الكــــاتـب اليونـاني تاكيس تيودوروبولوس لـ"المساء”:

أزمة اليونان أثرت إيجابا على الإبداع المحلي

أزمة اليونان أثرت إيجابا على الإبداع المحلي
  • القراءات: 650
حاورته: لطيفة داريب حاورته: لطيفة داريب
تاكيس تيودوروبولوس، كاتب صحفي من اليونان، درس الأدب المقارن في فرنسا وعمل متعاونا في جريدة ”ليبيراسيون”، ثم أصدر العديد من الروايات، ليتحول إلى أحد أهم كتاب الجيل الجديد للروائيين اليونانيين، كما يعتمد كثيرا على الحضارة الإغريقية في أعماله التي نذكر من بينها: ”المتوسط بضفتيه” و«الحياة السبعة لقطط أثينا” و«اختراع فينوس ميلو”، علاوة على عمله في جريدة يومية يونانية.«المساء” التقت بتاكيس تيودوروبولوس، عقب زيارته الأخيرة للجزائر، في إطار اللقاء الجزائري الأوروبي حول الكتابة، وأجرت معه هذا الحوار:

كيف يواجه المثقف اليوناني الأزمة الاقتصادية العميقة التي تتخبط فيها دولتكم؟
من الناحية العملية، ليس لدينا المال، فنحن نعيش إفلاسا ماليا وأزمة اقتصادية عويصة، ومع ذلك أقول بأن لكل أمر إيجابياته، فهذا الوضع دفع المبدعين إلى ابتكار ما لا يتطلبه مال كثير، كما اضطررنا إلى مراجعة الكثير مما كنا نعتقده من اليقين؛ يقين أننا نعيش في عالم يتطور ويتقدم نحو السعادة، فهذه المثالية والأوهام عشناهما قبل الأزمة اليونانية وأثرتا سلبا على مجتمعنا، رغم أننا نشعر بأن هناك أمورا لا تسير بشكل جيد، ومن بينها الإيمان بالمال والغنى وكذا تهميش الفقراء، مثلما يحدث في باقي الدول الأوروبية، وهو ما أعتبره مرضا، فاليونان قبل سنوات الثمانينات، لم يكن فيها فرق بين الفقير والغني، رغم أن الشعب اليوناني لم يكن ثريا، وبعدها عرف هذا المجتمع ما يسمى بـ«جنون العظمة”، من حيث اهتمامه بالمال بصفة مبالغ فيها، لهذا حان الأوان لكي يكون للمثقف دور في هذه الأزمة من خلال طرح عدة تساؤلات تمس هذا الموضوع، فالصعوبات تدفعنا إلى التفكير والإبداع أيضا، وأعطي مثالا عن الرواية، لأنها جنس أدبي يتغذى من الأزمات الوجودية.

هل أنتج المثقفون أعمالا إبداعية حول الأزمة اليونانية؟
— لا يمكن للمثقف أن يكتب عن شيء أو أزمة ما وهو يعيش أطوارها، لأنه مجبر على اتخاذ مسافة بينه وبين الحدث نفسه، فمثلا؛ هل استطاع المثقف الجزائري أن يكتب عن العشرية السوداء وهو يعيش يومياتها؟ لا أعتقد ذلك.

هناك شعور مزدوج للمواطن اليوناني اتجاه الغير وبالأخص نحو الأوروبي، يتضمن الريبة والتجاهل، فلم يعود ذلك؟
— صحيح أن المواطن اليوناني منزو عن باقي أترابه من الأوروبيين، رغم أن أوروبا الغربية لعبت دورا مهما في حياة اليونانيين، سواء في خياله أو في واقعه، وقد كان اليوناني ابتداء من القرن 19، منبهرا بمبادئ الحرية والحياة النوعية التي كان يتمتع بها جزء من أوروبا، خاصة أن اليونان كانت مستوطنة عثمانية، ومنه تحررت لتشكل أول دولة مستقلة من منطقة البلقان، فأوروبا ساعدت اليونان على إنشاء الوعي الوطني، ومع ذلك لم يمنع هذا من نشوء إحساس بالريبة حتى التجاهل نحو أوروبا نفسها، ولعب الدين دورا في هذا السياق، فاليونان بلد مسيحي مثل الأوروبيين الباقيين، إلا أنه أرثوذوكسي، بينما الآخرين من الكاثوليك والبروتستان، كما أن اليونانيين وعلى حسب مقولة أحد الفلاسفة؛ ”اليونانيون أطفال أبديين”، أي أنهم يعتقدون أن بإمكانهم ارتكاب الأخطاء والاستفادة من العفو، وهكذا، وبما أنهم يشعرون بأن أوروبا وصية عليهم، فإنها ستعفو عن هفواتهم وتقدم لهم الهدايا، وهو ما لم يتحقق دوما، بطبيعة الحال. نعم هناك شعور مزدوج اتجاه أوروبا، ورغم أن اليونان عضو في الاتحاد الأوروبي منذ سنة 1981، ما يزال هناك شعور يحمل الريبة وقلة الثقة، لكنني أقول بأن هذا الشعور لا يقتصر على اليونانيين، بل يعم كافة الشعوب الأوروبية، فالفرنسي مثلا، يقول؛ أنا فرنسي قبل إعلانه عن أوروبيته.

هل يعود ذلك إلى خوف اليوناني أو الفرنسي أو غيره من فقدانه للهوية إذا اعترف بأوروبيته أولا؟
— نعم هو كذلك، وفي نفس الوقت أتساءل؛ ماذا تريد أوروبا من الأوروبيين؟ لقد أسسنا أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية لأننا لم نكن نريد أن نرى على أرض أوروبا كل الخراب الإنساني والعمراني الذي تسببت فيه الحرب، ولم نكن نبتغي أن نحيد حذو الكتلة الشرقية، وكنا نصبو إلى الجمهورية والديمقراطية، لكن أصبح هذا من الماضي، ولم يعد هناك ”خطر” الكتلة الشرقية وغابت الاشتراكية الحقيقية، لهذا يجب أن نبني أوروبا، لكن من منحنى آخر، فأوروبا ليست مرادفة للمال وحسب.

تعتمد كثيرا على التراث الإغريقي في أعمالك الأدبية، هل هو الحنين إلى حضارة رائدة شكلّت فارقة في التاريخ؟
— لا ليس بدافع الحنين، فأنا لا أود أن أرتدي ‘الصندال’ واللباس الإغريقي القديم، بل أحب اللباس العصري (يضحك)، حبي لهذه الحضارة يعود إلى كونها أخذت على عاتقها العديد من القضايا التي ما نزال نتناولها إلى غاية اليوم ونحاول أن نفك طلاسمها، فالديمقراطية مثلا، عرفت ميلادها في تلك الحقبة واليوم هي حاضرة، ففلاسفة ومفكري ذلك العصر لم ينفكوا في التفكير، كما أن اللغة اليونانية لم تتغير بشكل كبير منذ ثلاثة آلاف سنة، وهو ما حافظ على قيمة هذه الحضارة.

لماذا اخترت مغادرة اليونان نحو فرنسا بالذات، لمواصلة دراستك؟
— لأن اليونان كانت تعيش تحت وطأة الدكتاتورية، كما اخترت فرنسا لأنني أتقن لغتها، فكما تعلمين، لغات الدول الصغيرة، ومن بينها اليونان، لا يمكن أن تستعملها خارج الحدود، رغم أنني ذكرت آنفا بأنها لغة قديمة جدا وهكذا تعلمت اللغة الفرنسية في سن الخامسة واللغة الإنجليزية في سن السادسة.

 ماذا تعرف عن الأدب الجزائري؟
— لدي صديقان، هما أديبان جزائريان؛ سليم باشي وبوعلام صنصال، كما سبق لي أن زرت الجزائر في إطار تظاهرة ”أيام ابن رشد” التي نظمها صديقي الثالث، الناشر الجزائري صفيان حجاج سنة 2002، حقيقة تغيرت الجزائر كثيرا منذ ذلك العام، حيث اكتشفت آنذاك مدينة كبيرة شبه خالية، أما اليوم فقد تحولت إلى فضاء ممتع جدا.

كيف تزاوج بين الجدية والسخرية في مقالاتك؟
— المزج بين الجدية والسخرية في نفس الوقت، هي بصمتي في الكتابة الصحفية، والمشكل هو أنني أكتب كل يوم بمعدل ستة أيام في الأسبوع في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية والدولية والوطنية، إلا تلك المتعلقة بالاقتصاد، لأن علاقتي بهذا الميدان سيئة، وأتقاسم مكتبي مع ‘كاريكاتور’ الجريدة ونتناقش حول الوقائع.