منها يمنية وقبيلة سعودية
3 مناطق بقيت تتكلم العربية الفصحى
- 734
التكلم باللغة العربية الفصحى ليس بالأمر الهيّن على كثير من أهل هذه اللغة؛ ذلك أن العامية صارت هي أداة التواصل الشفوي منذ فترة طويلة، فيما انتقلت العامية إلى الكتابة، خاصة على صفحات التواصل الاجتماعي التي كانت المنبر المسهل للتواصل بالعامي بدون رقابة النحو أو الالتزام بضوابط الإملاء، فضلاً من جملة قوانين الإنشاء والبيان والصرف والاشتقاق.
لكن العامية الآن كان يقابلها، في عصور أقدم، ما عُرف باللحن، وهو الخطأ في ضبط الكلمة إعرابياً؛ حيث كان اللحن مثل الكفر، يقول صاحبه ”أستغفر الله” لو وقع فيه، إلا أن اللحن كان ظاهرة منتشرة في مختلف أرجاء المنطقة العربية؛ في الشام والعراق والجزيرة العربية واليمن، وصولاً إلى الأندلس.
وسعى كثير من علماء العربية حتى المعاصرون منهم، للوقوف على أصل الفصحى، فلم يفلحوا في ذلك؛ لأن أصل الفصحى لا يظهر إلا في لغة القرآن الكريم، ثم ما تم تناقله من الشعر الجاهلي وما بعده. ولم يتمكن أي عالم لغوي من العثور على أي نص نحوي يفيد بأصول الفصحى إلا بعد ظهور الإسلام بعقود، فيما اللقى الأثرية التي تم العثور عليها كنص (النمارة) الذي يعود تاريخه إلى عام 328 للميلاد، كانت مجرد كلمات، دلت على أصلها العربي الخالص، خاصة في استعمال (أل) التعريف.
المكان الأول في اليمن
كُتب في اللحن قديماً، والأخطاء اللغوية حديثاً، ولايزال، ولن ينقطع، ذلك أن الفصحى نخبة اللسان العربي العالي، لا يمكن التعامل معها إلا بضوابط. لكن على الرغم من شيوع حالة اللحن في اللغة العربية قديماً، إلا أن ثمة مدناً قيل إنها بقيت تتحدث اللغة العربية الفصحى حتى وقت قريب.
وأشهر مدينة أو مكان قيل إنه لايزال يتحدث الفصحى حتى عهد قائله، هو منطقة جبل عكاد والعكوتين المطلة على منطقة الزرائب في اليمن. وأول من قال إن هذا المكان لايزال يتكلم باللغة العربية الفصحى هو الشاعر اليمني نجم الدين عمارة (515- 569) للهجرة، في كتابة (المفيد في أخبار زبيد).
وحسبما اطلع في كتب اللغة ومعجماتها فقد تلقّف ياقوت الحموي صاحب (معجم البلدان) و(معجم الأدباء) والمتوفى منذ سنة 626 للهجرة، ما قاله عمارة اليمني، فعاود التأكيد على أن الفصحى مازالت سارية في عكاد اليمنية، حتى زمنه هو أيضاً.
وبعد عمارة وياقوت جاء الفيروز آبادي صاحب (القاموس المحيط)، فضمن معجمه ما قاله سابقاه من أن الفصحى مازالت سارية هناك في عكاد.
الناقل الأخير لقولة إن عكاد مازالت تتكلم الفصحى، كان ابن زبيد أيضا صاحب معجم (تاج العروس) المشهور، وهو مرتضى الزبيدي، والمتوفى منذ سنة 1205 للهجرة.
المكان الثاني في شمال إفريقيا
ثم تفاعلت القضية إلى أقصى حد في السنوات اللاحقة، فمسألة بقاء مدينة ما على استعمال الفصحى العالية، ليست بالأمر الهيّن، فقام عبد الرحمن الكواكبي صاحب (طبائع الاستبداد) بزيارة إلى عكاد وزبيد، ثم أخبر نظراءه المصريين أنه تأكد من استعمال أهل المنطقة المذكورة الفصحى، إنما فاجأهم بقوله إنهم كانوا يسكنون أواخر الكلم (!) على خلاف الإعراب الذي يتطلب تحريك الكلم ليكون فصيحاً ودقيقاً.
أما المدينة الثانية التي قيل إنها مازالت على الفصحى فهي في شمال إفريقيا، تبعاً لما ورد في كتاب (المعسول) للعلامة محمد مختار السنوسي، والمتوفى سنة 1963 ميلادية، فقد تحدّث عن زيارة إلى منطقة (تامانارت) في (أكرض) و(القصبة)، مشيراً إلى أن أغلب قاطني المكان من الصحراء السوسية، من أصول عربية ومن زمن الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، فقال عنهم: ”وجلهم يتكلم بالعربية الفصحى السليقية، لهذا العهد القريب”.
المكان الثالث في المملكة العربية السعودية
مكان ثالث في الأرض العربية ارتبط ببقاء الفصحى على ما ذكره العلاّمة فؤاد حمزة في كتابه المشهور (قلب جزيرة العرب)، والذي كان أحد مصادر العلامة العراقي جواد علي في مصنفه (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام). وذكر حمزة في معرض تعريفه بالقبائل العربية التي تقطن المملكة العربية السعودية، أن قبيلة (فَهم) مشهورة بالفصاحة، ”ويقال إنهم مازالوا محافظين على لغة قريش التي كانت في صدر الإسلام”.