"روح القصبة" لفراعي وراضي بمركز "مصطفى كاتب"
التراث في أبهى حلة، وإدانة لكلّ متباكٍ على الأطلال
- 391
يجزم أغلب زوار معرض "روح القصبة" الذي أقيم بمركز النشاطات "مصطفى كاتب" بالعاصمة، مؤخرا، أنّ لوحاته زيتية تشكيلية لا غبار عليها إلى درجة أن بعض الفنانين التشكيليين أنفسهم، ظنّوا ذلك. وقالوا لـ«المساء" إن تلك الأعمال مرسومة بالريشة والألوان، ليتفاجأ الجميع بردّ صاحبتي المعرض بأن كل ما فيه هو صور فوتوغرافية صافية. ورغم ذلك تظل المعنيتان تحلفان باليمين المغلّظة في كل دخلة زوار، "يا جماعة الخير، هذه صور وليست لوحات...".
كحال "المساء" ، ظن الجميع أن لوحات القصبة رُسمت باليد من فرط جمالها وألوانها، التي تبدو زيتية أحيانا، ومائية في أحيان أخرى. كما تبدو القصبة جميلة بهية بصورتها التي كانت عليها منذ قرون خلت؛ أي مثلما تظهر في المعارض التشكيلية ولوحات المستشرقين، ليُصدم الجميع بأن الصور التُقطت منذ شهور أو سنوات قليلة فقط، توحي بالجمال، والنظافة، والحياة التي تدبّ في دروبها وأزقتها.
وتحدّثت "المساء" مع الفنانتين، وهما سيدتان راقيتان زاولتا مهنة التعليم، ومارستا الترحال إلى كل أماكن الجزائر، فقررتا أن تثمّنا هذه الرحلات بالصورة، وتقرّبا للجزائري جمال تراث بلده القارة، الذي يبدو أن الكثيرين يجهلون عنه الكثير.
وقالت السيدة فريدة فراعي إن المعرض لم يركز فقط على قصبة الجزائر رغم أنها أخذت حصة الأسد، ولكن تم عرض الكثير من قصبات الجزائر، ومن المعالم الأثرية عبر 28 صورة؛ إحياء لشهر التراث.
وأجمعت الفنانتان على أن كل الصور تحمل اللمسة الفنية الخاصة مع بعض التعديلات التي تتطلبها الصورة، وأغلبها تقنية فنية؛ لذلك فإن كل من يرى الصورة يظن أنها لوحة تشكيلية، وهو الهدف المنشود. وتضيف إحداهما: "إذا وضعنا الصورة كما هي فكأننا لم نفعل شيئا".
وقالت السيدة فريدة إن العمل كان بمثابة بناء وترميم لقصبة الجزائر. وأغلب ما عُرض كان عنها؛ لذلك خُصص عنوان المعرض لها؛ أي لروح القصبة. وبناء هذا الجانب الفني، حسبها، المراد منه في الأساس، هو مشاركة الجمهور تذوّق هذا الجمال وهذا التراث العريق، عوض البكاء على الأطلال، والقول إن القصبة تضيع وتتلاشى، ثم اعتبار هذه القصبة كالمرأة الشابة الحسناء التي يتقدّم العمر بها، لكنها لا تفقد ملامحها الجميلة.
وقالت الفنانتان لـ "المساء" إنهما حرصتا على أن لا يرى الجمهور في المعرض إلا الجانب الممتع والإيجابي في تراثنا المعماري الأصيل. وأوضحتا أنهما اتفقتا في أكثر من معرض سبق، على أن تُخرجا القصبة من القصبة؛ أي من حدودها وأسوارها وموقعها الجغرافي غير المعلوم عند من لا يعرفها أو من لا يسكن فيها، ليراها بشكل آخر أجمل.
وهنا ذكرت إحداهما أنهما نظمتا ذات مرة، معرضا بعنوان "الفن والصحة" ، وقامتا بالعرض في مخبر طبي بباب الزوار، لينبهر الزوار المرضى والأطباء بالصور، وينسوا المرض، ويستمتعوا بالصور. ومعرض آخر بعنوان "آجي تحوّس في القصبة" من خلال رحلة في التراث.
وأشارت السيدة فريدة إلى أن ما يجمعها بالسيدة غنية هو كثرة الرحلات السياحية إلى كل مناطق الجزائر، منها تاغيت، وعين الصفراء، والقالة، ووهران، وقسنطينة، وسوق أهراس، ومنطقة القبائل، وغيرها كثير، ليشجعهما الأصدقاء على توثيق ذلك الجمال والتراث في معارض تقدَّم للجمهور. وكان أول معرض لهما بـ 28 ولاية، موجّه في الأساس، لجمهور الشباب، علما أنه عندما طلبتا رأيهم الخاص ردوا: "لم نكن نعرف بلادنا جيدا، ولم نكن نعرف أنّ بها كل هذا الجمال! " . ومن بين ما أُعجب به الشباب آثار قالمة بموقع خميسة، وأهرامات تيارت، وغيرها.
وعن تقنيات التصوير، أشارت السيدة غنية إلى أنه يتم الاعتماد على توقيت التصوير، وعلى الإضاءة المناسبة، والتعديل التقني، وزوايا التصوير المختلفة، والألوان التي تختلف باختلاف ساعات اليوم. ووقفت أمام صورة (لوحة) لدويرة تقع في شارع غريبة ببئر جباح بالقصبة وقالت: "هذه البناية شهدت مولدي. وعاشت فيها عائلتي الكبيرة لعقود. وخرج منها شهداء؛ منهم عمي ضمن فدائيّي فوج تواتي للقنابل بالقصبة أثناء الثورة، نفذ فيه حكم الإعدام بسركاجي. وكتكريم للمكان قمت بإزالة كل التشققات والتصدعات، وبعض الهدم الذي أصابه بتقنية تصوير خاصة، ليبدو في أحسن صورة".
ومن ضمن تقنيات التصوير المستعملة أيضا تقنية الأبعاد، والتركيز على مكان ما، فبدت إحدى الصور وكأنها بتقنية البعد الثالث، في حين ظنّتها فنانة تشكيلية زارت المعرض، لوحة مرسومة. ولم تصدّق رغم كل الشروح، أن المعرض هو صور فوتوغرافية، لتعترف في الأخير، بأنها تشاهد هذا الإبداع لأول مرة رغم تجربتها الطويلة في الميدان.
وأضافت الفنانتان أن الصور ليست مسطّحة، بل عندها عمق؛ لذلك يحس المشاهد وكأنه سيدخلها. كما خصصت الفنانتان حيّزا من المعرض لبعض قصبات الجزائر؛ منها قصبة دلس، وميلة، ومليانة، وغرداية، والمنيعة، وبرج زمورة، وغيرها من المعالم.
للتذكير، سبق للفنانتين أن شاركتا في الكثير من المعارض والنشاطات. وتلقَّتا تكوينا ذا مستوى عال في التصوير والإخراج، مع اطّلاعهما على شتى الفنون البصرية.