«المهاجران" للمخرج التونسي حافظ خليفة

أداء ثنائي مكثف يطرح أسئلة الاغتراب والمعنى

أداء ثنائي مكثف يطرح أسئلة الاغتراب والمعنى
  • 380
مبعوثة "المساء" إلى سطيف: دليلة مالك مبعوثة "المساء" إلى سطيف: دليلة مالك

عُرضت مسرحية "المهاجران" للمخرج التونسي حافظ خليفة، ضمن فعاليات الدورة الثالثة للأيام العربية للمسرح، التي تحتضنها سطيف إلى نهاية الشهر الجاري بمشاركة عدد من الفرق العربية في إطار المسابقة الرسمية، وذلك أوّل أمس، والعمل من إنتاج شركة الضفتين للإنتاج الفني بدعم من الصندوق الوطني للتشجيع على الإبداع الأدبي.

المسرحية، المقتبسة عن نص للكاتب البولندي سلافومير مروجيك برؤية واقتباس الكاتب والمسرحي لسعد بن حسين، جاءت لتطرح بأسلوب درامي ساخر أسئلة إنسانية عميقة عن معنى الاغتراب، الفقر، الحرية، والحلم. النص، الذي يدور في غرفة ضيقة تحت الأرض بين مهاجرين يعيشان على الهامش، تحوّل في هذه الصياغة العربية إلى مرآة لواقع المهاجرين العرب وتجاربهم القاسية، حيث يتداخل المحلي بالكوني في تجربة وجودية مفتوحة على تأويلات متعدّدة.

في هذا العمل، حمل الثنائي صلاح مصدق وجلال الدين السعدي ثقل النص على أكتافهما باقتدار، حيث قدّما أداءً مكثّفًا تميّز بالقدرة على شدّ انتباه الجمهور طيلة زمن العرض. نجح الممثلان في نقل المتلقي من لحظات السخرية الخفيفة إلى لحظات الانكسار العميق، ومن بريق الأمل إلى هوة اليأس، في توازن درامي يعكس خبرتهما وقدرتهما على إدارة الحوار الطويل دون أن يفقد زخمه أو إيقاعه.

أما على مستوى التفاعل الثنائي، فقد جسّد الفنانان علاقة مركّبة بين شخصيتين يعيشان على الهامش في فضاء مغلق. التلاعب بالصمت، تقاسيم الوجوه، الانفعالات الجسدية، وحتى الإشارات الصغيرة، حوّلت المشاهد إلى لوحات نابضة بالرمزية والتوتر الإنساني. هذا التناغم بين مصدق والسعدي جعل العرض يتجاوز مجرّد اقتباس نصّ عالمي، ليصبح تجربة مسرحية حقيقية تنبض بالحياة وتلامس أعماق المتفرج.

بهذا العرض، أثبتت "المهاجران" أنّها ليست مجرّد اقتباس ناجح لنصّ عالمي، بل تجربة فنية وجودية تضع المشاهد أمام أسئلة مفتوحة عن الهجرة والحرية والمعنى. وبفضل رؤية لسعد بن حسين وأداء صلاح مصدق وجلال الدين السعدي، رسّخت المسرحية حضورها كأحد أبرز العروض التي طبعت الدورة الثالثة من الأيام العربية للمسرح بسطيف.

أما من الناحية البصرية، فقد جاءت السينوغرافيا بسيطة في عناصرها، لكنّها غنية في دلالاتها. الغرفة الضيّقة تحت الأرض والإضاءة الخافتة وحركة الممثلين داخل فضاء محدود، كلّها عناصر جسّدت بصدق إحساس الغربة والاختناق، لتصبح صورة رمزية عن وضع المهاجر، سواء خارج وطنه أو داخله.