في قراءة نقدية للمجموعة القصصية "هي أطهر"
إلهام بلحاج تستكشف عوالم عبد الحليم نغبال

- 159

قدّمت الكاتبة والناقدة إلهام بلحاج، قراءة معمّقة في المجموعة القصصية الجديدة "هي أطهر" للكاتب عبد الحليم نغبال الصادرة عن دار خيال للنشر والترجمة سنة 2024، مؤكدة أنّ العمل يمزج بين الواقعية الاجتماعية والحكمة الرمزية. ويكشف عن تعدّد الشخصيات والرؤى في معالجة قضايا المجتمع.
كتبت الأستاذة إلهام بلحاج في ورقتها النقدية التي تسلّمت المساء نسخةً منها، أنّ القصة تُعدّ من بين الأجناس الأدبية الأكثر حضورا، لكونها تعكس الواقع المعيش للإنسان، وتعبّر عن حوادثه، وعاداته وتقاليده، وتواكب تطوّراته في كل زمان ومكان. وأوضحت أنّ القصة شكل سردي، يقوم على ركائز أساسية، هي: الشخصيات، والزمان، والمكان، والحدث. وأضافت أنّ العنوان يُعدّ من أهم العناصر المكوّنة للعمل الأدبي، فهو مكوّن داخلي، ذو قيمة دلالية عند الدارس. ويمكن اعتباره واجهة النص، وسلطته الإعلامية التي تمارس تأثيرا على المتلقي، فضلًا عن كونه مفتاحا للكشف عن طبيعة النص، والمساهمة في فك غموضه. وأشارت إلى أنّ عنوان المجموعة القصصية "هي أطهر" ، مأخوذ من القصة الثانية في المجموعة. ويتكوّن من جزءين: "هي"، وهو ضمير يدلّ على المؤنث الغائب، و"أطهر" الذي يحيل على الطهارة، والنزاهة، والشرف، والأخلاق الرفيعة، والثقة.
في كل قصة.. رسالة
تتألف المجموعة من عشر قصص قصيرة، تحمل عناوين فرعية منتقاة بعناية، وتعالج قضايا اجتماعية مستوحاة من الواقع، بأسلوب رشيق وواضح، يمكّن القارئ من فهم معانيها، والوقوف على دلالاتها.
واستُهلّت المجموعة بقصة "الصداقة الحقة"، وهي حوار بين أب وابنه اعتاد أن يقضي وقته مع أصدقائه. لم يكن الأب مرتاحا لهذه الصحبة، فأراد اختبارها بمكيدة، ليثبت لابنه حقيقة هؤلاء الأصدقاء، مبيّنا معنى الصداقة الحقيقية من خلال مقولته: "الصديق من يشد عضدك، وتَسند إليه ظهرك" (ص12).
القصة الثانية "هي أطهر" التي حملت المجموعة عنوانها، تناولت معضلة الوسواس القهري، وآثاره على الحياة الزوجية، حيث يعيش الزوج حالة شكّ مَرَضي تجاه زوجته، ينتهي بمأساة قتلها، ثم انتحاره بعد اكتشاف خداعه لنفسه.
القصة تؤكد أن انعدام الثقة يؤدي إلى تفكك الأسر، مستشهدة بالآية الكريمة: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" . (الحجرات: 6) (ص18)
أما القصة الثالثة "السباع والضباع والكلاب"، فهي حكاية رمزية، تؤكد أن ما تملكه ليس مجانيا دائما؛ إذ تدفع الكلاب للضباع ثمن حمايتها بمراقبة السباع، لكن الكاتب يوضح أن السباع أشرف من أن تأكل من المزبلة حتى لو ماتت جوعا. (ص19)
وفي القصة الرابعة "الأقزام والسباع" يطرح الكاتب ثنائية الاستعمار والتدمير، إذ يدمّر العملاق صرح الأقزام بلا رحمة أو شفقة، بينما تمزج القصة الخامسة "البنية والرغيفة" بين البعد النفسي والجسدي، إذ تنتظر الطفلة رغيف الخبز بفرح، لكن قنابل الحرب تحرمها وعائلتها من هذه اللحظة، لتنتهي المأساة بالموت.
أما قصة "الديك والكلب" فهي عبرة عن التدخل في شؤون الآخرين، حيث ينسى الكلب قيوده، ويتدخل في حياة الديك، ليتلقى درسا عن الحرية الحقيقية، جاء فيها: "لسانك لا تذكر به عورة امرئ، فكلك عورات، وللناس ألسن" . (ص24)
وفي القصة السابعة "الصحبة الصالحة"، يدعو الكاتب إلى عدم نسيان الفضل بين الناس، بينما تأتي قصة "هذا هو العلم" على شكل حوار بين أستاذ وتلاميذه حول يوم العلم (16 أفريل)، وفيها مقولة: "العلم من عرف له قدرا رفعه، ومن لم يعرف له فضلًا خذله" . (ص33)
قصة "ليلة من البطولة" تعود إلى معركة "الكبش الكبرى"، وتحكي عن بطولة سي لخضر وزوجته في مواجهة المستعمر، قائلة: "إن هذا الوطن طيب وطاهر، وأرضه مباركة، فقد فداه الشهداء بأرواحهم، وسقوا تربته بدمائهم" . (ص36) أما القصة الأخيرة "يوم العلم"، فتتناول
حادثة بين معلم وتلميذه الذي اختلق كذبة عن تعرضه للضرب، لتصل القضية إلى القضاء، وينتصر في النهاية الحق والعلم.
قصص اجتماعية نفسية
أكدت إلهام بلحاج أن الجانب السيكولوجي غلب على بناء الشخصيات، باعتباره مرآة تعكس أعماق النفس البشرية، حيث يمنح السارد شخصياته مساحة للتعبير عن أفكارها، وميولها عبر الحوارات الداخلية والخارجية.
كما حضرت البنية الاجتماعية في دراسة الشخصيات من حيث بيئتها، وثقافتها، ومستواها الدراسي، باعتبارها انعكاسا لانتماء اجتماعي ومرحلة تاريخية معينة، وهو ما ظهر في علاقة الأستاذ وتلميذه.
وأشارت الناقدة إلى أن الشخصيات أدّت دورا محوريا في بناء السرد، إذ قدّمها الكاتب بوضوح ودون ترميز، ما يتيح للقارئ التفاعل المباشر مع النص. كما جاءت اللغة معبّرة عن مواقف الشخصيات وأفكارها، كاشفةً عن سلوكيات وقيم متباينة داخل المجتمع. واختتمت بلحاج قراءتها بالتأكيد على أن هذه المجموعة القصصية تحمل في طياتها رسائل إنسانية وأخلاقية، وتوثّق لشرائح اجتماعية تعاني الشقاء والبؤس، مبرزةً تعدد الشخصيات وتنوّعها، وما يتيحه ذلك من ثراء في الأفكار والرؤى، ليقدّم الكاتب من خلالها رصدا دقيقا لمواقف وصفات ووظائف سردية متباينة لشخصيات تنبض بالحياة في مجتمعنا.