"حوار الحضارات" لقمرود برواق "عائشة حداد"

ألوان ديناميكية مركبة بمواضيع من الراهن

ألوان ديناميكية مركبة بمواضيع من الراهن
الفنان المحترف مجيد قمرود
  • 722
مريم . ن مريم . ن

يعرض الفنان المحترف مجيد قمرود، بمعرضه "حوار الحضارات" في رواق "عائشة حداد"، جملة من الأفكار والرؤى التي ظل مقتنعا بها، وتدعو في عمومها إلى التفتح على الآخر، وإلى تعدد الثقافات واللغات التي تمثل غنى في حد ذاتها، كما يبرز ولعه الدائم بجمال الجزائر بكل ما فيها من تراث وتاريخ وهوية، وامتدادها نحو المتوسط مهد الحضارات، وإفريقيا أم الإنسانية.

التقت "المساء" الفنان مجيد قمرود يجلس في معرضه لاستقبال الوافدين، حيث أشار إلى أن المعرض يضم أكثر من 40 لوحة، بعضها جديد، وبعضها الآخر سبق له وأن عرضها، مؤكدا في حديثه، أن فنه يعكس أكثر الزمن الراهن بكل ما فيه من رهانات وتحولات وخصوصيات، متوقفا مثلا عند ظاهرة التنوع اللغوي في الجزائر، معتبرا إياه ظاهرة صحية تساعد على الانفتاح واكتساب خبرات ومعارف وتجارب الآخر، كذلك الحال مع لهجاتنا أو لغاتنا المستعملة، والتي لا تمثل أبدا تهديدا، فالوطنية عقيدة في قلوب كل الجزائريين، داعيا أيضا إلى الالتزام بالمنهجية العلمية والبحث، عوض الجري وراء السياسة والإيديولوجيات، ليقول "الثابت دوما هو ثقافة الحوار والالتزام بتراثنا الوطني الزاخر وبهويتنا.
تبدو لوحات قمرود وكأنها لفيف من "الدونتال" منسوج بدقة وحبكة، وعن لوحاته قال "تبدو لوحاتي مركبة، فأنا أرسم سريعا ودون أن أكمل اللوحة، أتركها وأنتقل لأخرى، لأعود إلى إكمالها فيما بعد". أكد قمرود لـ«المساء"، أنه عايش الفن الجزائري منذ السبعينيات، وتتلمذ على أكبر الفنانين، منهم مارتينيز وغيره، لكنه دوما حريص على أن يبدع بأسلوبه هو، قائلا "أنا أرسم بأسلوبي وبرؤيتي، وأنا من يرث تراث أجدادي الذي نشأت فيه وبه وصقل وجداني، بالتالي أنا أحسن، والأولى بالتعبير عنه من الياباني مثلا".
كما أشار المتحدث، إلى أنه يرسم على القماش وأحيانا ينحت على الزجاج، ويستعمل الألوان المائية (الأركليك)، مؤكدا أن في الماضي، كانت تستعمل الألوان الزيتية وكان ثمنها زهيدا في الجزائر، إلى درجة أن بعض التونسيين يأخذونها معهم لبلدهم، وهو غير الحال اليوم، حيث يصل سعر العلبة الوحدة إلى 200 دينار، كما أن الألوان الزيتية تتطلب وقتا طويلا لتجف، وهذا لا يلائم عصر السرعة، إضافة إلى كون هذه الألوان خطرا على الصحة.
قال الفنان قمرود أيضا، إن شروط إقامة العروض التشكيلية عندنا لم تصل بعد إلى المستوى العالي، كما في نيويورك أو باريس أو مدريد، لكن ما يهم، هو أن تُقدم أعمال الفنانين ولا توقف العروض حتى ولو كان الفضاء متواضعا، يحتاج مثلا لخبرة في الإضاءة وتعليق اللوحات، وكل ما يتعلق بالجانب السينوغرافي، لكن الجزائر تبقى متميزة عن غيرها، حسبه، بغياب تكاليف العرض، فعندما يعرض أي فنان، يدفع مبلغا رمزيا زهيدا، حتى ولو بيعت لوحاته بالملايين، عكس أوروبا، ومنها فرنسا، فقد تصل مبالغ الضرائب إلى 70 بالمائة من ثمن اللوحات.
وقف الفنان عند إحدى لوحاته التي تقابل المدخل، مفسرا محتواها قائلا "إنها لوحة توحي بسواحل الجزائر الممتدة خاصة بالعاصمة"، معتبرا مدن وقرى المناطق الساحلية غالبا ما تدب فيها الحيوية والحياة والأحلام، وفيها تمتد البيوت والأقواس والضجيج، فكل شيء فيها يتحرك، ما يدل على أن الجزائر هي في قلب العالم والحضارات والتاريخ معا، وهنا استحضر فترة السبعينيات، حيث عاش الجزائريون بهجة الحياة بإمكانيات بسيطة ومحدودة، وهذا ما أحبه، فأنا أحب الإنسان البسيط مرتاح البال".
كما أشار الفنان إلى أنه ظل وفيا لأسلوبه في هذا المعرض، من خلال الشخوص غير المعلومة، واستعمال الألوان المتناقضة والمتقابلة، ما يعطي حركة وتركيبا ديناميكيا، كذلك الأضواء بين الباهتة والمضيئة وغيرها، وتبدو بعض لوحات قمرود مكتظة وذلك، حسبه، لأن عنده الكثير من الأفكار، ومما يقوله ومما سمعه من مجتمعه ومن واقعه المعيش بتفاصيل يومياته.
أكد قمرود لـ«المساء"، أنه فيما مضى، كان لمعارضه موضوع واحد جامع، فمثلا قدم سلسلة إيكولوجيا وأخرى عن الماء وعن الإعلام وغيرها، لكن بعدها أصبحت اللوحة الواحدة بعدة مواضيع، تربطها الألوان المتناسقة (الخيط الرابط)، كما حضرت في المعرض الطبيعة الميتة قصد التنويع في المواضيع، وكذلك لوحة في الحروفيات، مؤكدا أن لكل فنان رؤيته، أما ذوق الجمهور فهو أمر يتجاوز الفنان.
تطرق الفنان أيضا إلى عدة مواضيع خلال حديثه لـ«المساء"، منها راهن الفن التشكيلي في الجزائر، من ذلك السرقات الفنية التي يكتشف بعضها حين عرضها على الأنترنت، وكذا إعادة أعمال الفنانين الكبار دون إذن عائلاتهم (الورثة)، من ذلك أعمال باية. وبالمناسبة، صرح الفنان أنه يحضر أعمالا قادمة جديدة ومبتكرة، سيعلن عنها في حينها.