الملتقى الدولي "الجزائر في الحضارة"
إبراز الفضل على الإنسانية في قضايا الدفاعوالحرية
- 74
نوال جاوت
ضمن البرنامج الثقافي المرافق لصالون الجزائر الدولي الثامن والعشرين، احتضن فندق "الأوراسي"، أمس الثلاثاء، ملتقى دوليا بعنوان "الجزائر في الحضارة"، بغية إظهار المكانة العالميّة لتاريخ الحضارة والعلم والاحتفاء بالفكر في الجزائر، تسليط الضوء على فضل الجزائر على الإنسانيّة في قضايا الدفاع عن الأرض والحرية وقيمة الإنسان، إلى جانب الحضور الرّوحي للجزائر في إفريقيا من خلال الطّرق الصّوفية وإبراز قيمة المحليّة في الكتابة والإبداع كجوهر العالميّة.
الملتقى جاء في جلستين، الأولى خصّصت لمحور "الجزائر.. موطن الفكر والإبداع والامتداد الثقافي"، والثانية لموضوع "المحلية والعالمية.. قيم التّواصل والتّفاهم"، سبقتهما محاضرة افتتاحية للدكتور بومدين بوزيد بعنوان "تجليّات القِيم الإنسانيّة وجدَل المحلّي والكوْني في نُصوصٍ جزائِريّة" تمحورت حول نصوص تميّزت بالمحلية في الانتماء وتأثير الجغرافيا والتحوّلات السيّاسية والاجتماعية، والكونيّة في امتدادها وطبيعة نزْعَتها، مشيرا إلى أنّ هذه النُّصوص تميّزت بعدم ارتباطها بحاضرة علمية وسياسية واحدة، بل تعدّدت الحواضر في تعاقب الدّول والإمارات.
"المحلية التي تحمل صفة العالمية"
توقّف عند المحلية التي تحمل الصّفة العالمية، وقال إنّ الجمع بين الإثنين ينبع من كون النصوص المبدعة هي إنسانية في جوهرها، وأنّ هذا التأثير لم يأت فقط برعاية السّلطة المركزية أو الاحتلال ولكن بقوّة الإبداع والمضمون الإنساني في هذا النصّ أو ذاك مثل نصوص سانت أوغسطين وأبوليوس، والأمير عبد القادر ومالك بن نبي ومحمد أركون ومحمد ديب.
اعتبر المحاضر أنّ هذه النصوص تعبِّر عن القيم الكونيّة، مثل الكرامة الإنسانية والحرية والدّفاع عن العقل وقيم التضامن والضيافة والكرامة وتقدّم صورة عن التّسامح (التصوّف)، وكانت المقاومة والثورة التحريرية مُستلهِمة ومُلهمة لهذه القِيم، كما أنّها نصوص تحمل صفتي الحوار والتّفاهم (التصوّف، حلقات المناظرة في الدولة الرستمية، محاورة ابن سبعين للمسيحيين وتأثيره في بجاية، ومحاورة النّاصر بن علناس الحاكم الحمادي مع البابا غيرغوار).
من جهته، استعرض الفيلسوف التونسي فتحي التريكي "الفلسفة في الحضارة النوميدية، وقال إنّ فلسفة الحضارة هي التي تقدّم لنا ركائز هويّة البلد أو الأمّة لامحالة ولكنّها توضّح في الآن نفسه كيفية تطوّر مجتمعاتها، بدءًا من تحوّل نمط العيش والأخلاق والمعرفة وصولًا إلى تنظيم الدولة في حدّ ذاتها.
أُسس الحضارة الجزائريّة الموغلة
أشار المتدخّل إلى أنّ هذه الفلسفة، لا تكتمل إلا إذا تناولت بالدرس واقعها فتتناول مفاهيم وقيم حضورها مثل العقل والوجدان والإيمان والتقدّم والنّمو والتوازن بين الحرية والقيود الاجتماعية وغيرها، بالإضافة إلى نمط عملها مثل دور المؤسّسات (السياسية والدينية والعلمية والثقافيّة) في التطوّر البشري داخل مجتمعاتها أو خارجها. فهي الفلسفة التي تأخذ على عاتقها توضيح معطيات الثقافة كلّها على المستويين المادي والروحي داخل مجتمع معيّن، والتوضيح يعتمد بيان حقيقة تلك المعطيات ونقدها في الآن نفسه.
وقدّم المتدخل محاولة لفهم أسٍّ شديد الأهمّية من أسس الحضارة الجزائريّة الموغلة في التاريخ والتي أشعّت وأثّرت أيما تأثير في العالم المعروف آنذاك وهي "فلسفة الحضارة النوميديّة القرطاجيّة"، التي تعتبر بداية نشأة الفكر الفلسفي في الجزائر وتونس. معتبرا أنّ الفلسفة تجعل من الحضارة النوميدية تجربة إنسانية وفكرية متكاملة، فكر في السياسة، ممارسة روحية، ووعي بالذات والآخر، ما يجعلها نموذجًا للفلسفة المعيشة التي تربط الإنسان بالزمان والمكان والمجتمع والكون.
وواصل الفيلسوف التونسي أنّ النوميديين (سكان شمال إفريقيا قبل الاحتلال الروماني) يمكن قراءتهم فلسفيًا من عدة زوايا، حيث كان لديهم نظام قبلي متوازن، يوازن بين قوة القبيلة ومبدأ العدالة، والحكمة والاعتدال والمصلحة العامة، قيم يمكن اعتبارها فلسفية قبل أن تكون سياسية. كما يرى أنّ القيادة النوميدية تمثل ممارسة فلسفية للعدالة والمبادئ، وليس مجرد سلطة قسرية، مشيرا إلى أنّ الطقوس الدينية والنواحي الروحية في النوميدية لم تكن مجرد شعائر، بل تجليات لفلسفة الانسجام بين الإنسان والطبيع، وهو ما يجعل هذه الممارسات "فلسفة عملية"، حيث يعيش الإنسان ضمن نظام كوني، والفضيلة تكمن في التوازن، وليس في الانفصال عن العالم الطبيعي، وأوضح أنّ المحافظة على الهوية والذاتية الفكرية نوع من الفلسفة المقاومة، أي فلسفة لا تكتفي بالممارسة الفردية بل تتجاوزها إلى صيانة المجتمع.
«نسيان كامو" نقد للتمثيل الأدبي لفرنسا الاستعمارية
المحاضرة الثانية في الجلسة الأولى، قدّمها الأكاديمي الفرنسي المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، أوليفيي غلوغ وعنونها بـ«المقاومات المناهضة للاستعمار وأثرها الأدبي"، مؤكّدا أنّ المقاومات لم تقتصر على الصراع العسكري والسياسي، بل شملت أيضًا أشكالًا ثقافية وفكرية، مثل الحفاظ على اللغات والتقاليد المحلية، وإنتاج سرديات وشهادات تهدف إلى فضح الظلم ومنح صوت للمستعمرين المضطهدين، وأوضح أن بعض الكتّاب المناهضين للاستعمار قد تم تهميشهم في الذاكرة الأدبية الفرنسية لصالح شخصيات أكثر شهرة، مثل كامو، رغم مساهماتهم المهمة.
في أحدث أعماله، يقدّم المؤرخ والباحث الفرنسي أوليفييه غلواغ قراءة جديدة للمقاومات المناهضة للاستعمار وتأثيرها على الأدب، من خلال كتابه "نسيان كامو" الذي يتناول نقداً للتمثيل الأدبي لفرنسا الاستعمارية، مع التركيز على الدور المحدود الذي لعبه ألبير كامو في نقل صورة شاملة للمقاومة الشعبية والثقافية ضد الاستعمار.
ويضيف غلواغ أن هذه المقاومات تركت آثارًا عميقة في الأدب الفرنسي ما بعد الاستعماري، من خلال إعادة بناء الهوية والذاكرة المتأثرة بالاستعمار، السرديات المنخرطة في فضح الظلم ومناقشة التجربة الاستعمارية، إعادة كتابة التاريخ لتسليط الضوء على أصوات المستعمرين المضطهدين والتأثير على الأدب المعاصر في تناول إرث الاستعمار ومأسسته في الذاكرة الثقافية.
وواصل الدكتور غلوغ بالإشارة إلى أنّ توسان لوفرتور والأمير عبد القادر يشكلان اثنتين من أبرز الشخصيات في تاريخ النضال ضد الاستعمار. فبفضل انتصاراتهما في ميادين المعارك، أعادا إحياء وعي إنساني شامل مناهض للإمبريالية عبر الزمن. وقد خلّف هذا الوعي آثارًا فكرية وأيديولوجية عميقة هزّت الأسس التي قامت عليها المتروبول، مفنّدة الشعار المؤسس للجمهورية القائل إنّ "الناس يولدون أحرارًا ومتساوين في الحقوق"، وهو ما نبّه إليه جان بول سارتر إبّان الثورة الجزائرية.
زعزعة وانحياز ونقد لاذع
هذه التناقضات، أو الأكاذيب، أو الأقنعة، حسب زاوية النظر، زعزعت، وفق المتدخّل، يقين كبار الأدباء الفرنسيين. فـفيكتور هوغو تناول في روايته الأولى موضوع هايتي واحتفى علنًا بالأمير عبد القادر (كما احتفى أيضًا بجون براون عشية الحرب الأهلية الأمريكية). أما فلوبير، ففي روايته "سلامبو"، فقد ربط مقاومة الأمير عبد القادر بثورة المرتزقة التي زلزلت قرطاج وروما على السواء، وانتقد عبرها أساليب الجنرال بيجو من خلال إسقاطها على القائد القرطاجي حملقار.
هكذا تفاعل المشهد الأدبي الفرنسي بأكمله مع حركات مقاومة الشعوب المستعمَرة. حتى موباسان، الذي انحاز في بداياته إلى صفّ المستعمِرين عبر مقالات دعائية منحازة، كتب لاحقًا إحدى أهم الروايات النقدية للاستعمار، مبرزًا فيها أبعاده الاقتصادية، وتلاعبات الصحافة الباريسية، وأكاذيب الدولة. كما تضمّنت الرواية نقدًا لاذعًا لجول فيري – أحد رموز "اليسار الاستعماري".
وتساءل الأكاديمي عن "معنى أن يكون المرء فرنسيًا في مواجهة الهمجية الاستعمارية؟"، وقال إنّه سؤال ظلّ محلّ جدل واسع، وتبدّلت الإجابات عنه عبر الأزمنة. مع ذلك، وباستثناء قلة من الكتّاب (من البارون دو لاهونتان إلى سارتر مرورًا بالسرياليين)، مالت الكفة في الغالب نحو نزعة تُجرّد المستعمَرين من إنسانيتهم. وليس مفاجئًا أن نجد لوتي في صفّ هذا التيار الرجعي، لكن المدهش هو أن نرى إلى جانبه كتّابًا مثل زولا (تيريز راكان)، ولاحقًا مارغريت دوراس.
قدرة على الإنتاج الاجتماعي والثقافي رغم التجارب العنيفة
ثالث المتدخلين كان الدكتور الفرنسي جيمس ماكدوغال الذي تحدّث عن "البلاد والحضر: الجزائر، المكان والزمان في التاريخ" وانطلق فيها من دراسة العلاقة بين المجالين الريفي والحضري في التاريخ الطويل للجزائر، منذ اللحظة التي تأمّل فيها ابن خلدون دينامية المدينة والبادية، أو القبيلة والدولة، في قلعة بني سلامة، وصولاً إلى التحوّلات التي شهدتها المدن الجزائرية بعد الاستقلال.
وسلّط ماكدوغال الضوء على استمرارية المجتمع الجزائري وقدرته على الإنتاج الاجتماعي والثقافي رغم التجارب العنيفة للاستعمار والحروب والاضطرابات. ويرى المؤرخ أن الجزائريين لم يكونوا مجرد متلقين للأحداث، بل فاعلين شكّلوا ممارسات ومؤسسات أعادت رسم علاقتهم بالسلطة والمكان والذاكرة.
ويُعدّ المكان في رؤية ماكدوغال عنصراً محورياً، فهو لا يقتصر على كونه خلفية تاريخية، بل يتحوّل إلى فاعل يروي تجارب الماضي والحاضر. من واحات الصحراء إلى المدن العتيقة في الشمال، يحمل الفضاء الجزائري بصمات التقاليد الدينية، والتبادلات الاقتصادية، والتفاعلات الاجتماعية التي تكشف عن ديناميات التحوّلات المستمرة.
أما بالنسبة للـزمن، فيقدم ماكدوغال تصوّراً غير تقليدي للتاريخ الجزائري، يرى فيه نسيجاً من الزمنية المتعددة تتداخل فيها الذاكرة الجماعية والتجارب الفردية. فالماضي الاستعماري لم يُطوَ، بل ظل عاملاً مؤثراً في بنية الواقع المعاصر، حيث تتداخل الأحداث التاريخية مع تصورات المجتمع الحالي.
من جهة أخرى، ينتقد ماكدوغال الرؤى الثنائية التقليدية التي تصوّر الجزائر كمجرد ضحية للاستعمار، ويدعو إلى تاريخ متصل ومعقد يبرز الجزائريين كفاعلين في صنع العالم الحديث، لا كمجرد متلقين للظروف. هذا النهج يعيد إدراج الجزائر ضمن السياق المتوسطي والعالمي، بعيداً عن التصوّرات الهامشية التي هيمنت على الدراسات السابقة.
تجديد أنغلوساكسوني لفهم التاريخ الاستعماري
اختتمت الجلسة الأولى بمداخلة الباحث الجزائري الدكتور حُسني كيتوني، الذي تطرّق إلى "الجزائر في مرآة التأريخ الأنغلوساكسوني"، حيث حلّل كيف جدّدت المدرسة الأنغلوساكسونية فهم التاريخ الاستعماري للجزائر، من خلال اعتماد مقاربات نقدية ومتعددة، مثل دراسات "الاستعمار الاستيطاني".
وقال كيتوني إنّه بخلاف المقاربة الفرنسية المتأثّرة بماضيها الاستعماري، تسعى هذه الدراسات إلى إعادة الصوت للجزائر ونقل مركز النظر من الرؤية الفرنسية إلى قراءة أكثر شمولاً وعدلاً لتاريخها. كما قدّم نقدا للسرديات المسيطرة، مؤكّدا أنّ التاريخ الجزائري لا يمكن أن يُكتب من منظور فرنسي أو خارجي فقط، وعلى الدراسات الأنغلو-ساكسونية أن تراعي هذا التحيز وتدمج أصوات المصادر المحلية. كما شدّد كيتوني على ضرورة تأريخ جزائري مستقل، حتى تظل الدراسة دقيقة، ويجب الاستفادة من الأرشيف الجزائري والمصادر المحلية، موضّحا أنّه على المؤرخين الانغلو-ساكسونيين احترام خصوصيات الجزائر في موضوع الذاكرة، ونزع الملكية، والعنف الاستعماري العميق.
الجلسة الثانية من هذا الملتقى أفردت لموضوع "المحلية والعالمية.. قيم التواصل والتفاهم"، من خلال جلستين، الأولى تحدّث فيها الدكتور فارح مسرحي من جامعة باتنة 1، عن "النزعة الإنسانية في الفكر الجزائري المعاصر"، وجمع المتدخل بين فكر محمد بن إبراهيم الآبلي والباحث والمفكر محمد أركون، وقال إنّ الفكر الجزائري يمتلك جذورًا قوية تمتد من العلم التقليدي إلى النقد الحديث. وهذا الجمع يوفّر إطارًا تحليليًا متوازنًا لفهم التاريخ والمجتمع والهوية، ويقدّم مثالاً على كيفية استثمار التراث في مواجهة تحديات العصر.
ويشير المتدخّل إلى أنّ الشيخ الآبلي ومحمد أركون من أبرز الشخصيات الفكرية في التاريخ الجزائري، لكن كل منهما جسّد مرحلة مختلفة من التجربة العلمية والفكرية، فالآبلي، الذي نشأ في تلمسان في القرن الثامن الهجري، مثّل الامتداد الطبيعي للعلم التقليدي في المغرب الإسلامي، جامعًا بين العلوم النقلية (الشرعية) والعقلية (الفلسفة والمنطق)، ومقدّمًا نموذجًا للتفكير المنهجي في عصره. تركيزه كان على التعليم والحلقات العلمية أكثر من التأليف، وكان ينظر إلى المعرفة كوسيلة لفهم الدين والحياة معًا.
على الجانب الآخر، يأتي محمد أركون في القرن العشرين، ليقدّم قراءة نقدية للفكر الإسلامي، محاولًا تحريره من التقليد الجامد وفتح المجال للفكر النقدي والتاريخي والتحليلي. وقال "أركون دعا إلى تفكيك النصوص التراثية وإعادة النظر في المفاهيم الإسلامية عبر منهج علمي حديث، مع الحفاظ على الانتماء الحضاري والثقافي".
يشير الدكتور فارح مسرحي إلى أن الالتقاء بين الأبلي وأركون يتمثل في الحرص على المعرفة والتمسك بالهوية الفكرية. فكل منهما، رغم اختلاف أدواته، كان يسعى إلى تعميق الفهم الديني والثقافي للمجتمع الجزائري. الأبلي من خلال المنهج التقليدي الذي يربط بين العقل والنقل، وأركون من خلال النقد التاريخي والتحليل الفلسفي الحديث. أما الاختلاف، فيكمن في طريقة التعامل مع التراث، الأبلي يميل إلى الحفاظ على النصوص وتعليمها، بينما أركون يطرح إعادة قراءة النصوص وتجاوز بعض القيود التقليدية لإنتاج معرفة معاصرة قادرة على مواجهة تحديات الحداثة.
آخر مداخلة كانت بعنوان "الظاهرة الروحية الجزائرية عبر العصور، إسهام الأمير عبد القادر" للدكتور ياسين بن عبيد، وقال إنّ الأمير عبد القادر (1808–1883) شخصية رمزية في التاريخ الجزائري، يجسّد تآلفًا متميّزًا بين الروحانية والمقاومة والإنسانية. واستعرض إسهامه في ترسيخ الظاهرة الروحية الجزائرية، من خلال إبراز دوره في حفظ القيم الروحية ونقلها عبر الأجيال. فقد كان الأمير، القائد العسكري والصوفي والعالم، علامةً فارقة في التاريخ بفضل التزامه بالعدالة والتسامح والتعايش، وهي مبادئ راسخة في التقاليد الروحية الجزائرية.
وأضاف المتدخّل أنّ الأمير عبد القادر جسّد روحًا كونيةً في فهمه للإنسانية؛ ففي منفاه بدمشق، حَمَى الطوائف المسيحية من الاضطهاد، مُجسّدًا بذلك تسامحًا دينيًا متأصّلًا في القيم الإسلامية والجزائرية. تكشف مؤلفاته، مثل كتاب "المواقف"، عن فكرٍ عميقٍ في الروحانية والعدالة ووحدة الوجود الإنساني، ما جعل تأثيره يمتدّ إلى الأجيال اللاحقة، مؤكّدا أنّ الإرث الروحي للأمير عبد القادر لا يزال مصدر إلهامٍ للجزائر المعاصرة، إذ تتردّد مبادئه في الحوار بين الأديان والمقاومة الأخلاقية ضدّ الظلم ضمن النقاشات حول الهوية الوطنية والروحانية. ومن خلال رؤيته المنفتحة والإنسانية للإسلام، أسهم في بلورة ظاهرة روحية جزائرية تتجاوز الأزمنة، وتجمع بين الأصالة والمعاصرة.
مليكة بن دودة:
تاريخ الجزائر لا يختزل في الماضي
أكّدت وزيرة الثقافة والفنون مليكة بن دودة، أن الملتقى الدولي "الجزائر في الحضارة" يأتي في فضاء الفكر والثقافة لا لتكرار ما قيل، بل لاكتشاف ما يمكن أن يقال عن الجزائر، وعن حضورها الممتد في تاريخ الإنسانية، وإسهامها الدائم في بناء المعنى والقيم الكونية المشتركة. وقالت إن الملتقى يمثل دعوة للتأمل في رحلة الجزائر داخل الحضارة، منذ الرسوم الصخرية الأولى في تاسيلي ناجر إلى فكر ابن باديس والأمير عبد القادر، مرورًا بالمدارس التي أضاءت الفكر المتوسطي، وما تركه الجزائريون من بصمات في مجالات الفلسفة والتصوف والفكر الإنساني الحر.
وأضافت الوزيرة أن تاريخ الجزائر لا يختزل في الماضي، بل يتجلى كمسار متصل من الإبداع والمقاومة والنور، وأن عمق الجغرافيا وغنى التنوّع الثقافي وامتزاج اللغات والديانات جعل من الجزائر أرضًا للحوار ومبدأً للوجود. وأكدت أن الهوية الجزائرية تتجدد كلما انفتحت على العالم، وأن الثقافة الوطنية قادرة على أن تكون جسرًا بين الذاكرة والمستقبل، بين الروح والعقل، وبين الانتماء والانفتاح.
وأشارت الوزيرة إلى أن الجزائر لا تنظر إلى الحضارة كمرآة تعكس صورتها فحسب، بل كمجال تشارك في تشكيله، وأن الفكر الجزائري، بتعدده وغناه، يظل جزءًا أصيلًا من التيار الإنساني العام الذي يؤمن بأن الكرامة والعقل والجمال هي اللغات المشتركة بين البشر جميعًا، مؤكدة في ختام كلمتها أن الصالون الدولي للكتاب يشكل فضاءً أمثل للحوار الحضاري، بما يضمه من كتّاب ومفكرين ومبدعين من مختلف الآفاق، مشيرة إلى أن الكتاب يظل فعلًا إنسانيًا يربط بين الماضي والحاضر، ويمنح التجربة الإنسانية معناها العميق.