عنابة
إرث الطاهر وطار بين المسرح والنقد والفيلم الوثائقي

- 151

قدّمت ولاية عنابة، مؤخرا، لوحة ثقافية متكاملة لإحياء ذكرى وفاة الروائي الكبير الطاهر وطار، جمعت بين الفن المسرحي والقراءة النقدية والفيلم الوثائقي، لتؤكد أن إرث هذا المبدع مازال حاضرا في وجدان الجزائريّين.
ففي دار الثقافة محمد بوضياف بعنابة وبالتنسيق مع مؤسسة أماساكول عنابة وتحت إشراف المخرج سامي زلماطي، قُدم عرض مسرحي مميز بعنوان "اللاز… أهدر". وأبدع أطفالنا الموهوبون في تقديم أداء حيوي مفعم بالإبداع والتعبير الفني، مستلهمين روح رواية اللاز، التي حملت قضايا الهوية، والذاكرة، والانتماء.
وقد استطاع المخرج أن يوظف حساسيته الفنية في إخراج عمل راقٍ، بينما جسّد المشاركون شخصيات الرواية بحيوية وحماس، في رسالة واضحة على أن إرث الطاهر وطار الأدبي باقٍ في قلوب الأجيال الصاعدة.
كما نالت المسرحية استحسان الحضور، الذي تفاعل مع الأداء، وحمل رسائل العمل المسرحي بعمق، ما يعكس نجاح المبادرة في المحافظة على التراث الثقافي الجزائري، وتعزيز الوعي بقضايا الهوية والذاكرة التي جسّدها الطاهر وطار في أدبه.
وفي أمسية ثقافية أخرى، قُدمت قراءة مفصلة لرواية اللاز بالتزامن مع متابعة العرض المسرحي نفسه. هذه الرواية التي تُعد من أبرز الأعمال الأدبية الجزائرية، ترصد عبر سردها العميق، تجارب الإنسان الجزائري في مواجهة الغربة والاغتراب. وتمزج بين الوجدان، والتاريخ والهوية.
وتطرقت المناقشة لبناء الرواية، وتطوير الشخصيات، مرورا بتقنيات السرد التي أبدع وطار في توظيفها، وصولًا إلى القضايا الكبرى مثل الهوية والكفاح من أجل البقاء.
كما جرى التأكيد على تأثير الخلفية التاريخية والاجتماعية في صياغة أحداث الرواية، ما يجعلها مرآة صادقة للواقع الجزائري. كما إن إبداع سامي زلماطي في ترجمة جزء من روح الرواية إلى لغة مسرحية حية، منح النص بعدا جديدا، جمع بين السرد المكتوب، والتعبير الجسدي، والإخراج البصري. وفي الختام، تبرز رواية "اللاز" كعمل أدبي استثنائي، يفتح أبواب التأمل في الهوية والإنسانية، فيما يظل تقديم سامي زلماطي للمسرحية، مثالًا حيا على قدرة الفن المسرحي على تجسيد وتحريك النصوص الأدبية، ليكوِّنا معاً نداءً ثقافيا، ورسالة فنية تحمل أصداء الواقع والحلم.
أما المكتبة الرئيسة للمطالعة العمومية سليمان بركات، فقد عرضت فيلما وثائقيا بعنوان "آخر الكلام" للمخرج محمد الزاوي؛ إحياءً لذكرى وطار. وبدأ تصوير الفيلم صدفة قبل شهرين فقط من رحيله في 12 أوت 2010، حيث التقطت الكاميرا لحظات عفوية له وهو يغني بالعربية والشاوية، مسترجعا ذكريات طفولته في مداوروش. وتحدّث وطار في الفيلم عن جذوره العائلية، وتجربته الأدبية. وغاص في قضايا الهوية والذاكرة برؤية شخصية عميقة. وأنجز المخرج العمل على مدى أربع سنوات، مضيفا شهادات لكتّاب وأصدقاء وأفراد من العائلة، ليصبح الفيلم وثيقة بصرية، تحفظ ملامح الإنسان خلف الكاتب.
و"آخر الكلام" شهادة خالدة على إرث الطاهر وطار، الذي استمر تأثيره في الساحة الأدبية والثقافية. وهو تذكير مستمر بمدى عمق تجربته وإبداعه، وبأن الكلمات لا تنتهي، بل تستمر حية في ذاكرة الأجيال. هكذا التقت خشبة المسرح بصفحات الأدب وعدسة الكاميرا، في احتفاء متكامل برمز من رموز الثقافة الجزائرية، ليظل الطاهر وطار حاضرا بإبداعه، وعمق رسالته، ولتبقى كلماته حيّة في الذاكرة الجماعية للأمة.