الدكتورة مليكة حمدي:
الأندلسيون أزهروا النشاط الفلاحي بالبليدة
- 788
قدمت الدكتورة مليكة حميدي، مؤخرا، مداخلة بعنوان "البليدة والتواصل الأندلسي، النشاط الفلاحي نموذجا"، ضمن أشغال ملتقى "البليدة تاريخ مدينة.. وتراث مجتمع"، الذي نظم بجامعة "علي لونيسي"، وقالت إن التراث التاريخي للجزائر عامة، وللبليدة خاصة، يحتفظ بجملة من الإسهام الحضاري للجالية الأندلسية في الجانب الاقتصادي والثقافي والاجتماعي، من حرف وعادات وتقاليد وأشعار وأمثال وأغان وجماليات التزيين، لا تزال إلى حد الآن موجودة في الذاكرة الجماعية لساكنة البليدة.
أضافت الدكتورة أن الجالية الأندلسية ساهمت في النشاط الفلاحي للبليدة، الذي يعد من الأنشطة القاعدية للقطاع الاقتصادي في تسيير عجلة اقتصاد الدولة الجزائرية الحديثة، بعد استقرار مهجري الأندلس في مدن إقليم متيجة وفحصها، ومنها البليدة، واشتغلوا في خدمة الأرض وتربية المواشي في الأرياف، كما ذكرت المصادر الوسيطية الجغرافية مدينة “قزرونة”، إذ تجمع الدراسات الحديثة على أن هذه المدينة، هي نواة مدينة البليدة التي عرفت نموا ومكانة في إقليم متيجة، أثناء الوجود العثماني في الجزائر. كما لم تبلغ سهول متيجة مكانتها الاقتصادية، إلا بإسهام اليد العاملة الأندلسية التي عملت على تطوير وسائل الري واستصلاح الأراضي، فنتج عنها وفرة وتنوع الإنتاج الزراعي، الذي يعتبر ركيزة النشاط الصناعي، بتزويده بالمادة الأولية النباتية والحيوانية.
وغير بعيد عن مدينة الجزائر عند سفح الأطلس المتيجي، توجد مدينة البليدة في مكان غير بعيد عن موقع "خزرونة" القديمة، بجوار وادي الرمان، ويعود إعمارها إلى العناصر الأندلسية (المورسكية) التي أقطعها خير الدين بربروسة بتلك الجهة، فاستقرت بها تحت زعامة أحد الأندلسيين من ذوي الصلاح والتقوى، وهو سيدي أحمد الكبير الذي أشرف على بناء مسجد وفرن وحمام بالمدينة، وقد ارتبط بالمصاهرة مع قبيلة أولاد سلطان المقيمة في تلك الناحية. كما أجرى المياه في القنوات، وتمكن من سقي مساحات كبيرة خصصها لزراعة الخضار والفواكه، وبذلك أصبحت البليدة ومنطقتها تتميز طيلة العهد العثماني، بإنتاجها الوفير وجناتها الفيحاء التي كانت المكان المفضل لإقامة الجنود الأتراك المتقاعدين. وأضافت أن مؤسس البليدة سيدي الكبير، كان مهندسا فلاحيا، أتقن شؤون الري والبستنة، فكان من أولويات اهتمامه، تنشيط القطاع الفلاحي والبدء بتوفير وسائل الري وتطويرها.
وفي فحص البليدة، تمكن الأندلسيون (المورسكيون) من تحويل مياه وادي الرمان، المعروف بوادي سيدي أحمد الكبير الأندلسي، الذي ينبع من منحدرات جبل الشريعة، إلى قناة طولها 1500م، وقد قدر المنسوب المائي لهذه القناة بـ 20 ألف لتر يومياً، استخدم في ري البساتين، بينما الجزء الرئيسي استغل في صناعات النسيج والجلود، وفي سد حاجات مدينة البليدة من المياه، ولم يكتف أندلسيو البليدة بذلك، إذ حاولوا استغلال المياه المنحدرة من جبل الشريعة عبر أودية الخميس وبني عزة وجبور وبني شبلة والمبدوع وتامرة وبني مفتاح، التي وجهت خصيصا لري بساتين البرتقال، التي توسعت وأصبحت أشبه شيء، حسب وصف بعض الرحالة، بغابة كثيفة تحيط بالمدينة من جميع جهاتها.