المطرب الشاوي هشام بومعراف لـ"المساء":

"البيزنس" خطر على الفن الأصيل

"البيزنس" خطر على الفن الأصيل
  • 2835
حاوره: ع. بزاعي حاوره: ع. بزاعي
 نبت كزهرة في عالم الفن، وترعرع في معهد الموسيقي، إنه المطرب الشاوي هشام بومعراف، الحيوي المتألق صاحب الحس المرهف، الذي عزم على النبش في التراث لتطوير الأغنية الشاوية، واستطاع أن يقدّم مشهدا فنيا يحمل في مدلولاته رسالة الفن، ويسعى لتطويرها محليا، ليتعدى بها حدود الوطن. فتح صدره لقراء الجريدة، فنقلنا لكم هذا الحوار الشيّق.

^ المساء: حتى لا نجحف في حقك، نترك لك مبادرة التعريف بشخصك؛ فمن هو هشام؟
هشام: بداية، أشكركم على هذه الاستضافة الكريمة التي شرّفتني بها يومية "المساء". المتحدث هو هشام بومعراف، مطرب شاوي من مواليد 03 مارس 1978 بباتنة. ولعت بأداء الأغنية الشاوية منذ نعومة أظافري، واحتضنت هذا اللون بجوارحي. أنا من شباب المنطقة الذين يؤدون اللون الشاوي. مغنّ وشاعري في الأداء والكتابة في رحلة طويلة في عالم الإبداع وفي عوالم لا منتهية ترصد الجديد وتمجّد التراث. تحصلت على شهادة في تخصص العزف على آلة الترومبات سنة 2001. بدأت تدريس الموسيقى بذات المعهد ولم يكن عمري يتعدى 24 سنة. كما أسست فرقة موسيقية من 10 موسيقيين، معظمهم خريجو المعهد الجهوي للموسيقى بباتنة. قمت بأعمال جمعت بين الإيقاعات التراثية الجزائرية بخلفيات مختلفة، تغوص في عالم الأغنية الأمازيغية.
^ : أسهم تكوينك في المعهد الجهوي للموسيقى بباتنة، في بلورة تصورك لعالم الفن واللون الذي تخوضه، وحدّد بنسب متفاوتة مسارك الفني، هل تقر بذلك؟
هشام: بالتأكيد، وأنا طالب بالمعهد وقتها تأثرت بالموسيقى الكلاسيكية، واعتمدت عليها في ألبوماتي (سوزا، زازا وبابا حفودة)، خاصة أنها أضفت لمسة فنية للأغنية الشاوية؛ بحيث أستلهم من التراث أفكاري التي جسدتها ميدانيا على المدرج الموسيقي، وكلي طموح في ترقية الأغنية الشاوية.
^ : وأنت تتحدث عن تراث المنطقة الثري، هل تريد بذلك الانفراد بخصوصيات؟
هشام: لكل فنان خصوصياته؛ فالفن متنوع، والتراث ملك كل الجزائريين؛ "تراث واحد وأذواق متعددة"، ولكل فنان ميولاته. أما أعمالي الفنية المتنوعة فتنمّ عن حس بشعور، ورغبة في تطوير الأغنية الشاوية في الإطار الذي رسمته لنفسي منذ بداية مشواري الفني. وأملي كبير في النبش في التراث المنسيّ وتبليغه للأجيال.
^ : هل رسمت الأغنية الشاوية موقعا لها على الساحة الفنية الوطنية والعالمية؟
هشام: هذا دور الفنانين الجادين لبلوغ الغايات؛ فهناك نوعان من الغناء الشاوي؛ النوع الأول يغنَّى بسهولة في مقامات دخيلة لا تمتّ بصلة إلى روح الأغنية الشاوية. وأصبح المغني لا يكلف نفسه جهدا في البحث والرقي بالتراث اللامادي، ويقتصر هذا النوع على توجهه بالأساس في الأعراس والحفلات التي تُعتبر فنا تجاريا؛ وكأنه بضاعة معروضة بشكل جيد، ومضمونها مجوف. فالبيزنس يشكل خطرا حقيقيا على الفن الأصيل ويشوّه التراث. سنعمل ما بوسعنا كفنانين لتفادي ما يمليه علينا المنتجون الذين يتحكمون في سوق الفن، ولا يهمهم سوى الربح ولو على حساب الفن والتراث الأصيل. أما اللون الثاني الذي يهدف بالأساس إلى تثمين الأعمال الجادة للبحث في التراث وتطوير الأغنية الشاوية؛ كونه يستكشف الجماليات الموسيقية والخلفيات الثقافية من خلال الاعتماد على المؤلفات الأصيلة المعبّرة عن الهوية التي تندمج صوتا وموسيقى للرد على الأذواق؛ في تمازج فني يعطي طاقة متجددة حيوية خاصة، تتمازج في عاطفة فريدة من نوعها، تشير إلى التميز. ومن هذا المنطلق أشير إلى نماذج عن تجربتي الفنية من خلال العروض التي قدمتها على مسارح جزائرية، فرنسية وتركية، وكان هدفي من ذلك هو التشهير بالأغنية الشاوية والخروج بها من دائرة الظل. في الحقيقة لا يمكن التحكم في الأذواق بدون تقديم البديل، فالظاهرة الشبابية حقيقة لا يمكن تجاهلها، وحتى إن الشباب ركبوا الموجة الجديدة. ففي ظل كل هذه التحديات لا يجب أن نمل من العمل الجاد، خاصة في ظل تراجع الأغنية الملتزمة مقارنة بسبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. ومردّ ذلك إلى عدة أسباب، منها اللهث وراء الكسب المادي، وغياب البحث في التراث، وكلها عوامل قلّصت من حجم الأغنية الشاوية.
^ : ما هي الألوان الفنية التي تأثرت بها وكانت سببا في سر نجاحك وشهرتك؟
هشام: أنا أستلهم الموسيقى للرد على الأذواق واختيار الأنواع الراقية التي تخاطب العقول. ويُعد الفنان الجزائري سليم هلالي نموذجي الأعلى؛ لقد انبهرت بأعماله الفنية، إلا أنني لن أتخذ من أعماله مرجعا؛ لأننا لسنا على نفس المسار رغم أنني أستمتع بأدائه الجميل.
^ : ماهي خططك المستقبلية والطموحات التي تريد تجسيدها كفنان؟
هشام: بالنسبة لي، فإن الموسيقى تمثل الشغف الكبير لأي فنان يحمل رسالة وقضية وانشغالا حقيقيا في هذا الكون المعقد. سأركز في بحوثي على الاستفادة من الموسيقى بأقل الأخطاء الممكنة والمحتملة، وذلك في تنفيذ مشاريعي الفنية المستقبلية. لديّ طموحات مشروعة، وكأي فنان، سأسعى لتجسيدها رغم أنني أعرف أن الطريق لن يكون بالضرورة مفروشا بالورود. ولن أسمح لنفسي بأن أكون مضغة سهلة للانتهازيين الذين يتاجرون بالتراث ولست بائعا للأحلام، كما أنني لن أجعل من طموحاتي برميلا فارغا، وظيفته إحداث الضجيج. لديّ ألبوم جديد بالسوق سيلقى رواجا كبيرا، ويضم أغاني هادفة معبرة عن الأصالة والانتماء، منصهرة في أنماط موسيقية عالمية مختلفة. كما حرصت على أن لا يحدث التصادم في أعمالي الفنية مع الثقافات الأخرى، وحرصت على الحفاظ على الموروث الثقافي الجزائري الأصيل، للحد من خطر الاستغراب الثقافي الذي أحذر منه، والحيلولة دون تأثيراته على الشباب؛ فالمزج يقتضي المهارات الكفيلة بتطوير الأغنية الشاوية اعتمادا على مقوماتها الأصيلة لبلوغ العالمية. وأعتقد أن الاندماج يشكل فرصة للأغنية الشاوية لشق الحدود حتى ولو كان في نظر الآخرين خطرا على ثقافتنا، وأستدل في هذا المقام، بمدى النجاح الباهر الذي حققته موسيقى القناوة على مستويات عالمية.
^ : وهل من جهود للتدارك وبلوغ المستوى العالمي لترقية وتطوير الأغنية الشاوية؟
هشام: بالطبع هناك جهود كبيرة بُذلت في المدة الأخيرة، يعكسها بروز أصوات شبانية تضاف إلى جيل التسعينيات؛ فقد عمل المرحوم كاتشو ما بوسعه لتسلق سلّم العالمية، فضلا عن التمثيل الشاوي بالمهجر، على غرار حورية عايشي، ديهيا، ماركوندا، وما يعاب على الأغنية الشاوية حاليا هو غياب التمثيل لافتقارها لسفير دائم بالمهجر؛ فمهمة تطوير الأغنية الشاوية مسؤولية كبيرة، وأنا من الملتزمين بذلك، فللفنان دور ريادي وشجاع يجب أن يلعبه بدون الاستسلام أمام المشاكل، وهو، بالتالي، مبلّغ رسالة، وناقل لوعي وحس يصب في إبراز مقومات الثقافة، وكما ينقل صورة للمجتمع وناطقه الرسمي؛ لأنه يعبّر عن انشغالاته بطريقة غير مباشرة.
^ : هل تفكر في تغيير اللون الذي تخوض فيه؛ بحثا عن نجومية؟
هشام: لست مجبرا في الوقت الراهن على البحث عن النجومية على حساب الفن. بالطبع لقد عمدت هذا الأسلوب، ولا أعتقد في التنوع مخرجا، وكلنا نعلم أن لون الراي يفرض نفسه في الساحة الفنية، وهذا مرده لاعتبارات. وكفنان، فمن المنطقي أني سأسعى لتطوير فن المنطقة الثري، خاصة أن الأغنية الشاوية أصبحت مطلوبة بالمهجر، وتعرف إقبالا كبيرا؛ فكل ما يهمني الإبداع، وأنا من المتحمسين لفكرتَي التحديث والإبداع، اللتين تتطلبان الدعم من النخبة.
^ : كلمة أخيرة؟
هشام: أشكر، بالمناسبة، جمهوري العزيز الذواق للفن الذي يتفاعل مع أدائي، كما أشكركم على الاستضافة التي ستجعلني في تواصل دائم مع قراء جريدة "المساء"، وجمهوري الذي يشكل سندا لي لتفجير طاقاتي، وتجسيد إبداعاتي؛ بحثا في التراث، والعمل على تطوير الأغنية الشاوية.