تطورات القضية الليبية

تحركات دولية مكثفة لمنع انهيار اتفاق وقف إطلاق النّار

تحركات دولية مكثفة لمنع انهيار اتفاق وقف إطلاق النّار
  • 431
م. مرشدي م. مرشدي

تحول رهان الإبقاء على اتفاق وقف اطلاق النار بين حكومة الوفاق في طرابلس وبرلمان طبرق يوم 21 أوت الماضي، إلى قضية دولية جعل مختلف القوى تعمل جاهدة لمنع انهياره، لاقتناع الجميع انه شكل أول اختراق عملي قد يمهد للتوصل إلى تفاهمات سياسية تنهي أزمة عمرت لقرابة عقد من الزمن.

فمن نيويورك إلى بروكسل وروما وصولا إلى طرابلس ومرورا بموسكو، فرضت الأزمة الليبية نفسها على المشهد الدولي العام ضمن تحركات على اعلى المستويات قد تفضي إلى إنهاء حرب أهلية مدمرة.

وعقد مجلس الأمن الدولي، ضمن هذا الحراك الدبلوماسي أمس، جلستين خصصهما لبحث آخر تطورات الوضع في هذا البلد، تم الاستماع لتقرير قدمته رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالنيابة، ستيفاني ويليامز، التي أشارت إلى نتائج آخر المفاوضات العسكرية بين الأطراف الليبية والوضع في مدينة سيرت والجفرة إلى جانب تداعيات فيروس "كورونا".

وينتظر أن يمدد أعضاء مجلس الأمن عهدة بعثة "مانيل" لمدة عام إضافي تلبية لرغبة الأمين العام الأممي أنطونيو غوتيريس،

إلى جانب بحث مسألة تعيين مبعوث خاص جديد إلى ليبيا لخلافة المبعوث السابق المستقيل غسان سلامة، قبل ستة اشهر بداعي "المتاعب الصحية" بقناعة أن تعيين مبعوث جديد يبقى "أولوية قصوى" بالنسبة للهيئة الأممية، على أمل حلحلة ملف مفاوضات سياسية معطلة ومنع اتفاق وقف اطلاق النار من الانهيار.

وهو ما أكدت عليه ستيفاني ويليامز، التي أشارت إلى أن البلد "يشهد تطورات متسارعة بما يؤكد الحاجة الملحة للعودة إلى عملية سياسية شاملة ومتكاملة، من شأنها تلبية تطلعات الشعب الليبي إلى حكومة تمثله بشكل ملائم" بهدف قطع الطريق أمام سباق التسليح الذي تشهده ليبيا في الفترة الأخيرة.

وكان الرئيس الدوري لمجلس الأمن الدولي لهذا الشهر، سفير دولة النيجر عبدو أباري، أكد بخصوص هذه الاشكالية أن استمرار توريد السلاح أثر سلبا على الأوضاع في هذا البلد وزاد من تعقيد مشاكله، حيث طالب مختلف القوى المتورطة بوقف ممارساتها بقناعة أن "الليبيين يريدون السلام وليس الحرب، وان الاستمرار في هذه المغامرة ستؤدي حتما إلى انهيار وقف اطلاق النار.    

وهو التخوف الذي جعل الآلة الدبلوماسية الدولية تتحرك من جديد في الساحة الليبية من خلال زيارات مسؤولين أوروبيين إلى العاصمة طرابلس، تزامنا مع مواقف عواصم دولية أخرى معنية بالأزمة الليبية أياما بعد إعلان التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار يوم 21 أوت الماضي.

ويبدو أن مختلف العواصم تفاعلت إيجابا مع هذا الاتفاق،  واعتبرته بمثابة اختراق في تطورات الأزمة الليبية، وشكل منعرجا إيجابيا لا يجب التفريط فيه وإبعاده عن كل تجاذبات  مصلحية قد تؤدي إلى انهياره.

وقال جوسيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، خلال زيارته إلى العاصمة الليبية أن الملف الليبي يحظى بالأولوية القصوى لدى مختلف الدول الأوروبية، مما جعله يتنقل إلى طرابلس لبحث سبل تعزيز هذا الاتفاق.

وقال المسؤول الاوروبي الذي قام بأول زيارة إلى ليبيا منذ توليه مهامه نهاية العام الماضي، إن المنتظم الأوروبي يشجع الدفع باتفاق وقف اطلاق النار إلى نهايته عبر فتح حوار سياسي بين كل الفعاليات الليبية قصد التوصل إلى اتفاق سياسي يعيد الاستقرار إلى هذا البلد عبر تفعيل مخرجات مؤتمر برلين.

وهي القناعة أيضا التي جعلت وزير الخارجية الإيطالي، لويجي دي مايو، يؤكد خلال زيارته أول أمس، إلى طرابلس على إرادة روما في المحافظة على هذا الاتفاق وعلى ضرورة وقف التدخلات الأجنبية في الشأن الليبي، والإشارة واضحة باتجاه استمرار قوى إقليمية ودولية في إغراق هذا البلد بترسانات من مختلف الأسلحة الحربية ضمن  تصعيد قد يدفع باتفاق 21 أوت إلى حافة الفشل بما يستدعي تسريع وتيرة تجسيده على الأرض لتفادي انهياره.

وأكدت الخارجية الروسية، من جهتها أمس، على أهمية إطلاق حوار ليبي شامل في أقرب وقت ممكن على أساس قرارات مؤتمر برلين، بالإضافة إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2510 الخاص بحظر بيع السلاح إلى اطراف الصراع في هذا البلد.

وجاء موقف موسكو بعد استلام ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي، رسالة من رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، تضمنت آخر تطورات المشهد الليبي.

وأكدت موسكو تأييدها للعملية السياسية التي يقودها الليبيون أنفسهم والتي تهدف إلى ضمان سيادة ووحدة الأراضي الليبية، بقناعة انه "لا بديل عن تسوية سياسية للأزمة الليبية".

ولكن هل تجد مثل هذه المواقف صداها لدى مختلف القوى المتداخلة مصالحها في ليبيا، وتدفع بها باتجاه تغليب لغة الحوار على لغة السلاح وسياسة الإغراق العسكري التي تم اعتمادها منذ سنوات من أجل خدمة مصالح ضيقة على حساب مصالح الشعب الليبي؟ والإجابة قد لا تكون إلا من خلال إرادة دولية صادقة تضع مصالح ليبيا وكل المنطقة فوق أية اعتبارات أخرى.