المدير العام للمسرح الوطني الجزائري محمد يحياوي لـ "المساء":
سنعمل بكل ما أوتينا من قوة لاسترجاع أرشيف المسرح المسروق
- 2113
يكشف محمد يحياوي المدير العام للمسرح الوطني الجزائري في هذا الحديث مع "المساء"، عن مجمل المشاريع التي تنتظر دار "محيي الدين بشطارزي" لهذا العام. وكانت له وقفة واضحة بخصوص أرشيف الصور المسروق، يتصل بفترة هامة من تاريخ مهرجان المسرح المحترف، بتصريح الأول من نوعه، منذ تولّيه إدارة المؤسسة في 2014. كما كانت فرصة للتكلم عن استراتيجية المسرح الوطني الجديدة لاستقطاب جماهير واسعة، وعن أفكار أخرى من شأنها خلق حركة مسرحية واعدة في الجزائر.
النشاط الرقمي والافتراضي سيستمر بعد مرور أزمة كورونا
❊ عانى العالم من الأزمة الصحية الناتجة عن تفشي فيروس كورونا، وتوقفت النشاطات الفنية والثقافية خلال عام كامل، كيف واجه المسرح الوطني الجزائري هذه الجائحة؟
❊❊ المسرح الوطني الجزائري مر بهذه الفترة كباقي مسارح العالم، وتأثر، بطبيعة الحال، على مستوى النشاط، ومنها الإنتاج والتوزيع بالمؤسسة وعلى المستوى الوطني. وعلى الصعيد الدولي، كان النشاط عاديا بداية سنة 2020، حيث شاركت الجزائر في دورة عمان بالمملكة الأردنية بمسرحية "جي بي أس"، وتُوجت بالجائزة الكبرى كأحسن مسرحية عربية لسنة 2019.
كما شهد المسرح الوطني "محيي الدين بشطارزي" في الشهور الثلاثة الأولى من العام المنصرم، عروضا مختلفة من مسارح جهوية، وكذلك من إنتاج المسرح الوطني، لاقت استحسان الجمهور. وهنا أشير إلى عودة الجمهور الشغوف بأبي الفنون إلى قاعة العروض بقوة خلال نهاية سنة 2019، ثم سرعان ما أتت جائحة كورونا وأثرت سلبا من الناحية الاقتصادية، ذلك أن مؤسسة المسرح الوطني الجزائري ذات طابع صناعي وتجاري، وتعتمد على مداخيل العروض المسرحية والفنية. وقد أثرت، سلبا، على العرض المسرحي المباشر، لذلك لجأنا إلى طريقة العرض على منصات التواصل الاجتماعي، من خلال قناة المسرح الوطني على يوتيوب، وتسطير برنامج افتراضي تفاعلي لأول مرة. وكان المسرح الوطني سباقا ببرنامجه على الصعيد العربي. ولاحظنا في بداية النشاط تعرضنا للانتقاد من طرف بعض النقاد والمسرحيين، الذين عبّروا عن تخوفهم من أن يفقد المسرح سحره. ومن جانب آخر، هناك من شجع وطالب بتعميم مبادرة المسرح الجزائري على باقي المسارح العربية، وكان ذلك. وباعتبار المسرح الجزائري عضوا في الهيئة العالمية للمسارح بطريق الحرير بجمهورية الصين الشعبية، كان له برنامج خاص ومداخلات، منها التي قدمتها شخصيا في إطار البرنامج الافتراضي في الصين الشعبية، وخاصة في مدينة ووهان عند بداية الجائحة.
وهذا البرنامج الافتراضي عالمي، ونحن في المسرح الوطني الجزائري أخذنا به، كما أخذنا بتعليمات وزارة الثقافة، بالاعتماد على الدعائم الرقمية. وبهذه الطريقة كسبنا جمهورا جديدا. وسمحت بالتعريف والترويج للمسرح الوطني الجزائري وإنتاجاته رغم أنه ليس هناك مداخيل اقتصادية تذكر في هذه الحالة. وكان هناك مصاريف، وأعتبرها عملية ناجحة. وأعتقد أنها ستسمر بعد مرور أزمة كورونا الصحية، ويتعلق الأمر بالعروض المسرحية أو النشاط النظري؛ على غرار المجالس الافتراضية ومنتدى المسرح، التي أعتقد أنها فعاليات مثمرة جدا.
أحمد رزاق حامل مشروع مسرحي راقٍ
❊ "شارع المنافقين" هو آخر إنتاج للمسرح الوطني الجزائري، كيف كان الاتفاق مع المخرج أحمد رزاق؟
❊❊ المسرح الوطني في سنواته الأخيرة وربما الاستراتيجية التي انتهجها في اختيار أعمال المسرحية والمخرجين، هو السبب في إنتاج أعمال مسرحية راقية، ساهمت في عودة الجمهور إلى قاعات العروض، وهذا عن طريق أشخاص يحملون مشاريع.
وأحمد رزاق حامل مشروع، وكذلك بالنسبة للمخرج محمد شرشال، هذه هي الطريقة التي نعمل بها في الآونة الأخيرة مع محترفي المسرح الجزائري، وأحمد رزاق اسم من الأسماء المعروفة الناجحة في الإخراج وكتابة النصوص المسرحية على المستوى الوطني. وبالمناسبة، أوجه نداء من خلال جريدة "المساء"، إلى كل الراغبين من حاملي المشاريع الراقية، للتقرب من المسرح الوطني، التي أبوابه مفتوحة لهم، لتقديم مشاريعهم المسرحية والإبداعية، والعمل معنا بهذه الطريقة.
تنظيم أيام مسرح الساحل للولوج إلى المسرح الإفريقي
❊ ما هي مشاريع المسرح الوطني لهذه السنة؟ وهل ستعود الأنشطة الموضوعاتية السابقة؟
❊❊ بالنسبة لمسرح الطفل أو المسرح الأمازيغي وأيام مسرح الجنوب أو أيام القصبة المسرحية، ولم لا في المستقبل القريب تنظيم أيام مسرح الساحل التي ستكون بمثابة الولوج إلى المسرح الإفريقي، هناك برنامج عام على مدار السنة على مستوى المؤسسة.
وهنا أريد التكلم عن عقد نجاعة أُبرم، مؤخرا، مع وزارة الثقافة والفنون، وبالتالي سيكون هناك برامج إضافية جديدة، منها المسرح الإذاعي الذي سيخصص له مشروع، وبرامج مختلفة. وقد لاحظتم أننا قمنا، حديثا، بتأطير أيام تكوينية بالجنوب، لاقت نجاحا كبيرا، ستتوَّج قريبا بأعمال مشتركة بين المسرح الوطني الجزائري وبعض الفرق المسرحية من الجنوب، وذلك لإضفاء التنوع الثقافي وتكريسه. وللمسرح الوطني إنتاج جديد في المسرح الناطق بالأمازيغية، سيشارك في افتتاح الأيام المسرحية الأمازيغية التي ينظمها المسرح الوطني الجزائري سنويا بمشاركة فرق مسرحية متنوعة من مختلف ولايات الوطن. وأنتجنا عملين لهذا الموسم؛ "شارع المنافقين" للمخرج أحمد رزاق، و"أجنحة نمولة" الموجهة للصغار للمخرجة نضال. وسنقوم بإنتاج مسرحية جديدة مقتبسة عن رواية "ليليات رمادة" للروائي الجزائري واسيني الأعرج، عمل عبد الرزاق بوكبة على اقتباسها، ويخرجها شوقي بوزيد، ويُنتظر بدء التدريبات في الأيام المقبلة.
إبرام اتفاقية تعاون وشراكة مع المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية
❊ أبرمتم، مؤخرا، عدة اتفاقيات مع مؤسسات وهيئات، هل هناك اتفاقيات أخرى في الأفق؟
❊❊ تم إبرام عدة اتفاقيات بين المسرح الوطني ومؤسسات ثقافية أو على مستوى الجماعات المحلية وقطاع التعليم العالي، لكن ما ينقص هذه الاتفاقيات هو التفعيل، وهو ما سنسعى إليه في هذه المرحلة. والجديد أننا أبرمنا اتفاقيتين مع المعهد العالي لمهن العرض والسمعي البصري ببرج الكيفان، ومع بلدية القصبة، بدأ تفعيلها.
وبالنسبة للاتفاقية المبرمة مع المعهد سيتم في الأيام القليلة المقبلة، تنصيب اللجنة العلمية التابعة لمخبر التجارب المسرحية الجزائرية. هذه اللجنة ستشرف على اختيار الأعمال والمخرجين الذين سيقومون بأول عمل في هذا المخبر، وهذا بالتعاون مع المعهد العالي لمهن فنون العرض والسمعي البصري. أما الاتفاقية المتعلقة ببلدية القصبة، فبحكم موقع المسرح الوطني بإقليمها، تم إبرام اتفاقية مهمة جدا، ستعطي دفعا قويا على المستوى المحلي؛ سواء من ناحية تكوين الشباب ومسرح الطفل، مع العلم أنه تم تشكيل لجنة مشتركة مؤخرا، لإعداد برنامج سنوي، من بينها تنظيم أيام القصبة المسرحية. هذه التظاهرة سيشارك فيها كل المسارح الجهوية إلى جانب المسرح الوطني الجزائري، وجمعيات وتعاونيات مسرحية جزائرية. ولدينا اتصالات ببعض أقسام الفنون الدرامية للجامعات في الجزائر المهتمة بربط اتفاقيات مع المسرح الوطني، والمعهد العالي لمهن العرض والسمعي البصري. وأراها خطوة إيجابية، ستعرف تجسيدا في القريب. وهناك مشروع إبرام اتفاقية تعاون وشراكة مع المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية. ويتم حاليا التحضير لها مع سمير قسيمي المدير المركزي للنشر والتوزيع، تخص مجالات النشر والتوزيع، وتنظيم تظاهرات تجمع المؤسستين.
ناهبو الأرشيف يريدون إعادة بيعه للمسرح الوطني
❊ حدثنا عن الأرشيف المتعلق بالمسرح الوطني؟
❊❊ الأرشيف بالمسرح الوطني هو عنصر مهم، وقد أعطينا أهمية له، وقمنا بإنشاء مصلحة خاصة تشرف عليه؛ باعتباره ذاكرة المسرح الجزائري. واسترجعنا بعض الوثائق وعددا من الصور. وبحثنا عن الأرشيف القديم للمسرح الوطني منذ الاستقلال إلى يومنا هذا. واليوم هناك مركز لأرشيف المسرح الوطني، ولم لا للمسرح الجزائري عموما، حتى إننا قمنا برقمنة الأرشيف الذي سيكون في متناول الباحثين والطلبة. وفي الفترة الأخيرة لمسنا اهتماما بطلبة الفنون الدرامية، سيما المقبلون على تقديم أطروحات دكتوراه، الذين يأتون مرتين في الأسبوع، للنهل من هذا الأرشيف، كما أنهم يتصلون يوميا بالمسرح.
ومن جهتنا كمسرح وطني، اتصلنا بعدد من الفنانين أو المخرجين. وهناك من بدأ يفكر في إحضاره، وهناك من سلّمَنا أرشيفه الخاص، مثلما فعل المخرج المسرحي زياني شريف عياد. ونحن في اتصال مع عائلات الفنانين المتوفين، ونحاول إقناعهم بأن الأرشيف سيكون محميا أكثر من بقائه في البيوت؛ فعندما تكون الأمور جادة يكون المواطن مساهما فيه، وأنا متيقن بأن الأرشيف سيعود إلى مكانته الأصلية، وهذه العملية تحتاج لوقت. اتصلت ببعض الأصدقاء الذين كانوا يشتغلون في المسرح سابقا، وأقولها لأول مرة، طلبت منهم إعادة الأرشيف الذي أخذوه أو حتى تسليم نسخ منه، وذلك منذ تأسيس المهرجان الوطني للمسرح المحترف إلى غاية تنصيبي مديرا للمسرح في 2014، إلا أنهم طلبوا مقابلا ماليا! للأسف، أخذوا الأرشيف بطريقة غير قانونية من المسرح الوطني، وسنعمل بكل ما أوتينا من قوة على استرجاعه.
❊ لماذا تأخرت جائزة مصطفى كاتب الدولية للدراسات حول المسرح الجزائري؟
❊❊ جائزة "مصطفى كاتب" تأخرت بسبب الأزمة الصحية الناجمة عن تفشي فيروس كورونا، وبسببها تأخرت جميع الأنشطة، ولكن ستعود هذه السنة، وستكون طريقة تقييم لجنة التحكيم بشكل سري؛ حيث لا يعرف أعضاء اللجنة من هم فيها. وسيكون العمل مباشرة لكل عضو مع رئيسها، بتبنّي المعايير العالمية، وبشكل إلكتروني.
❊ ماذا عن مشروعَي "المقهى المسرحي" و"رواق الفنون التشكيلية"؟
❊❊ حاليا، نحن بصدد التحضير لفتح جناح خاص بمسرح الشباب والأطفال، وفتح قاعة جديدة خاصة بالكوريغرافيا، ورواق للمعارض الفنية، نحن نعمل على تهيئة هذه الفضاءات، وكذلك فتح مقهى مسرحي موجه لأهل المسرح والأسرة الإعلامية، نحن نضع اللمسات الأخيرة. ويُنتظر من هذه المرافق الجديدة، أن تعطي دفعا قويا للمسرح الجزائري، مع العلم أن القاعة الكبرى التي تحمل اسم "مصطفى كاتب"، ستخصَّص للعروض المحترفة الكبرى؛ سواء العروض المسرحية أو الموسيقية.
❊ بالنسبة لمجلة "الحلقة"، هل سترى النور قريبا؟
❊❊ نفكر، منذ مدة، في إصدار مجلة خاصة بالمسرح، كما تعلمون كانت سابقا مجلة "الحلقة". ونحن في اتصال مع أهل الاختصاص، لتكون "الحلقة" لسان حال باسم المسرح الجزائري، ونسعى لأن تكون قيّمة بمحتواها.
❊ في رأيكم، كيف يمكن للمسرح الوطني أن يحقق معادلة الاقتصاد الثقافي، أن يكون مصدرا للدخل؟
❊❊ باعتبار النصوص التنظيمية للمسرح الجزائري، فهي مؤسسة عمومية ذات طابع صناعي وتجاري، وتقدم خدمة عمومية، وتعتمد على ميزانيتها الخاصة من طرف الدولة، لكن بإمكانها أن تساهم من خلال أعمالها ونشاطها واستغلال كل الفضاءات المتاحة لها، في الدخل الاقتصادي للمؤسسة؛ كلما كانت مداخيل مالية معتبرة ستخفف من ميزانية الدولة وتنعشها؛ لذلك لا بد من خلق تقاليد، والعمل على خلق جمهور واسع عن طريق إنتاج أعمال مسرحية رائعة، من شأنها أن تستقطب الجمهور.
وقد لاحظنا أن بعض الأعمال السابقة والعروض الأجنبية، استطاعت أن تحقق جماهيرية لافتة. ومن استراتيجية المسرح إنتاج أعمال تتسم بالجمالية والجودة؛ نزولا عند رغبة الجمهور الجزائري وإرضاء لذوقه، مع العلم أن كل مسارح العالم تعتمد على دعم حكوماتها. ويمكن للعمل المسرحي أن يكون ضمن الصناعة الثقافية، على غرار السينما والكتاب، ويستطيع أن يساهم في خلق ثروة اقتصادية معتبرة. واليوم في الجزائر هناك فرق مسرحية مستقلة من جمعيات وتعاونيات مهتمة، وهي تحمل مشاريع، ومدرجة في برنامج وزارة الثقافة والفنون، ليتمكنوا من إنشاء مؤسسات مصغرة في المستقبل.