بكاكشي الخير

ارتباط عضوي باللون السطايفي

ارتباط عضوي باللون السطايفي
  • 1427
مريم .ن مريم .ن

بادرت مديرية الثقافة بولاية سطيف مؤخرا، إلى تكريم الفنان الكبير بكاكشي لخير، عرفانا بما قدمه للتراث المحلي السطايفي والأغنية الجزائرية عموما، فهو الذي ظل لأكثر من الخمسين سنة متشبثا بهذا الفن الراقي والنظيف، كي يبقى حيا في الوجدان الجزائري، ينطق بالأصالة، فعبر الفنان عن امتنانه لهذا التكريم الذي يعكس مدى العرفان بمجهود الفنان، وحضوره بين أهله وجمهوره.

لقب بكاكشي الخير بعميد الأغنية السطايفية، بعد مشوار فني حافل، تميز كله بالعطاء والموهبة والتحكم في الأداء والبحث في التراث الأصيل، لذلك ارتبطت باسمه الكثير من الروائع التي يكاد الجمهور يحفظها عن ظهر قلب، منها "خالي يا خالي"، "باعوني برخيس وأنا سومي غالي" وغيرها من الأعمال.

بدأ المشوار سنة 1969، أثناء أول مهرجان للأغنية الشعبية التي جرت فعالياته بالعاصمة، وعلى المباشر، حينها شاركت بأغنية سطايفية، وكانت أول أغنية له عنوانها "باعوني برخيس وأنا سومي غالي"، ثم أدى رفيقه المرحوم السعيد أغنية "يا ربي سيدي واش عملت أنا ووليدي"، التي سبق للفناة الكبيرة نورة أن أدتها في أرقى صورة، وهي من التراث، وأصل  هذه الأغنية من وادي الزناتي بقالمة، وتدور قصتها حول امرأة لها ابنها الوحيد، استدعي للتجنيد الإجباري من طرف الاحتلال الفرنسي، وتقول فيها "جابولي الكاليش وقالوا لي ولدي ما يمشيش... وجابوا المشينة وداوه بالسيف علينا... نمشي ونهاتي من عنابة لوادي الزناتي، حرقوا كبداتي على لخضر ممُو عينيا"، وكثيرا من الفنانين أدوا هذه الأغنية دون أن يعلموا أن أصل الأغنية من وادي الزناتي، وتم تلحينها بطابع سطايفي، وانتشر صيتها في المغرب العربي، خاصة في تونس.

كما ارتبط بكاكشي الخير بالأغنية السطايفية، ليس لأنه من المنطقة فحسب، بل لأن هذا الفن أصيل ومعبر يلتزم بالصوت والكلمات النظيفة، واستطاع بذلك أن يدخل بيوت العائلات الجزائرية دون استئذان، لينشر الإحساس المرهف ويعرض هموم الناس وآمالهم، ويشاركهم الأفراح والأعراس والشجن والهجرة وغيرها.

لا حضور للأغنية السطايفية دون الصراوي، وقد أبدع فيه بكاكشي الخير طيلة مشواره بصوته المدوي العابر للفضاءات، وكان يختار منه أمجاد وتضحيات الثورة الجزائرية، وكذا مواضيع اجتماعية شتى. كما لم يلهث هذا الفنان مثل أغلب أبناء جيله من الفنانين، وراء الربح السريع، بل كان خادما وفيا للتراث، لذلك ثمن بعض أغانيه، منها أغنية "خالي يا خالي" التي تروي تاريخ "مجازر 08 ماي"، حيث كانت طفلة صغيرة لها أب ذهب للمشاركة في هذه المظاهرات، ولم يعد إلى عائلته. فأخذت الطفلة البندير وبدأت تغني وتقول لخالها "يا خالي يا خالي... لا تفرط فيا... أنا بنت خيتك غير طل عليا"، علما أنه أضاف لها أبياتا وأداها بطابع السطايفي، وما أضافه بعبقريته "دزيت لخالي خلاني... دزيت لعمي زاد نساني... دزيت لخويا ولد أما شق لبحور وجاني"، من كلماته وتلحينه.

يظل هذا الفنان القدير يحرص دوما على دعوة الشباب الذي يؤدي الأغنية السطايفية، إلى الحرص على الكلمات النظيفة، ويتقدم بخطوات ثابتة. عموما، فإن نجاح أي فنان مرتبط بمدى تمسكه بالتراث والمحافظة على المكانة الفنية التي وصل إليها بجهده، وعلى الكلمة اللائقة والنقية.

لم يتخلف الفنان بكاكشي الخير يوما عن أداء اللون السطايفي، ولم تغريه الألوان الفنية الأخرى، ولا الفن الهابط والتجاري، بل كان مقتنعا بالطابع الذي يؤديه، ويسعى إلى المحافظة عليه، وظل متمسكا بطابع غنائي عوض القفز هنا وهناك.