البرفسور أرزقي بوخنوف لـ"المساء":

اكتشاف موقع أثري جديد "لوبيدوم لومفكتوس" ببجاية

اكتشاف موقع أثري جديد "لوبيدوم لومفكتوس" ببجاية
  • القراءات: 906
 لطيفة داريب لطيفة داريب

أعلن البرفسور أرزقي بوخنوف عبر منبر "المساء"، عن اكتشاف موقع أثري جديد، يعرف بـ"لوبيدوم لومفكتوس" بقرية إغيل أمسد ببلدية شلاطة، ولاية بجاية، وهذا من طرف فريق من الباحثين من معهد الآثار بجامعة الجزائر "2"، الذي يشرف عليه.

أضاف البرفسور بوخنوف، أن هذا الاكتشاف يُعد ثمرة جهد عشر سنوات من البحث الدؤوب في منطقة الصومام، وهو اكتشاف يساهم في فك اللثام عن العديد من الأسئلة التاريخية المهمة.
وتابع أن هذا الموقع، أشار إليه المؤرخ اللاتيني أميان مرسلان، الذي رافق قائد القوات الرومانية تيودوز خلال حملته لإخماد ثورة فيرموس. وقد خصص في كتابه "التواريخ" الفصل التاسع والعشرين للحديث عن هذه الثورة، التي كانت واحدة من أعنف الثورات التي أرعبت الجيش الروماني في القرن الرابع الميلادي، لهذا فإن تحديد مثل هذه المواقع، يساهم في فهم مجريات هذه الثورة، التي يزال الكثير منها يكتنفه الغموض، خاصة وأنها كتبت من منظور المنتصرين.
وقد اندلعت ثورة فيرموس نتيجة للاضطهاد الروماني، واستغلالهم الجائر لموارد السكان المحليين. وقد تميزت باِتساع رقعتها الجغرافية، حيث عمت كامل أرجاء موريتانيا القيصرية، وجزء من موريتانيا السطايفية. كما لم يكن من السهل على الرومان إخماد هذه الثورة، مما استدعى تدخل أفضل قادتهم العسكريين، بقيادة الجنرال تيودوسيوس، لمحاولة السيطرة على الوضع. ورغم ذلك، استمرت الثورة لعدة سنوات (370م -375م)، مما يعكس قوة المقاومة وشجاعة السكان المحليين وتشبعهم بالروح الوطنية والتشبث بالحرية، وهي الروح التي استمرت لاحقا في كفاحهم ضد الاستعمار الفرنسي، ـيضيف المتحدث-.
وأكد بوخنوف منح هذا الاكتشاف الأثري فرصا جديدة للمؤرخين، لفهم تفاصيل تلك الفترة التاريخية التي تبقى غامضة في مجملها، خاصة أن هذا الموقع هدم في النفس اليوم الذي هدم فيه الموقع الأثري بترا بملاكو. فمن خلال دراسة الموقع، يمكن تقديم رؤى أعمق حول الحياة اليومية للسكان المحليين، وكيفية تنظمهم لمقاومة فعالة ضد الجيش الروماني، علما أن هذا الموقع استعمل من طرف القائد فيرموس، كموقع استراتيجي لتخزين المؤونة اللازمة لثورته، وأيضا لإيواء الأسرى الرومان، مما يبرز دوره المحوري في تلك الحقبة.
وتابع مجددا، أنه على الرغم من أن الموقع يقع ضمن ملكية خاصة تابعة لعائلة أيت هنو، فإن وعيهم العميق بأهمية الإرث التاريخي ورغبتهم في الحفاظ على هذا الموقع، الذي له رمزية نضالية وكفاحية، كان له دور كبير في تسهيل عمليات البحث. كما أن هذا الموقع كان يستخدم من قبل هذه العائلة، خلال القرون الماضية، لأغراض فلاحية.
إلى جانب ذلك، كان لعقال جمعية "إغيل أمسد"، وعلى رأسهم السيد أعماروش الصغير، دور كبير في دعم جهود فريق من الباحثين من معهد الأثار (جامعة الجزائر 2)، حيث أبدى سكان القرية حماسا كبيرا للمشروع، فقد نظموا تزامنا مع إطلاق أشغال الأبحاث في هذا الموقع، تظاهرة علمية وثقافية، بمناسبة الاحتفال بذكرى 20 أوت 1956.
وبهذه المناسبة، ألقى الدكتور حمداش الطاهر محاضرة، تطرق فيها إلى أهمية مثل هذه المواقع في معركة " ثغلت ألما". كما ساهم كل من السيد مخموخ إسماعيل، عضو سابق في الجمعية الثقافية لإغيل أمسد، والسيد لعنابي يحي، في تسهيل مهام الفريق، من خلال تقديم معلومات قيمة حول أسماء أماكن المنطقة، وأيضا مصدر المواد المستعملة في تشييد قرية إغيل أمسد.
من جهته، أشاد الدكتور أزراراق قاسي، عضو في فريق البحث، على أهمية نتائج الأبحاث المنتظرة في إعادة كتابة صفحة غامضة من تاريخنا القديم، والتي تخص ثورة فيرموس، مؤكدا على دور هذا العمل في تعزيز الفهم التاريخي، وتقدير الإرث الثقافي للمنطقة. بينما أثنى البروفيسور أرزقي بوخنوف، رئيس المشروع، بالتعاون المثمر مع المصالح الجهوية والمحلية والأمنية، وكذا مصالح وزارة الثقافة الممثلة بمديرية الثقافة والفنون لولاية بجاية، حيث قدم السيد رغال عمر، المسؤول الأول عن هذا القطاع في ولاية بجاية، دعمه الكامل للفريق، خاصة من خلال مشروع الحفرية الأثرية لملاكو (بترا قديما)، والتي ما زلت الأشغال متواصلة فيه.
أما الدكتور عثمان مفتاح، مدير معهد الأثار (جامعة الجزائر2)، فقد دعا إلى ضرورة الحفاظ على مثل هذه المواقع الأثرية التي تمثل تراثا حيويا، يعكس نضال الأسلاف ضد المستعمر، ودورها المركزي في توثيق الذاكرة الوطنية.
وأكد أيضا، أن تصنيف هذه المواقع ضمن التراث الوطني ليس مجرد خطوة إدارية، بل هو إضافة نوعية تعزز من مكانتها وتساهم في حماية إرثها للأجيال القادمة. وأشار إلى أن تصنيف المواقع الأخرى، مثل موقع ملاكو وضريح أقبو، من قبل فريق بحث من معهد الأثار، بالتعاون مع مصالح مديرية الثقافة لولاية بجاية، يعزز من القيمة التاريخية للمنطقة، ويفتح آفاقا واسعة لتنميتها السياحية والثقافية، مما يساهم في استقطاب الزوار وخلق فرص اقتصادية جديدة.