الكاتبة ليندة شويتن ضيفة المركز الثقافي الجامعيّ
البحث عن الذات بين قبول الاختلاف من عدمه
- 686
كشفت الكاتبة ليندة شويتن خلال نزولها ضيفة على المركز الثقافي الجامعي، أول أمس، عن الصدور الوشيك لروايتها الجديدة المعنونة بـ "الصراصير المتكبّرة" تزامنا مع صالون الجزائر الدولي للكتاب"سيلا 2024" . كما تحدّثت مطوّلا عن مجموعتها القصصية التي صدرت آنفا بعنوان "أحلام في متناول أيديهم".
قالت ليندة شويتن إنّ الرابط الذي يجمع بين قصصها الثمانية في المجموعة القصصية "أحلام في متناولهم" ، هو البحث عن الذات، والتأرجح بين تقبّل الاختلاف أو السير خلف القطيع. وأضافت أن المجموعة التي صدرت عام 2022 عن دار "القصبة" ، كتبتها في عز جائحة كورونا؛ حيث كانت تكتب قصة باللغة الإنجليزية ردا على كل من طالبها بذلك؛ باعتبار أنها درست الأدب الإنجليزي في الجامعة، وتحصلت على دكتوراه بجامعة إيرلندية. لكنها ـ ولسبب لا تعرفه ـ انتقلت إلى كتابة قصص باللغة الفرنسية. والنتيجة هذه المجموعة التي تناولت فيها، بشكل خاص، الشعور بالاختلاف عند البعض، والذي قد يكون بالنسبة لهم، بصمة تميّزهم عن غيرهم، أو عاهة تفصلهم عن المجتمع، وتُدخلهم في أغوار حياة لا يفهمونها. وتحدّثت شويتن عن تأرجحها بين الكتابة الإبداعية ونظيرتها الأكاديمية، وتحديدا في مجال النقد الأدبي، فقالت إنّها في مراحل معيّنة تكتب النقد بشكل موسّع، خاصة بالإنجليزية. وفي مراحل أخرى تتّجه نحو الإبداع، مؤكدة أنها لا تعلم إذا كانت استطاعت تحقيق التوازن بينهما. أما عن كتابة القصة بعد روايتين، فهذا يعود، حسبها، إلى قوة القصة وحتى الشعر، في فرض نفسيهما في زمن الجائحة، لتصدر لها هذه المجموعة، وكذا ديوان شعري، علما أنّها تهتم، أيضا، بالأدب الفرنسي. والدليل اختيارها أعمال إيزابيل ابرهارت في رسالة الدكتوراه. وانتقلت الكاتبة في الحديث إلى فحوى قصصها الثماني، فأشارت إلى أنّ قصتها الأولى "آلهة" ، تحكي عن خيرة المرأة الجميلة جدا التي ترفض الإنجاب؛ خوفا من أن تشبه والدتها، التي كانت جافة مع أطفالها، ولا تحسن التعبير عن حبها لهم. لكن زوجها خالد لا يتفهم الوضع، ويفترق عنها. وتطرّقت شويتن في هذه القصة، لسوء الفهم الذي يطول أناسا مختلفين؛ فليس كلّ متزوجة ترغب في الإنجاب حتى وإن تعدّدت الأسباب. كما إنّ صمت خيرة وعدم قدرتها على التحاور حتى مع زوجها، قد يوحي بأنّها متكبرة، لكنّها في الحقيقة، تعاني من ذلك، ولا تعرف طريق الخلاص؛ فكم من إنسان وحيد رغم أنّه محاط بالكثيرين!
القصة الثانية "درس كافكا" عن أم ليست مهووسة بالأدب، لكنها تقرأ في الفايسبوك قصة حقيقية عن الكاتب الشهير كافكا، الذي التقى بطفلة أضاعت دميتها. ومحاولة منه التخفيف عن حزنها الشديد، يخبرها بأن دميتها اختارت الترحال، لتكتشف المزيد من الدول. وحتى يعطي مصداقية لكلامه كان يرسل إليها رسائل من مناطق مختلفة، ويوقّعها باسم الدمية. وهكذا تقرّر ريم أن تفعل نفس الشيء مع ابنتها التي ضاع عصفورها؛ في قصة تتقاطر إنسانية، وتسلّط فيها الكاتبة الضوء على أهمية الاهتمام بما يشعر به الأطفال، بينما كتبت شويتن في قصتها "زارع الغبار" عن شاب اسمه زهير لا يرى نفسه وسيما ويعاني من تجاهل ومن سخرية البنات، فيقرر الانتقام من خلال ترديد دعاء بأن ينزل الغبار عليهن فيتسخن. ويحدث ذلك فعلا، إلا أنه في يوم من الأيام يلتقي بامرأة تسخر منه، لكنها سرعان ما تندم؛ فهل سيتغيّر قدر زهير مع النساء يا ترى؟.
قصة رابعة بعنوان "نعال الأحلام التي لا تنضب" ، كتبتها شويتن عن الحراك؛ عن وهاب أستاذ الفلسفة المتقاعد، الذي لا يميل عن السير في خط مستقيم، وهو ما كلّفه حياة بسيطة، وملاحظات منهمرة من زوجته. ويرى في الحراك بادرة أمل بعد معاناة عاشها خاصة بعد سجن ابنه ظلما.
أما قصة "الدرس" فهي لشابة ترغب في الالتحاق بمدرسة الغناء التي افتتحت أبوابها في المدينة التي تعيش فيها، لكن والدها المحافظ رفض طلبها تماما. وبعد وفاة المطرب إيدير يستمع الأب إلى أغانيه، ومن بينها أغنية المطرب مع ابنته، فيغيّر رأيه، ويذهب ليطرق باب ابنته ليزف لها الخبر السعيد.
"لن أموت من الصدق" هي قصة رجل صريح صدوق، يقول ما يفكّر فيه دون لفّ ولا تزييف حتى وإن جرح شعور المحيطين به؛ فهل الصراحة لازمة في كلّ وقت وفي كلّ مكان، أم أنّ الكذب، أحيانا، ضرورة؟ تتساءل ليندة شويتن، وتضيف أنّ هذا الرجل رغب في تغيير نفسه أمام كل ما يسبّبه من ألم بفعل صراحته المبالغ فيها، ليسقط في شباك الخيال الواسع، ويصبح كثير الكذب، لكنه لم يستطع مواصلة النفاق، فيقرّر العودة إلى أصله، وإلى طبيعته مهما كلّفه الأمر.
وفي نفس الموضوع تقريبا، كتبت شويتن قصة "الحفل التنكري" ؛ فمن القناع الذي كنا نضعه في زمن كورونا إلى قناع افتراضي، ربما من اللازم وضعه بشكل افتراضي لنقابل به الآخرين؛ فعالمنا من الصعب جدا أو حتى من المستحيل، أن نواجهه بصدورنا دون أن نضطر لأن نراوغ أو ننافق ولو قليلا. وتضيف: "قد نضع القناع من الحشمة والاستحياء".
"الأيدي الكبيرة" عنوان قصة طفلة لديها يدان كبيرتان، تتعرّض للسخرية من صديقها، الذي يقارن يديها بيدي بنّاء، فتضربه. لكن ما يحزّ في نفسها أكثر هو نظرة والدتها صاحبة الأنوثة الطاغية عليها، إليها؛ فمثل كلِّ أقرانها في هذه السن الغضة، تبقى نظرة الأولياء إلى أطفالهم مهمة جدا.