"الثامن ماي 1945 بعيون كاتب ياسين" بمنتدى المسرح

الأدب الثوري في مواجهة الاستعمار

الأدب الثوري في مواجهة الاستعمار
  • القراءات: 945
 مريم. ن مريم. ن

 إحياء لليوم الوطني للذاكرة، المصادف للعام الـ76 لمجازر 8 ماي 1945، وتحت شعار "الذاكرة تأبى النسيان"، نظم منتدى المسرح الوطني مؤخرا، ندوة تاريخية بعنوان "8 ماي بعيون كاتب ياسين"، نشطها الدكتور احسن تليلاني، تناول فيها تأثير أحداث هذه المجازر في ذاكرة هذا الروائي الذي أرخها في أعماله الروائية.

أشار المحاضر إلى أنه عندما وقعت مجازر 08 ماي 1945، صمت الجميع عن الكلام بسبب قوة الصدمة وبشاعة الجريمة الاستعمارية، التي راح ضحيتها 45 ألف شهيد جزائري، لذلك يسميها كاتب ياسين "المأساة الخرساء"، حيث يعد هذا الأديب أقوى قلم تأثر بتلك المجازر، حتى أننا نجدها حاضرة في أغلب كتاباته الروائية، مثل "نجمة"، أو المسرحية مثل "الجثة المطوقة" و"الأجداد يزدادون ضراوة"، وحتى في قصائده ودواوينه الشعرية، ففي تعابيره يصدح صوت المآسي الخرساء ليصور في جمال إبداعي ساحر، آلام الجزائر وهي تعاني القتل والاجتثاث والاستئصال والتشويه والمسخ والاستلاب...

لقد عاين كاتب ياسين -حسب الدكتور تليلاني- هذه الجراح منذ طفولته، إذ اكتوى بعذاب الاستعمار وذاق مرارة السجن والتعذيب وعمره لم يتجاوز السادسة عشر ربيعا، حيث شارك في مظاهرات 08 ماي 1945 بسطيف، فاعتقل وعذب، وعندما أطلق سراحه بعد أشهر، وجد المأساة في انتظاره، بداية من أمه التي جنت لأنه قيل لها إن فلذة كبدها (ياسين) قد قتل في المظاهرات، ووالده الذي طرد من العمل بسبب انتماء ابنه (ياسين) لـ"المتمردين"، بالإضافة إلى أن إدارة المدرسة التي يتتلمذ فيها (كاتب ياسين)، قررت شطبه من قائمة المتمدرسين بسبب مشاركته في المظاهرات.

كل هذه التجارب المرة، وضعت كاتب ياسين وجها لوجه أمام "نجمة"، هذا الحب الكبير الذي أزهر في أعماقه وهو داخل زنزانة السجن، إنها الجزائر في مرآة القلب ونجوى الفؤاد، فمن خلال رمزية الحبيبة "نجمة"، عبر الكاتب عن آلام الجزائر وآلامها.

في مسرحية "الجثة المطوقة"، مثلا، تردد الجوقة وهي لسان حال الشعب قائلة:

"يا مجاهدي الجزائر!

لا تتركوا معاقلكم

إن ساعة الحسم ما مازالت بعيدة

يا مجاهدي الجزائر"

كاتب ياسين استعمل اللغة الفرنسية وكان يسميها "غنيمة حرب"، بل وكان يقول "أنا أستعمل الفرنسية لأقول لفرنسا إنني لست فرنسيا"، ويقول المحاضر "إنه بالفعل أقوى أديب فضح الاستعمار في رمزية شفافة، فهو مثل ذلك المحارب الأسطوري الذي يسلب سلاح عدوه ليحاربه به قبل أن يقضي عليه، ففي حربه ضد الاستعمار الفرنسي، جعل من اللغة الفرنسية غنيمة حرب يقارع بها هذه الأمومة الفرنسية الرعناء".

يضيف المحاضر أن مظاهرات 08 ماي 1945، وما أعقبها من مجازر فظيعة في حق الشعب الجزائري الأعزل، هي من أكبر الحوادث المأساوية الرهيبة التي شهدها العالم المعاصر، ونظرا لأهمية تلك الحوادث، فإن المتعمق في المسرح ومجال أدب الحركة الوطنية، يتساءل في هذه المداخلة عن خلفيات تلك الحوادث؟ أسبابها ووقائعها التاريخية؟ كما يسائل المسرح الجزائري والعربي والعالمي عن حضورها وتجلياتها؟ وكذا أثرها في مختلف الإبداعات الفنية؟ وموقف المثقفين منها؟ كما يتساءل عن ذاكرة تلك المجازر في الوعي الوطني اليوم؟ وعن حضورها في الكتابات ما بعد الكولونيالية؟ لأن مجازر 08 ماي 1945 ـ كما يؤكد- وإن كانت قضية وطنية جزائرية، فإنها أيضا قضية قومية عربية وقضية إنسانية تهم الإنسان حيثما كان ووجد، في سعيه الحثيث نحو الحرية والعدالة.