الملتقى الدولي الثاني "المقاومة الثقافية أثناء حرب التحرير"

إبراز دور السينما كحامل مثمن للذاكرة

إبراز دور السينما كحامل مثمن للذاكرة
  • 293
نوال جاوت  نوال جاوت 

يتناول الملتقى المنظم من قبل المركز الجزائري لتطوير السينما، إلى غاية 11 ديسمبر الجاري، علاقة سينما المقاومة بالذاكرة، وهي إحدى الفنون التي تبنت قيم المقاومة والتحرر والقضايا العادلة، سواء من طرف الجزائريين أو أحرار العالم أينما كانوا، وذلك بتفكيك إشكالية "كيف ساهمت السينما في خدمة المقاومة وقضايا التحرر وما علاقتها بالذاكرة؟".

سيحاول المشاركون في هذا الملتقى، الإجابة عن عدد من التساؤلات الفرعية، على غرار "كيف تمثلت التجربة السينمائية المقاومة الجزائرية أثناء الثورة التحريرية وبعدها؟"، "ما هي أبرز التجارب السينمائية التحررية في العالم؟"، "كيف تؤثر السينما في بناء الذاكرة والحفاظ عليها؟" ناهيك عن "ما هي التحديات التي تواجه فيلم المقاومة من حيث التثمين والترويج..؟"، "أي مستقبل السينما المقاومة في ظل التحولات الراهنة؟"، "تثمين دور السينما خاصة في المقاومة والثورة"، وكذا "إبراز صدى الثورة الجزائرية في السينما العالمية" مع "التأكيد على دور الريبرتوار السينمائي الثوري بوصفه رصيدا وثائقيا في خدمة الذاكرة، التذكير بجهود أعلام سينما المقاومة وصناعها ودورهم في دعم قضايا التحرر"، وتسليط الضوء على صور التعاطف والتضامن العالمي مع القضايا العادلة.

هذه التساؤلات، سيستعرضها الباحثون والخبراء وفق ستة محاور هي؛ "السينما في تشكيل الوعي التحرري"، "تجربة السينما الجزائرية أثناء وبعد الثورة"، "التجارب السينمائية التحررية في العالم"، "السينما بين بناء وهدم الذاكرة"، إلى جانب "إشكاليات تثمين وترويج الفيلم المقاوم" و"مستقبل السينما في ظل التحولات الراهنة".

وانطلق هذا الملتقى، المدرج ضمن البرنامج الخاص لوزارة الثقافة والفنون، المرافق للاحتفالات الوطنية المخلدة لثورة نوفمبر المجيدة، من حقيقة أن السينما الجزائرية ولدت من رحم الثورة وقلب المعاناة، لتلهم الكثير من صناع الأعمال السينمائية الذين أبدعوا أفلاما خالدة، بقيت عالقة في أذهان الكثيرين ممن شاهدوها في شتى أصقاع العالم.

وحسب المنظمين، فإن ثورة التحرير الجزائرية المظفرة، ظهرت باعتبارها نموذجا للتضحية وافتكاك الحرية، فظلت تلك الأعمال نماذج حية تخترق الزمن دون توقف، منذ عرضها الأول، متوقفين عند فيلم "معركة الجزائر" للمخرج الإيطالي جلو بونتي كورفو، الذي صور مشاهد من بطولات الشعب الجزائري في المدينة و"دورية نحو الشرق" لعمار العسكري، وهي أعمال ترسخت فيها القناعات التحررية ومناهضة الاستعمار. كما جسدت أعمال رواد السينما الجزائرية، مثل محمد الأخضر حمينة، وجمال شندرلي وأحمد راشدي، ومصطفى بديع "المعاناة الصامتة ومقاومة الاحتلال".

وأضاف المبادرون إلى تنظيم الملتقى، أن السينما العربية أيضا، تبنت المقاومة من خلال أعمال، مثل فيلم "جميلة" الذي يروي قصة كفاح المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد، لتتحول الجزائر بعد الاستقلال إلى قبلة للثوار، مستمرة في النهج التحرري فساندت قضايا التحرر في العالم، وذكروا على وجه الخصوص، وقوفها ضد الميز العنصري في جنوب إفريقيا، ومساندتها لتصفية الاحتلال في فلسطين والصحراء الغربية، حيث ستستمر سينما المقاومة. الفلسطينية منها خاصة، وكذا السينما الصحراوية في تصوير فصول من معاناة الشعبين إلى يومنا هذا. ورغم الرسائل النبيلة التي سوقتها سينما المقاومة، عن نصرة القضايا الإنسانية العادلة، إلا أن بعض الأعمال السينمائية سعت لتبرير الممارسات الاستدمارية.

ومن منطلق أن السينما لطالما كانت أداة فاعلة، في تعزيز الوعي الجماهيري وبناء الرأي، باعتبارها فنا مشهديا يمتلك القدرة على التأثير وخلخلة البنى وإحداث التغيير، يرى القائمون على الملتقى أنه "إذا كان للكلمة سطوتها وللصوت وقعه، فإن للصورة جاذبيتها وعنفوانها، ذلك أنها الأبلغ من حيث التعبير والأقوى من حيث التثوير، لذا كانت ولا تزال أحد أساليب المقاومة والتصدي ولونا من ألوان الصمود والتحدي".

وزادوا "منذ فجر ظهورها في أواخر القرن التاسع عشر، تشعبت موضوعاتها وتباينت مجالاتها وتطورت عوالمها، فلم تكن لتكتفي بالدراما الاجتماعية، أو أجواء التسلية والكوميديا الساخرة، بل طرقت القضايا السياسية، وصالت وجالت بين الإثارة والأدوار البطولية، ووثقت للأحداث التاريخية، وصولا إلى القضايا المحورية التي تمس جوهر الإنسانية، على غرار القهر والاستبداد والعبودية التي وصمت بها البشرية" مؤكدين أنها "بلا أدنى ريب"، مجال استهوى كبار السينمائيين العالميين، فأبدعوا في تصوير كفاح الأفراد والشعوب المقهورة في شتى بقاع العالم، ومناهضتها للظلم والطغيان، والقهر والعدوان. ولعل أبرزها القضايا المتعلقة بالكفاح من أجل التحرر مناشدة للعدل وتحقيقا للكرامة وتكريسا لحقوق الإنسان.

كما أشار المنظمون، إلى أن لاشك فيه، أن قوة السينما تكمن في جمالية الصورة وبلاغة وقعها وبراعة رصدها من حيث الأداء والإخراج والتصوير السينمائي، ما يشد المشاهد ويدفعه للتفاعل مع الفيلمو لاسيما إذا كان يعالج حقائق إنسانية، مستثمرا في ذلكو مجمل اللغات الفنية من صورة وموسيقى مرافقة ومؤثرات صوتية، وغيرها لتحقيق المبتغى والوصول إلى الهدف. ولقد كانت السينماو خاصة منها سينما المقاومة، عنوانا للحرية المنشودة وترجمة للرسالة الثورية التي تحرك في وجدان الجماهير روح التضامن والنصرة للقضايا الإنسانية العادلة.