الصحيح أو لا يكون، وتابعت تقول إن إصلاحات الوزيرة مليكة بن دودة، إلى الآن لم تجد لها ما يبررها بالشكل الذي جاءت به في الفترة الأخيرة، قاصدة لجنة إصلاح المسرح، مصوبة بتسمية تراها الأصح لجنة إصلاح المنظومة المسرحية في الجزائر.

بن دودة قدّمت قدرا محتوما

وصرحت مباركي بهذا الشكل الذي جاءت به مساعي الإصلاح، ولن أتحدث عن النية أو أشكك فيها لأنني أحرص دوما على التزام الموضوعية عند الحديث عن أي مشروع أو مبادرة، نستطيع أن نقول إن الوزيرة بدأت من حيث وجب لها أن تُنْهِي، وأنه في الوقت الذي كنا ننتظر جميعا فتحها لجلسات نقاش تجمع المسرحيين بمختلف أطيافهم وتوجهاتهم وجهاتهم، قدّمت للمسرحيين قدرا محتوما خاصة وأنّها عيَّنت أعضاء لجنة لم يتوجها اختيار وإجماع المسرحيين جميعهم، ولذلك لا أستغرب أبدا ردود الفعل المعبِّرة عن سخط ورفض غالبية المسرحيين لهذه اللجنة من جهة ولبعض الأسماء فيها من جهة أخرى.

وتعتقد مباركي، أنّه لم يكن هناك من داعٍ لمواصلة الممارسات القديمة نفسها التي تفرض الوصاية من خلالها حلولا شكلية ترقيعية تحت تسمية (إصلاح) لنجد أنفسنا في كل مرة أمام إصلاحات مسؤولين لا إصلاحات وزارة، فاللجان منذ سنوات تتكرّر بشكلها ونسقها وتنظيمها، وكأنّنا نغيّر القطع على طاولة شطرنج، من دون أن ننتبه إلى عامل الوقت المهم والمقدس جدا في هذه اللعبة. فمحاولات الحلول خارج الزمن الحقيقي غير مقبولة، وأظن أننا تجاوزنا الوقت الرسمي للمحاولات بكثير، وآن الأوان لإطلاق قانون الفنان وتحريره مما يعرقله ويؤخره، كما حانت ساعة الجد التي يجب أن ينتهي معها العبث في التسيير الإداري والمالي للمؤسّسات المسرحية والثقافية كلِّها.

نبحث عن رعاية الفنون لا رعاية الشِلل

وأكّدت مباركي، صاحبة جائزتين للهيئة العربية للمسرح في نصوص مسرحية للأطفال نحن نبحث عن رعاية الآداب والفنون لا رعاية مصالح الشِلل، وأظن أن لا شيء تغيَّر حقيقة في القطاع الثقافي، بما يعني أنّ المشكلة في التسيير الفاشل الذي من بين أسبابه عدم تطبيق القوانين المجمّدة بفعل الاحتكام إلى عُرْفِ (المعريفة) بالمحكي الجزائري، وعدم تفعيل الرقابة على أداء مسؤولي المؤسسات ولأسبابٍ كثيرة أخرى موضوعية وأخلاقية مرتبطة بأخلاقيات الممارسة المهنية، وليس سببه غياب الأفكار، المبادرات، الإبداع والابتكار، فكل ذلك موجود لكن الأفكار لا تمر والمبادرات لا تحتضن، والمجتهدون يُقصون ويبعدون، أما المستفيدون بالأمس فهم المستفيدون اليوم وهم المستفيدون دائما.

وتتساءل هل يعقل مثلا أن تكون هناك مؤسسات ثقافية في الجزائر تتعامل على مدار سنوات وسنوات مع الأسماء نفسها من دون أن تنفتح على غيرهم؟، مُهينٌ جدا لمؤسّسات تنتمي للقطاع انزلاقُها بفعل ممارسات مسيريها وموظفيها إلى منطق الشللية وتقريب الأصدقاء والمقربين، وهي الممارسات التي ننتظر قبل بدء أي إصلاح قطْعَها بتوفير مناخ نزيه، مهني، مسؤول في المؤسّسات الثقافية والفنية.

وقالت في الأخير إنّ مشاكلَ المسرحِ والفنون الأخرى معروفة ومكشوفة لدى أهل القطاع، ولدى المسؤولين، وتكرارُ تجارِبِ اللجان الاسمية كالسابق لن يُحدث فرقا الآن، فالمنتظر كما أشارت سابقا هو فتح جلسات نقاش يحضرها، يفعلها ويُشَرْعِنُهَا المسرحيون جميعهم دون استثناء أو إقصاء والمأمول هو تفعيل ما هو موجود من قوانين، وتوقيع اتفاقيات مع وزارات أخرى مع وضع الآليات التي تسهل وتفعِّل الاستثمار في المجال الفني والمسرحي خصوصا، وتقرّبُ المستثمرين من المسرح بما يخدمه، بالإضافة إلى بعث قانون الفنان لتحسين الوضعية المهنية للفنانين، وخلق ظروف صحية للعمل الثقافي والفني في البلاد، ومنح المسرح الخاص في الجزائر فرصة الميلاد القانوني ضمن نصوص تنظيمية تشجعه على العمل، فلماذا تبقى إلى الآن جهود ومحاولات المسرحيين المشغولين بهذا المشروع المهم خارج الاهتمام الرسمي؟ ولماذا نتجاهل ما للمسرح الخاص من دور مهم في رفد الحياة المسرحية بقطب مساعد لمسارح الدولة، وقالت لا نلمس نية لدى المسؤولين على شؤون الثقافة لمنحه تأشيرة الميلاد الشرعي، وكلنا يعرف تجربة المسرح الخاص (البسمة) التي يقف وراءها بصبرٍ وصمود الفنان بوحجر بوتشيش من حمام بوحجر (عين تيموشنت) مع مجموعة من الشباب المسرحي منذ سنوات، كما نعرف تجربة مسرح (القوس) في مدينة (معسكر) للفنّان حسين مختار، ومن التف حوله من المسرحيين، وتجربة مسرح (الموجة) الرائدة في هذا المجال بمدينة (مستغانم)، وغيرها من المحاولات التي لم نسمع بها.

وأوضحت كنزة مباركي، أنها شبه متأكدة الآن أنه لن نصل إلى حلول ما دام أي مسؤول ثقافي يساهم قاصدًا أو غير قاصدٍ في تعميق شتات المثقفين بإصراره على تمديد عمر الممارسات القديمة لمسؤولي القطاع السابقين.

عملية عكسية ونتائج معروفة مسبقا

ويشاطر المخرج المسرحي ربيع قشي، رأي مباركي، وقال إنّ إنشاء لجنة إصلاح المسرح الجديدة هي عملية عكسية، ومن المفروض أن تقام جلسات يشارك فيها جميع ممارسي المسرح في الجزائر، والتي من شأنها أن تنبثق منها هذه اللجنة وليس العكس، وأشار قشي، إلى أنّه كان لابد من دعوة كل المسرحيين المهتمين ومن أهل الميدان لتفادي الحساسيات المتجلية بشكل مقيت على الفايسبوك، فالجلسات هي العملية المنطقية، واسترسل في قوله ماذا ستعمل هذه اللجنة الآن؟.

وأكد ربيع قشي، أنه بغض النظر عن الأسماء الأعضاء في هذه اللجنة، يجب أن تكون وليدة لقاءات مع الممارسين أو ما تسمى الجلسات، ثم يتم تنظيمها بلجان فرعية، من شأن كل لجنة أن تشتغل على جزئية من جزئيات انشغالات المسرح الجزائري، مشيرا إلى ضرورة إشراك الممارسين الحقيقيين، وتسخير عضو يمثل وزارة الثقافة قصد تأمين أعمالها وتجسيدها على أرض الواقع.

من جهته أكد الممثل المسرحي والسينمائي سليمان بن واري، أن هذه اللجنة تبدو في الظاهر مبادرة حسنة لدفع عجلة المسرح لكن في الباطن عكس ذلك، وهذا أمر مثير للاشمئزاز لأن هناك أشخاصا في هذه اللجنة على الوصاية محاسبتهم لا أن يؤتوا بهم ليصلحوا، وأن إنشاءها هو لدواع غير مسرحية.

وضرب سليمان بن واري، مثالا بالمسرحي عمر فطموش (أحد أعضاء اللجنة)، وقال إنه ترك مسرح بجاية الجهوي في وضع مالي صعب وصفه بالمفلس، وتابع أعتقد أنه لا يجب الحكم على اللجنة لأن النتيجة واضحة مسبقا، وعاد ليقول في غياب الإرادة السياسية لن يكون هناك أي شكل من إشكال الإصلاح.

أما الممثل محمد جلولي، فأشار إلى أنها مبادرة مهمة إذا كانت النيات الصادقة لكنه يرى أنه لابد من تنظيم جلسات مع أهل الاختصاص للخروج بمقترحات الجميع، الممارس من مسرح الدولة وجمعيات الهواة، ثم قال إنّ مفهوم إصلاح المسرح مبهم في الحقيقة، إذ يفصل عبارة إصلاح المسارح وتحرير المسرح، من خلال ترك المبادرات الجادة لغير الدخلاء، بفضل قرارات الجهة الوصية والممارسين الجادين.