عمر فطموش ضيف منتدى المسرح الوطني:

التجريب في الجزائر حبيس الأدراج الإدارية

التجريب في الجزائر حبيس الأدراج الإدارية
  • 732
دليلة مالك  دليلة مالك

تناول المسرحي عمر فطموش، خلال عدد جديد من منتدى المسرح الوطني الجزائري، موضوع "المسرح العربي ومسألة التجريب"، بتسليط الضوء على مفهوم الإخراج عند الجيل الجديد من المسرحيين العرب المعاصرين، وحول دوره في العملية الإنتاجية للعمل المسرحي انطلاقا من السيطرة المطلقة على اختيار النص وفرضه على الفرقة والمنتج وفق زوايا فكرية وجمالية مختلفة.

يقول عمر فطموش: "لم يبق للعرض المسرحي أن يقدَّم كتعبير عن جماعة أو طائفة، تساهم بشكل جماعي في تأكيد رؤية عالم متماسك ومنسجمة. ومن هنا، لم يبق للمسرح أن يفرض نفسه كموقع مركزي في فضاء المدينة، كمنطقة نفوذ، يعبر ويرسخ فيها في نفس الوقت، وحدة الجماعة بالموازاة مع العروض المختلفة التي يؤسس لها".

وأضاف المتحدث: "إذا كانت ظاهرة "مسرح المخرج" بدأت في المسرح الأوروبي في أواخر القرن الماضي وأوائل القرن العشرين، فإنه من المنطق أن تبدأ هذه الظاهرة متأخرة بعض الشيء في المسرح العربي. كما نعرف أن الدعوة إلى ميلاد المخرج المعاصر في المسرح الأوروبي جاءت وليدة ثورة على المبالغات الرومانتكيية، وعلى الفوضى التي شملت المسرح بسبب سيطرة الممثل أحيانا، والمؤلف أحيانا، والمنتج المسرحي أحيانا أخرى".

وأشار فطموش إلى أن مفهوم الإخراج عند هذا الجيل قد تغير، ولم تعد وظيفته قاصرة على تنفيذ أو تجسيد النص الذي اختاره له المنتج المسرحي أو الفرقة المسرحية، بل أصبح هو المسيطر على اختبار النص، وفرضه على الفرقة والمنتج من خلال زوايا فكرية وجمالية مختلفة. واكتشف المخرج العربي المعاصر آفاق الالتزام بقضايا مجتمعه؛ من خلال التزامه بقضايا الإنسان. ولقد ساهم في تأسيس مرحلة تنظيرية للمسرح العربي على مستوى الشكل والصياغة الفنية؛ الأمر الذي جعل النقد المسرحي والعرض المسرحي يخطوان خطوات واسعة.

وأفاد بأن إعداد أي فضاء ركحي يستند بطبع الحال، على فكرة وسياق جمالي وطرق عملية وإنتاجية خاصة بهذا الفضاء بالذات، ومن هنا يدخل التجريب في المسرح العربي من بابه الواسع؛ حيث أصبح له مكان بارز وقائم بذاته بفضل المخرج، الذي ساهم بقسط وافر؛ حيث يُعتبر من المؤثرين الأساسيين الذين يسيطرون على بناء العرض المسرحي. كما شارك الكاتب المسرحي العربي في البحث والتجريب المسرحي بطريقته الخاصة. وجعل بعض المبدعين من التجريب المسرحي وسيلة وصيغة تقصد إلى تطوير الممارسة المسرحية بكل مكونتها. وبعض المخرجين المسرحيين المعاصرين يرون في هذا الاتجاه الحديث للمسرح، تأصيلا للصيغة المسرحية.

وبالنسبة للمسرح الجزائري ذكر فطموش التجربة المسرحية لولد عبد الرحمان كاكي، وقال إنه نجح في المزاوجة بين التراث والحداثة، موظفا في ذلك التراث الشعبي المحلي، وإدخال أنماط مسرحية عالمية. ولقد اهتم كثيرا بطقوس شعوب البحر الأبيض المتوسط. وفهم ولد عبد الرحمان كاكي أن كل هذه المظاهر الدينية والطقسية تمثل البوادر الأولى للمسرح؛ حيث عاشت الشعوب الإغريقية نفس الاحتفالات. ويقول فطموش بالخصوص: "إن هذا المسرح البدائي لا يخلو من الغناء والرقص والتمثيل وبروز القوال والراوي؛ في عضوية عرض احتفالي تكتمل فيه كل عناصر الفرجة".

ومن جهة ثانية، يقول عبد القادر علولة مفسرا طريقة ومغزى تجربته، "إن التمسرح الجديد الذي نقترحه مثبت في الكلمة والقول داخل القصة، وطريقة ترتيب الحكاية. في الحقيقة إننا نقدم دعوة لاستماع نزهة، قصة على أساس أساليب متميزة في التنسيق المسرحي. من هنا ندعو الجمهور إلى الإبداع والابتكار وإعادة الإبداع مع الفنانين، مستعملا في ذلك تصوره الخاص ضمن تسلسل أحداث العرض. في هذا التمسرح هناك فعل للكلمة، والكلمة في الفعل؛ من حيث أنه يعطي للأذن قابلية الاستماع، ويعطي للأعين قابلية المشاهدة.

نقترح على المتلقي مشاهدة العرض بعيون تجربته الخاصة في الحياة، وانطلاقا من رأسمال كل ما عاشه من معارف وتجارب وأحداث في مجتمعه". وواصل فطموش ذكر العديد من التجارب المسرحية على غرار كاتب ياسين والعديد من تجارب جمعيات وتعاونيات، إلا أنه أكد في الأخير، "رغم كل محاولات التجريب لم يحظ المبدعون والمخرجون المسرحيون الجزائريون، بالعناية الكافية والاهتمام اللازم لأخذ بعين الاعتبار تجاربهم، التي بقيت في الأدراج الإدارية تحت سيطرة البيروقراطية".

وعمر فطموش ممثل ومخرج ومؤلف مسرحي، اشتغل بالتدريس، وتقلّد العديد من الوظائف؛ كمدير مسرح جهوي، ومحافظ للعديد من المهرجانات المسرحية والفنية. وقد أعدّ العديد من المدونات حول تفعيل المسرح في الوسط المدرسي. وأسس أول تعاونية، وهو عضو محاضر في اللقاء الدولي لمسرح الأطفال والشباب ببروكسل.

ومن مؤلفاته "حزام الغولة" و"البسمة المحروقة"، و"عرفيه في صمت الليل". ويُعد عضوا دائما وناشطا بالمعهد الدولي للمسرح المتوسطي، ومحاضرا في المهرجان الدولي للمسرح التجريبي، ومؤسس ومنشط أوديسيا الفنانين المسرحيين للبحر الأبيض المتوسط، وشارك في تنظيم العديد من المهرجانات والمناسبات المسرحية، وكان محافظا سابقا لمهرجان بجاية الدولي للمسرح، وله العديد من المشاركات كمحاضر ومحكّم في ملتقيات وفعاليات علمية وفنية دولية.