الرئيس صاحب المبادرة وفّى بما وعد

مناطق الظل تخرج إلى النور

مناطق الظل  تخرج إلى النور
  • 1662
 رشيد كعبوب رشيد كعبوب

ظهر مصطلح ”مناطق الظل” لأول مرة في برنامج رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، الذي تعهد خلال حملته الانتخابية، بالاهتمام بسكان الجزائر العميقة، ويركز على تحسين الإطار المعيشي للمواطنين، الذين يقطنون بالمناطق الفقيرة والأحياء البعيدة عن أعين المسؤولين، وهو ما جسد وعده فعلا في الميدان، وجعله من أولويات المهام التي سينطلق في تنفيذها، فور فوزه في الرئاسيات واعتلائه سدة الحكم، ولإنجاح هذا البرنامج الواعد، عيّن الرئيس مستشارا خاصا مكلفا بهذه المهمة، وصار ملف ”تنمية مناطق الظل” يحظى باهتمام الوزارة الأولى، التي أسدت، في فيفري الماضي، تعليمات للولاة و"الأميار” وممثلي المجتمع المدني بالعمل التنسيقي، للإسراع في إحصاء مناطق الظل، وأشركت العديد من القطاعات الأخرى ذات الصلة، كالطاقة والمناجم، الموارد المائية والأشغال العمومية.

عندما تتوفر ”الإرادة السياسية”، توفر المناخ المناسب وتشكل ذلك الوقود الذي يحرك دواليب أي قرار يتخذ في أي جانب من مناحي الحياة السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية وغيرها، وهو ما لاحظناه في ملف تنمية مناطق الظل، الذي لو لم يكن بإيعاز من أعلى هرم في السلطة، لكان كباقي القطاعات والملفات، التي تعطل بعضها وبقي البعض الآخر في أدراج النسيان، وهكذا فلولا حرص رئيس الجمهورية، ”صاحب الملف” في تنفيذ هذا الوعد، ومخاوف المسؤولين من الوقوع تحت طائلة الحساب والعقاب، مثلما تم تطبيقه فيما بعد، عندما تأكدت الدولة أن مسؤولين محليين ومديري قطاعات عمومية لا زالوا على سيرتهم الأولى، لا يخدمون المصلحة العامة، ويضعون العصا في العجلة، كما يقال.

إحصاء 8.5 ملايين نسمة بـ  15044 منطقة ظل

لم تترك التعليمات المسداة من طرف السلطات العليا مجالا للمتخاذلين والمصلحيين، للمناورة وتوفير المبررات والمسوغات، مثلما كان ذلك من قبل، حيث لم تمر ثلاثة أشهر من إسداء التعليمات بجعل ملف تنمية مناطق الظل أولوية، حتى تم إحصاء 15044 منطقة ظل يقطن بها 8.5 ملايين نسمة، حسب ما كشفه وزير الداخلية والجماعات المحلية، كمال بلجود، في ماي الماضي، مما أعطى للسلطات العمومية نظرة شاملة عن الوضعية الاجتماعية، التي كانت بعيدة عن أعين المسؤولين، ليتم ضخ 126 مليار دينار من ميزانية وزارة الداخلية، كمبلغ مالي أولي، للتكفل بـ2000 مشروع بهذه المناطق، منها 500 مشروع انتهت بها الأشغال عبر مختلف المناطق عبر الوطن، في أواخر أفريل الماضي.

لم يقتصر إحصاء مناطق الظل على المناطق الريفية وشبه الحضرية فحسب، بل شمل حتى المناطق الحضرية، التي لاحظ أنها تضم مناطق ظل أكثر فقرا وتهميشا من تلك التي توجد بعيدا عن المدن، مثلما لاحظناه مثلا، في الجزائر العاصمة، والمدن الكبرى بالبلاد، التي كانت قريبة من العين، بعيدة عن الاهتمام.

قصد تحديد رزنامة دقيقة لمشاريع التنمية بمناطق الظل، ومتابعة إنجازها، أكد الوزير الأول عبد العزيز جراد، في أوت الماضي، أن تقييم عملية تجسيد البرنامج المذكور يكون شهريا، لبلوغ الأهداف المسطرة في الآجال المحددة، يتراوح ما بين 10 إلى 20 بالمائة فقط، في حين كان من المفروض أن ننجز 50 إلى 60 بالمائة.

في هذا الصدد، قال السيد جراد حينها، إنه سيتم تحديد رزنامة مع وزارة الداخلية وباقي القطاعات الوزارية الأخرى، لإجراء تقييم شهري لمدى إنجاز ما تم الاتفاق عليه، مؤكدا أن الجزائر الجديدة يجب أن تعرف آليات تسيير ووسائل عمل ومنهجية جديدة، حيث طلب اعتماد مقاربة شاملة، تهدف إلى التدخل السريع في مناطق الظل بأكثر شفافية، والتشاور مع المواطنين في تحديد حاجياتهم، لتحقيق الديمقراطية التشاركية والتكفل بانشغالات المواطنين، مضيفا أن نتائج البرنامج المسطر في هذا الإطار، يجب أن تبدأ في إعطاء ثمارها مع نهاية السنة الحالية.

ورشة تقييم سيرورة البرنامج محطة هامة

أخذ ملف تنمية مناطق الظل حصة الأسد في اجتماع الحكومة بالولاة، في 12 أوت الماضي، حيث كشف تقرير الورشة المخصصة لتقييم مراحل تنفيذ هذا البرنامج، أنه تم خلال ستة أشهر (أي من أفريل إلى أوت)، تسجيل 11815 مشروع تنموي لفائدة مناطق الظل، بغلاف مالي قدره 207 مليار دينار. وذكر التقرير أن العدد الإجمالي للعمليات المنتهية حينها يقدر بـ 1256 مشروعا، بمبلغ 15.95 مليار دينار على مستوى 1014 منطقة ظل، لفائدة 716 ألف مواطن، حيث تخص هذه المشاريع المنتهية عدة مجالات، منها المياه الصالحة للشرب بـ208 مشروع، الصرف الصحي بـ293 مشروع، فك العزلة بـ 170 مشروع، تحسين ظروف التمدرس بـ 136 مشروع، التزويد بالكهرباء والغاز الطبيعي بـ91 مشروع، الإنارة العمومية بـ 73 مشروعا، التكفل بالصحة الجوارية بـ60 مشروعا، وتهيئة فضاءات رياضية وترفيهية للشباب بـ31 مشروعا.

بالنسبة للعمليات في طور الإنجاز، كشف التقرير نفسه، عن أنها تقدر بـ5280 مشروع، بمبلغ إجمالي مخصص لها قدر بـ95.66 مليار دينار، على مستوى 4205 منطقة ظل، لفائدة أكثر من 3.8 ملايين مواطن، حسب مقرر الورشة، الذي أوضح أن أغلب هذه المشاريع يرتقب استلامها في شهر أكتوبر، والبعض منها يرتقب تسليمه خلال الثلاثي الأول من سنة 2021، كما أفاد التقرير حينها أنه، بالنسبة للعمليات المرتقب الشروع فيها قبل نهاية السنة، تبلغ 5279 مشروع، بمبلغ إجمالي قدره 95.5 مليار دينار، على مستوى 4283 منطقة ظل، لفائدة ما يقارب 3.9 ملايين مواطن، على أن يتم استلامها تدريجيا، بداية من أواخر الثلاثي الأول من السنة المقبلة.

عراقيل وصعوبات واجهت تجسيد المشاريع

اعترف المسؤولون بالعديد من العراقيل والصعوبات التي واجهت تجسيد مشاريع تنمية مناطق الظل، مثلما أكده رئيس الورشة التي ترأسها وزير الطاقة، عبد المجيد عطار، حيث قال، إنه تم تسجيل عدة ملاحظات، منها نقص التنسيق بين القطاعات وضرورة ضبط خصائص مناطق الظل، وتحديد شروط قابلية الاستفادة من المشاريع التنموية، وتحديد المشاريع المستعجلة، إلى جانب الإشارة إلى أن تسجيل المشاريع الكبيرة لا يسمح بالتكفل السريع بالاحتياجات المستعجلة للمواطنين. كما أن الأولوية في اختيار المشاريع لا تلبي في بعض الأحيان، توقعات سكان مناطق الظل، مع تسجيل تأخّر في الانتهاء من بعض المشاريع الصغيرة، بسبب ثقل الإجراءات الإدارية أو عجز المؤسسات المكلفة بالإنجاز، يضاف إلى ذلك، الظروف الصحية، جراء تطبيق إجراءات الوقاية من انتشار وباء ”كورونا” (كوفيد-2019) الذي أثر على عملية سير التكفل بمناطق الظل.

بهدف تصويب برنامج التكفل بتنمية مناطق الظل، لتقليص فوارق التنمية بين مناطق البلاد، أوصى التقرير، بضرورة تركيز المشاريع على أربعة أهداف استراتيجية هي؛ توفير الماء، الكهرباء، الغاز وشبكات الصرف الصحي، وفك العزلة عن السكان بالمناطق البعيدة والجبلية المعزولة، وتحسين توفير الخدمات المتعلقة بالصحة والتعليم والشباب، إلى جانب تنويع القدرات الاقتصادية والحرفية للمناطق المعزولة.

ولبلوغ هذه الأهداف، خلصت أشغال الورشة إلى العديد من التوصيات، منها تحديث البطاقية الوطنية لمناطق الظل، وتكييف المشاريع المسجلة حسب طبيعة المنطقة، والاستجابة للاحتياجات المعبر عنها من قبل السكان، وإعطاء الأولوية للمشاريع التي لا تتطلب تمويلا كبيرا وآجالا طويلة لتجسيدها.

عزل مسؤولين عطّلوا مشاريع التنمية

لم تكن بعض المبررات الموضوعية وحدها التي واجهت عملية تجسيد مشاريع مناطق الظل، بل كشفت الوتيرة التي فرضتها الحكومة، من أجل تطبيق هذا البرنامج الواعد، أن العديد من المسؤولين المحليين شكلوا حجر عثرة، حالت دون تسجيل تقدم في العديد من المشاريع، مما جعل رئيس الجمهورية، في الثامن أوت الماضي، يصدر مراسيم إنهاء مهام عدد من رؤساء الدوائر، وتوقيف عدد من رؤساء البلديات وإحالتهم على التحقيق، على خلفية عدم إنجاز مشاريع مسطرة بمناطق الظل، ويتعلق الأمر بكل من  نادية نابي، رئيسة دائرة أولاد عبد القادر بولاية الشلف، محمود غريب، رئيس دائرة فيض البطمة بولاية الجلفة، رضا خيضر، رئيس دائرة السانية بولاية وهران وفتحي بلمصطفى، رئيس دائرة الرمكة بولاية غليزان.

تم أيضا توقيف رؤساء بلديات كل من سيدي الشحمي بوهران، رئيس بلدية سوق الأحد بغليزان، رئيس بلدية أولاد عبد القادر بالشلف ورئيس بلدية أم لعظام بالجلفة. كما أحيل كل رؤساء البلديات المعنيين على التحقيق على خلفية هذه التصرفات في حق المواطنين، وعدم إنجاز المشاريع بمناطق الظل، إلى جانب إنهاء مهام مسؤولي الأقسام الفرعية لقطاعي السكن والأشغال العمومية في دوائر؛ أولاد عبد القادر بالشلف، فيض البطمة بالجلفة، وأولاد دراج بالمسيلة، مع إنهاء مهام مسؤول القسم الفرعي للموارد المائية لدائرة الرمكة بولاية غليزان.

50 مليار دينار لمناطق الظل في قانون المالية 2021

مواصلة لدعم مناطق الظل، والقضاء على مظاهر العزلة والبؤس، خصصت الدولة أكثر من 50 مليار دينار، لتمويل إنجاز مشاريع بمناطق الظل، في إطار مشروع قانون المالية لسنة 2021، حسب ما أكده المستشار المكلف بمناطق الظل، إبراهيم مراد، الذي أوضح، نهاية الشهر الماضي، أن الحكومة أدرجت في مشروع قانون المالية الجديد، غلافا ماليا معتبرا يوجه خصيصا للتكفل بمناطق الظل، بعدما لجأت هذه السنة، إلى الاقتطاع من مخصصات مالية مختلفة، للشروع في إنجاز المشاريع التي تم حصرها وتسجيلها بهذه المناطق، مفصلا ذلك بالقول، إن ميزانية 2021 بعنوان وزارة الداخلية، رصدت 100 مليار دينار للمخططات البلدية للتنمية؛ 50 بالمائة منها (أي 50 مليار دينار)  خاصة بمناطق الظل، كاشفا عن أن هذا الاعتماد المعتبر، سيعزز بأغلفة مالية أخرى تقتطع من ميزانية الوزارات، باعتبار أن العديد من القطاعات الحكومية منخرطة في التكفل بالنقائص المسجلة في المناطق النائية والبعيدة.

اعتبر مراد أن السنة المقبلة، ستكون محطة حاسمة لإنهاء معاناة حوالي 8 ملايين نسمة يعيشون في أزيد من 15 ألف منطقة ظل تم نسيانهم، وأُجحفوا في حقهم في التنمية والتوزيع العادل للثروة.

الرئيس أكثر حرصا على تجسيد البرنامج

يظهر أن رئيس الجمهورية، الذي اقترح البرنامج، وحرص على تجسيده، وشدد على الولاة والمسؤولين المحليين ومسؤولي القطاعات ذات الصلة بالملف، لم ينس هذا الأمر، حتى وهو في فترة نقاهته بألمانيا، بعد أن تعافى من مرضه، حيث جاء في كلمته التطمينية عبر الفيديو الذي نشر على صفحته على ”تويتر”، حيث قال؛ ”أوصي السيد وزير الداخلية والولاة بالتطبيق الحرفي لما اتفقنا عليه بالنسبة لمناطق الظل”، لأنه يعلم أن هذا يمس شريحة كبيرة من المواطنين، تعدّ بالملايين، إذ لا يطلبون المستحيل، ولا تتعدى مطالبهم، توفير ضروريات الحياة من ماء وكهرباء وطرق لفك العزلة.