معرض "المقاومون" للفنان العالمي مصطفى بوطاجين برواق باية

أبطال صنعوا التاريخ وقرأوا الراهن

أبطال صنعوا التاريخ وقرأوا الراهن
  • القراءات: 411
مريم. ن مريم. ن

يستقبل رواق باية بقصر الثقافة، كوكبة من المقاومين، ومن أحرار العالم، الذين انتصروا للإنسانية، ولحقّ الشعوب في تقرير مصيرها، منهم من حمل السلاح في وجه المستعمر، ومنهم من سجل بمواقفه الشجاعة نصرة للحق، بطولات، أصبحت دروسا تستقيها الأجيال لتنير دربها نحو الحرية والسلام. فمن العربي بن مهيدي، إلى جيغيفارا ولوموبا ومانديلا، إلى جميلات الجزائر، تبقى صورة الحق والنضال هي نفسها لا تتحول عند كل شعوب العالم.

يحتضن قصر الثقافة مفدي زكريا إلى غاية 12 أكتوبر الجاري، معرضا بعنوان "المقاومون"، من توقيع الفنان مصطفى بوطاجين، تبرز فيه شخصيات بطولية سكنت في وجدان الشعوب المحبة للحرية، وأصبحت مَثلا للتضحية والمقاومة ضد الطغيان والاستعمار.
وهذا المعرض إدانة للاستعمار بكل أشكاله، كما هو وقفة تقدير لتاريخ النضال في الجزائر، وفي العالم؛ سواء كان بالثورة المسلحة، أو بالنضال السياسي، والثقافي، والفني، والفكري، وغيره من أشكال النضال، زيادة على عرض مواقف شخصيات عالمية قديرة، أدانت الظلم والاحتلال والجرائم الممارسة ضد الأبرياء والضعفاء، ولم تبال بالثمن الذي ستدفعه؛ مما جعلها قدوة للأحرار في كل مكان وزمان. ولايزال هذا الإرث ساريا وفعالا في الراهن العالمي، الذي يشهد نفس ما كان يُرتكب من ذي قبل.

بورتريهات لمن أدانوا الاستعباد

أشار الفنان مصطفى بوطاجين خلال حديثه إلى "المساء" ، إلى أن معرضه يضم 24 لوحة، وكلها عبارة عن بورتريهات نصفها رجال، والنصف الآخر للرجال، تخص شخصيات مقاومة، متحدثا عن جميلات الجزائر (بوحيرد وبوباشا ويوعزة)، وكذلك باية الكحلة وغيرهن من رموز الثورة الجزائرية، إضافة إلى بن مهيدي ولابوانت والآخرين، دون نسيان أصدقاء الثورة، ورموز أخرى من النضال العربي والعالمي.
كما أكد المتحدث أن كل بورتريه هو تكريم لصاحبه. ولا يقتصر التكريم على الشخصيات الثورية فقط، بل هناك شخصيات قاومت بالكلمة، أو بمواقف بطولية أخرى، ممثلا بالراحل محمود درويش شاعر الثورة الفلسطينية، وكذا شخصيات رمزية أخرى من نضالات التحرير في العالم؛ منها إفريقيا، وأمريكا اللاتينية، وآسيا، ممن جابهت الاستعمار والإمبريالية.
ويعكس هذا المعرض، أيضا، موقف الفنان (المخضرم)، الرافض بدوره لكل أشكال الهيمنة والاستغلال والعبودية. ويثمّن مواقف الجزائر الثابتة من هذا النضال للشعوب، وكيف احتضنت ثورات التحرير خاصة في السبعينيات.
وفي رده على سؤال "المساء" عن التقنية التي اختارها لبورتريهاته الجميلة والمعبرة وذات الألوان الحية التي توحي باستمراريتها وأنها ليست أرشيفا، أكد الفنان أنه استعمل قصاصات من بقايا ورق المجلات، مستخدما تقنية الكولاج. وهذه الأعمال المعروضة هي جزء من 300 بورتريه شاهده الجمهور عبر العديد من دول العالم.
وللإشارة، فإن الفنان اعتمد على التعبير الخطي الملصق؛ من خلال تلصيق قصاصات مجلات وصحف عالمية مرموقة. وقد تجاوز في عمله البورتريهات المعهودة. وتفرّد بلمسته التي بها مسحة من الوقار والرفعة أكثر من تفاصيل تقاسيم الوجه والجسم، علما أن المقاومين بدوا في أجمل وأكمل وأحسن صورة؛ وكأنهم يفخرون بمسارهم، وغالبا ما تكون نظرتهم باتجاه المشاهد مباشرة، بعضهم خاصة من الشهداء كالعربي بن مهيدي، رُسمت على شفاههم ابتسامة توحي بالانتصار.  والمعرض جزء من مشروع هذا الفنان المعروف في الساحة العالمية، والوفي لمشروعه الملتزم بالقضايا العادلة للشعوب، وتكريم لذكرى المقاومين.
والتقت "المساء" في المعرض السيد عباس عمر، الذي قال إن بوطاجين أخوه من الرضاعة، وابن حيّه "لاقلاسيار" بالعاصمة؛ هذا الحي الشعبي الذي قدّم الكثير من الشهداء والفنانين والمناضلين، مؤكدا أن بوطاجين يرسم منذ الصغر. وكان في طفولته يرسم الأوراق النقدية. ثم التحق بمسار علمي فني راق.
وعن هذا الالتزام بالمقاومة والنضال قال إن ذلك ليس غريبا من جزائري تربى في بيئة تثمّن هذه المبادئ والقيم. وتغرس فيه العادات والتقاليد الجزائرية. وفي هذه الأوساط الشعبية تخرّج المناضلون والفنانون من الرجال والنساء.
وعُلقت ببهو المعرض شهادة كتبها صديق الفنان بوطاجين، وهو الكاتب المسرحي سليمان بن عيسى. ومن ضمن ما جاء فيها: "وكأنني أتحدث عن نفسي. نحن أبناء بداية الاستقلال في فترة كانت الحرب الباردة في أقصى درجات التصاعد؛ حيث كانت الجدران تٌبنى في أوروبا، وتبادُل الجواسيس يتم على جسور برلين. في تلك اللحظة لم نكن شرقا ولا غربا؛ كنا مستقلين، وكانت الجزائر مكة الثوار. كان المضطهدون الذين يرفعون رؤوسهم يستقبلون في حريتنا دون مقابل. كان هناك الفلسطينيون، والمؤتمر الوطني الإفريقي لمانديلا، وطلاب أنغولا والبرتغال، والنمور السود والآخرون... دون نسيان شهدائنا ومثقفينا".

صاحب الشوارب الكثيفة يستجوب الشخصيات

عن بوطاجين يكتب بن عيسى: "فوق شواربه الكثيفة التي تخفي سر ضحكته، يستجوب هذه الوجوه بفن معقد وحساس، يتطلب المهارة لتحقيق هذه البورتريهات. ويجب أن تكون حِرفيا عظيما، وفنانا عبقريا في آن واحد. وفي هذا السياق يمكننا أن نقول إن بوطاجين هو رسام حِرفي أو حِرفي رسام". ويضيف: "شدة وهيبة فنه لا تقتصر على إحياء وجه من خلال الكولاج، بل على رواية قصة شخصية عظيمة، وقطع الورق الممزق من المجلات التي كذبت علينا، أصبحت بطريقة سحرية تقول لنا فجأة الحقيقة. مصطفى بوطاجين الساحر يتعامل مع قطع الورق كما لو كانت تمزقات تعطي معنى لجسامة تجربة النموذج. مصطفى استحوذ على هذا الفن بتقنياته، مقللا من حجم قطع الورق أكثر فأكثر؛ لتحقيق تفاصيل أدق، ووضوح أكبر في التعبيرات".
كما يؤكد الكاتب أن بوطاجين إذا استمر في هذا الفن المعقد؛ فذلك لأنه يمتلك ميزة كبيرة؛ الولاء، والذي هو ليس ولاء كلاب، بل ولاء البشر المستند على الوعي والأفكار والقيم. ويعكس انفتاحا حقيقيا على العالم. وولاؤه أيضا ـ كما يضيف ـ للاختيار الجمالي.
ومن البورتريهات المعروضة والمرفقة كلها بقصاصات تتضمن حياة صاحب الصورة هناك محمود درويش صاحب 20 ديوانا بقصائد الحب والمنفى والحرب، وكذا فيدال كاسترو، علما أن اللوحة الأصلية أهداه إياها الفنان في حياته. ومن الشيلي بورتريه للثلاثي سلفادور أليندي وبابلو نيرودا وفيكتورخارا، وبورتريه لشيغيفارا الذي أحب وزار الجزائر، وكذا تشارلي شابلن الذي ساند الضعفاء والمقهورين. ونتيجة إعجاب بوطاجين به، اقتبس من رائعته "الولد" ، ليضفي ملامح  ابنه الأصغر يانيس، على الولد الصغير.
ومن الشخصيات نجد أيضا جيزيل حليمي وباية الكحلة وجاكلين قروج ولويزات إغيل وحسيبة بن بوعلي وفرانس فانون ولابوانت وريموند بيشار الملقبة بالطاوس، ووريدة مداد وتامازقا البربرية التي أهانها المستعمر، وزيّنها بوطاجين بأجمل الثياب والحلي.    
للتذكير، فإن مصطفى بوطاجين من مواليد سنة 1952 بالعاصمة. حاصل على شهادة من المدرسة الوطنية العليا للفنون الزخرفية في باريس في التصميم. وله ماجستير في الدراسات المعمقة في الجماليات وعلوم الفن بباريس. وحاصل على شهادة من المدرسة الوطنية للفنون الجميلة بالجزائر في الهندسة الداخلية، بإشراف الراحل يلس، ورئيس قسم التصميم بالمدرسة العليا للفنون الجميلة.  ومدرس سابق في المدرسة متعددة التقنيات للهندسة المعمارية بالحراش. ومصمم، وكاتب في صحيفة الإنسانية لمدة 30 عاما، ومدير رواق الفن بباريس.