المطرب الشاوي عيسى ابراهيمي لـ’’المساء":

الأغنية الشاوية حافظة أرشيف

الأغنية الشاوية حافظة أرشيف
  • القراءات: 3327
حاوره ع.بزاعي حاوره ع.بزاعي
من لا يعرف قيمة "القصبة والبندير" ومن لم يغص في أعماق التراث الشاوي الأصيل لا نعتقد أنه يفقه في أبجديات هذا الفن الضارب في الجذور، فهاتين الآلتين قد ارتبط استعمالهما قديما بأعراس منطقة الشاوية. والمتعارف عليه أن ثمة فرقا بين الأغنية الأوراسية بمفهومها الواسع الشامل والأغنية الشاوية الأمازيغية الأصيلة والملتزمة، فالارتباط بالأصل يؤدي بالضرورة إلى الاهتمام باللغة والمحافظة عليها، وهذا النموذج الذي ارتبط باسم الفنان الشاوي، عيسى ابراهيمي الباحث في الموسيقى الشاوية الذي التقته "المساء" وأجرت معه هذا الحوار.
❊ تعتبر نموذجا للفنان الجاد، هلا شرفتنا بعرض بطاقتك الفنية؟
❊ ابراهيمي: من بجاية، أبصمت لبدايتي الفنية، وبالضبط من منطقة سيدي عيش، كنت وقتها أدرّس التربية الفنية وكانت مادة جامعة لفن الموسيقى والرسم والمسرح والأشغال اليدوية.. تتصورون المجهود المطلوب من الأستاذ، ولكنني بقدر ما كنت أعلم كنت أتعلم الإيقاعات والأنغام القبائلية وأخرى مع مجموعة من موسيقى تمزريت الماثن منهم موسى، علي، آكلي على سبيل المثال. وبعد عودتي إلى مسقط رأسي بوادي الماء، إلتحقت بمتوسطة المدينة حيث أتيحت لي الفرصة لاختيار أحسن المواهب لتكوين فرقة امناي سنة 1985 بمناسبة افتتاح دار الشباب. وقد أنتجت ألبوما. وفي سنة 1987 أديت ديو رفقة علي شيباني (ماسينيسا) وفي سنة 1990 حين تأكدت أن أعضاء فرقة امناي قادرون على شق الطريق ومواصلة المشوار على انفراد، تسنى لي أن أجسد أفكاري العميقة في ستة ألبومات مع كل من الفنانين الإخوة زينو وعمار بلعيدي وكذا سليمان قندوز من إنتاج دار النشر والتوزيع، شريهان.
❊ المساء: اخترت الخوض في الغناء بالشاوية دون العربية لماذا؟
❊ اخترت ذلك عن قناعة تامة وإشكالية اللغة لم تكن مطروحة، فأنا ورثت لغة وتراثا وتاريخا كنت مطالبا بإيصالهما إلى الجيل القادم وهي أمانة في عنقي، ولم يكن من وراء ذلك طمع في كسب الشهرة والمال، فمنذ نعومة أظافري وأنا أبحث عن إجابة لسؤالي من سيتغنى بجمال الأوراس وملاحمه بغير لغته، كان الملايين يغنون ويتغنون باللغة العربية في وقت انعدمت فيه الأصوات الشاوية قبل أن تقتحم ديهيا الميدان سنة1981 لتلتحق بها كوكبة من الفنانين المناضلين، منهم فرقة - ليبيربير- مع جمال صابري ونواري نزار وفرقة يور مع حسان دادي وثزيري مع سليم سوهالي والصالح بومعراف، علي زلاطو...فرقة امناي، فرقة انزار سعيدي ثمورث ثفسوث للحاج الطيب، فرقة كيمل وأنا هنا أخص بالذكر الأداء بالشاوية، لان هناك في نفس الوقت من كان يؤدي الأغنية الأوراسية كما يقال (النغمة شاوية والكلمات لغة عربية عامية) هذا في البداية.. لأن هناك من الفنانين الذين التحقوا بالركب نهاية الثمانينيات وكان لهم تأثير في الساحة مثل ميهوب عميروش المرحوم كاتشو والمغنية ماسيليا.
❊ يقال إن لـ’’ابراهيمي" خصوصيات ينفرد بها عن باقي فناني منطقة الأوراس هل هذا صحيح؟
❊ أعتقد أن لكل فنان خصوصيات، وإلا ما أمكن الحديث سوى عن عرض جامد فاتر ومع ذلك أقول أنا لست متميزا ولا منفردا، أرد فقط على الأذواق التي تنبش في التراث.
❊ أيهما تعتقد بوجوب تطويره اللغة الأمازيغية أم الأغنية الأمازيغية؟
❊ يرتبط تطور الأغنية الشاوية بمدى تطور اللغة الأمازيغية لأنها ظلت لسنوات سلاحها بامتياز. فالأغنية أضفت للأمازيغية الحس والجمال والبعد التاريخي لسرد الأحداث وإحياء التراث من خلال الإشادة بالشخصيات الصانعة لتاريخ الأمازيغ الأحرار ومن ثمة فإن الأغنية الشاوية هي حافظة أرشيف لغوي تشكل مرجعا للبحوث اللغوية.
❊ غياب العديد من الفرق الفنية بالمنطقة عن الساحة الفنية، إلى ماذا ترده؟
❊ تعتمد الأغنية الشاوية بالأساس على الأداء الفردي، وهو ما ينطبق على أغلب الطبوع الجزائرية، فهناك فرقة وحيدة استطاعت التماسك والاحتفاظ بالمبادئ الأخوية التي تأسست عليها هي فرقة(اثران) لأم البواقي، والسبب بسيط وهو مادي بحت إذ يصعب تلبية الاحتياجات المادية للفرقة، وتبقى الصفة الجماعية في الساحة الفنية تنطبق على الفرق المرافقة للمغنيين والتي تتشكل مناسباتيا لتفترق مباشرة عند انتهاء العرض.
❊ أين يكمن سر تأخر بروز الأغنية الشاوية؟
❊ إن سر تأخر أو تقهقر الأغنية الشاوية مرده غياب التكفل بالمواهب الشابة وتشجيعها بتوفير الإمكانيات وإنتاج وتسويق المنتوج الفني، ولابد من الإشارة إلى أن للمنتجين المحليين باع طويل في المشكلة، إلى جانب غياب تشجيع الفنانين وقلة الفرص والمناسبات الكفيلة بتمكين الشباب الذين يخوضون في اللون الشاوي من إبراز أعمالهم والتواصل مع الجمهور، فضلا عن قلة فرص الظهور بوسائل الإعلام الثقيلة.
❊ وهل من جهود للتدارك وبلوغ المستوى الذي أدركته الأغنية القبائلية؟
❊ حقيقة وجب الإقرار بإمكانية ذلك، لكن يتطلب الأمر مجهودا إضافيا يقوم بالأساس على تطوير البحوث التراثية والعمل على تطوير الموسيقى ما من شأنه جعل رواد الأغنية الشاوية مجبرين على إبراز التنوع للإنفراد بخصوصيات وإحداث الاستثناء، إلا أن مشكلة قلة الفنانين الذين يؤدون الشاوي والذين يعدون على أصابع اليد تطرح بحدة.
❊  هل تعتقد بوجود فن شاوي للأطفال ناطق بالأمازيغية الشاوية؟
❊ طبعا إن ذلك مرتبط بمدى تطوير الأغنية الشاوية ككل، فوجب إحداث التلاحم الفني بين فصائل فنية أخرى لإنجاز أغاني موجهة للطفل الأمازيغي. حقيقة نفتقر لقاعدة إتمام المسار. على العموم كانت هناك مجهودات في الخصوص إلا أنها ولدت ميتة.. فهناك حوالي أربعة أغاني استقطبت اهتمام الطفل الشاوي من تأليف الفنان سليم سوهالي والفنانة ديهيا وهي في اعتقادي غير كافية وتتطلب المواصلة، فالفن رسالة.
❊ توصف بالعصفور النادر الباحث في التراث الشاوي، هل فكرت في إنشاء مدرسة فنية للحفاظ على التراث؟
❊ هو مشروع لطالما صممته في الأحلام، ولكن في الواقع تفصلني عنه سنين ضوئية.. كيف لفنان يصارع من أجل البقاء يدرك هذه الغاية ويطمح لإنشاء مؤسسة جد مكلفة، ومع ذلك فأنا لا أهضم هذا الواقع وأتمرد عليه بإمكانياتي مع العلم إنني لا أرضى بالنضال فقط بالموسيقى، فأنا اجتهد في التاريخ والتراث والبحوث اللغوية متى تسنى لي ذلك. تجدونني منشغلا طوال الوقت بتحضير الأغاني والكلمات للفنانين الشباب، وبالمناسبة أنا بصدد الانتهاء من ألبومين أعددتهم لفنانين شابين من إينوغسين وهما طارق فؤاد وفاتح. وفي غياب الإمكانيات، جعلت من بيتي فضاء للعمل في انتظار تجسيد فكرة تأسيس استيديو للتسجيل ودار للنشر.
❊ تحول كبير شهدته الأغنية الشاوية وأنت تلازم الركب، فأين تضع صورة التراث في هذا الزخم الفني؟
❊ التحول الذي طرأ على الأغنية الشاوية كان تقهقرا وتنازلا لحساب طبوع لا يمكن ترتيبها في خانة من الخانات، وقد هجرها معظم المطربين فسحين المجال للانتهازيين. فلولا بعض الأصوات الوفية التي لا تزال تعتلي الخشبة لدخلت في غيبوبة تامة، فالصوت القوي للفنان ماسينيسا مازال ينفخ فيها أوكسجين البقاء وكذلك جيمي ويوبا جمال صابري نواري نزار... موهوب وعميروش.
❊ الأغنية الشاوية حافظت على طابعها الغني الثري ولم تستسلم للنزوات ومحاولات الزج بها في الملاهي، أين يكمن السر؟
❊ أنت محق حين تضع رباطا بين الأغنية الشاوية والحفاظ على الأصالة لطالما رسمت الأغنية بكلماتها لوحات لعاداتنا وتراثنا وعرفت بسيرة أجدادنا وفي غياب كل ما هو مكتوب فهي تمثل البديل، وأما عن انحراف المسار الفني، فلن يحدث وهو كذلك شأن الأغنية القبائلية التي ظلت محافظة على سجلها الزاخر بالإنجازات وبأسماء فنانيها الذين أوصلوها العالمية منذ عقود ويكفيها فخرا أغنية إيدير التي ترجمت لأكثر من عشر لغات.
❊يعاب على المنتجين أنهم طرف  في تدني مستوى الفن ما رأيك وأي الحلول تقترح؟
❊ طرحت السؤال مرفوقا بالإجابة .. فما علي إلا أن أؤيدك. أجل الحل يكمن في تأسيس قاعدة للتسجيل والإنتاج وكذا مهرجانات تختص في الأغنية الشاوية، أما بالنسبة للمنتجين فرغم سلبياتهم
إلا أن ذلك لا يمنعنا من القول أنهم محقين في بعض الأحيان للدفاع عن مصالحهم.
❊ هل تضم صوتك للفنانين الذين يطالبون بتنظيم ينظم المهنة؟
❊ نعم أنا من مؤيدي فكرة تنظيم المهنة لتمكين كل ذي حق حقه حتى لا يحظى من تسلل من النافذة بنفس التكريم الذي يخص به من دخل الفن من الباب العريض وأفنى عمره في خدمة التراث والثقافة والتاريخ، كما أن تنظيم المهنة من خلال قانون يحمي الفنان من ظاهرة السرقة الفنية والأدبية يعد متنفسا وخطوة إيجابية تصب في خدمة الفن.
❊ وماذا عن جديدك وهل من مشاريع فنية في الأفق؟
❊ نعم هناك جديد متنوع وثري خاصة وأنني متفرغ له بالخصوص وقد حضرت ألبومين أجل موعد تسجيلهما لظروف قاهرة، وأعمال أخرى مع كل من نزار النواري الفنان والتقني والعازف.. وقستور، الفنان متعدد المواهب ورياض مرزوق، العازف البارع على آلة القيثارة.. سنعمل من خلالها على إرضاء الجمهور الاوراسي خاصة والجزائري عامة.
❊ كلمة أخيرة؟
❊ أشكر جريدة "المساء" التي جعلتني بهذا الحوار فى تواصل مستمر مع جمهوري الذي شكل أهم انشغال في حياتي الفنية .. والذي يحفزني على البحوث لتطوير الأغنية الشاوية، كما أدعو للتكفل بالمواهب الشابة والتأسيس لمرحلة جديدة كفيلة بتطوير الفن لخدمة الوطن والعمل على جعل الفن وسيلة محبة تعارف والتفاف بالوحدة الوطنية. وأمنيتي المتجددة هو أن يكون هناك من أبناء الأوراس من يحمل همّ هذا الشباب الراغب في حمل مشعل الأغنية الشاوية الأصيلة أن يفكر في الاستثمار بما تجود به قريحته لإنقاذها.