القوافل الثقافية بين الجزائر وإفريقيا

إبراز التأثير التاريخي والفكري

إبراز التأثير التاريخي والفكري
  • 205
نوال جاوت نوال جاوت

"الجزائر وإفريقيا، قوافل ثقافية" هو عنوان الندوة التي أدارها الدكتور احمد جعفري، أوّل أمس، بفضاء "إفريقيا" بالجناح المركزي "القصبة" لصالون الجزائر الدولي للكتاب، وكانت مناسبة لإبراز تأثير القوافل التاريخي، ليس فقط في الجانب التجاري، ولكن أيضا في تداول الأفكار عبر أقطار القارة السمراء.

في هذا الصدد، استحضر عدد من المتدخلين الدور الأساسي للقوافل الثقافية في تطوير التبادلات التجارية عبر الصحراء، والتي تشكّل العلاقات الاقتصادية في إفريقيا. وهذه القوافل، التي كانت تسافر عبر مساحات شاسعة، كثيرا ما كانت غير مضيافة، كانت تضمن نقل البضائع والثقافات والمعارف، ناشرة بذلك المعرفة والممارسات الاجتماعية بين مجموعات مختلفة، ما ساهم في تداول حقيقي للأفكار.

في هذا الصدد، قدّم الباحث نور الدين الشعباني مداخلة عن "تاريخ القوافل الثقافية"، مؤكّدا أنّها كانت  بمثابة "قنوات حقيقية للتواصل بين الجزائر وبقية القارة الأفريقية"، وأشار إلى أنّ هذه القوافل مرّت بثلاث مراحل كبيرة توضّح تطورها. في وقت مبكر، كانت تجارية، تسهل تبادل البضائع بين الجزائر والمناطق المجاورة وتسمح بنقل البضائع الثمينة، مثل الذهب، مع خلق روابط اقتصادية. ويواصل البروفيسور أنّ هذه القوافل اتّخذت بعد ذلك بعدا "ثقافيا ودينيا" وباتت ناقلة للقيم، المعتقدات والمعرفة. ليتوقف بعد ذلك عند طابعها الجيو- سياسي من خلال خلق تحالفات ونشر نفوذها مثلما حدث مع الدولة الرستمية.

وفضّل الأستاذ السنغالي سعيد بوا سيدي الحديث عن تواجد الطريقة القادرية الكنتية وتأثيرها في السنغال، مبرزا العلاقة الروحية العميقة التي تربطها بالجزائر، فمؤسس هذه الزاوية الصوفية في السنغال التي تعود جذور 95 بالمائة من مريديها، حسب المتدخل، إلى منطقة توات الجزائرية، مضيفا أنّ فضل تجذّر هذه الطريقة في السنغال يعود إلى حركة هذه القوافل. وإلى جانب التواصل الروحي أثرت هذه القوافل كثيرا في المجتمع السنغالي.

أما الأستاذ تشالز بينام بيكوي، فتطرق إلى "نظام القوافل عبر الصحراء كناقل للحضارة"، مقدّما رؤية واسعة للقاء بين الثقافات والحضارات في السياق الصحراوي. حيث لعب نظام القافلة دورًا أساسيًا في تداول الأفكار والمعتقدات والممارسات عبر العصور. وأشار إلى أنّ الباحثين في تاريخ افريقيا، الإسلام والثقافة، توصلوا إلى عاملين أساسيين لفهم هذا النظام، الأول يتعلّق بسرعة أسلمة سكّان الساحل، مع إمبراطورية المرابطين، أما الثاني فيتعلق بكون التاريخ الثقافي لهذه القوافل تستمد أهميتها من استمراريتها، وليس فقط قبل الإسلام أو بعده ولكن لغاية يومنا ".

من جهته، أشار الباحث في علم الاجتماع محمد بلحي إلى أنّ "الاستعمار أفقدنا بُعدنا الأفريقي"، مؤكّدا أنّ هذه الفترة من تاريخنا هدّمت الجسر الثقافي والتاريخي الذي يربطنا بالقارة السمراء، ودفعتنا نحو أوروبا كمستهلكين لثقافتها وأفكارها، وزاد أنّه قبل الاستعمار كانت افريقيا قارة حيوية وغنية بمعتقداتها وممارساتها الثقافية، وقال "لابدّ من العودة إلى هذه القوافل الثقافية وإلى البعد الافريقي وهذا الوعي الافريقي"، ولتحقيق ذلك لابدّ من إعادة النظر في التاريخ.