رحيل المخرج يوسف بوشوشي عن عمر 77 سنة

التقط أولى صور الاستقلال ولم يتمكن من تجسيد كل أعماله

التقط أولى صور الاستقلال ولم يتمكن من تجسيد كل أعماله
  • 680
 لطيفة داريب لطيفة داريب

توفي أمس، المخرج السينمائي والتلفزيوني، المجاهد يوسف بوشوشي، عن عمر ناهز 77 سنة وقد سبق لـ"المساء" أن حاورت الفقيد بمناسبة مرور 55 سنة على اندلاع الثورة المظفرة والذي تطرق عبر منبرها إلى مسيرته الفنية والتلفزيونية، وكذا التحاقه بالكفاح من أجل استقلال بلده وهو لا يتجاوز 16 من عمره .

قدم يوسف بوشوشي، حصة «روائع الفن السابع» وأفلام كثيرة نذكر منها «الهجرة»، «سليم وسليمة» و»ثمن الحرية»، وكان مجاهدا صنديدا عمل في التلفزيون قبل وبعد الاستقلال، والبداية كانت بالتحاقه بجبهة التحرير الوطني سنة 1956 وعمره لا يتجاوز 16 سنة، وكان انضمم قبلها إلى صفوف الكشافة الجزائرية حيث تعلم حب الوطن وروح الوطنية، وبعد الكشافة التحق بمنظمة تابعة للجبهة بالعاصمة، وكانت مهمته نقل القنابل رفقة العديد من المكافحين أمثال جميلة بوباشة، وهذا من حي مارنقو من محل بيع الأواني إلى ضواحي حي العربي بن مهيدي في محل بيع الدجاج، وكانت هذه العمليات تتم وفق تنظيم وتخطيط محكم جدا رغم عمليات التفتيش التي كانت تقوم بها قوات الاحتلال.

ولم يتردد بوشوشي في الالتحاق بصفوف من رفعوا راية الوطن عاليا ولو على حساب حياتهم، فهو من عائلة ثورية مائة بالمائة، حيث كان إخوته وأعمامه وأبناء أعمامه رجال ثورة وإن اختلفت مهامهم، حتى أن هناك حيا في الأبيار يحمل اسم هذه العائلة الثورية «بوشوشي»، هذه العائلة التي عرفت سقوط شهداء من بينهم أخوه الذي عُذب كثيرا ومن ثم أُخذ على متن طائرة وألقي به منها، وآخر حكم عليه بالإعدام وأخ آخر استشهد مع الكومندان بوقرة في الحادثة التي راح ضحيتها ثمانية عشر مجاهدا.

وفي 16 أوت من سنة 1957 وبالضبط أثناء اندلاع معركة الجزائر، قبضت عليه سلطات الاحتلال التي جاءت تبحث عنه في منزل العائلة وأخذته إلى حسين داي في مدرسة ليفيي التي تحولت في شهر أوت (شهر العطلة) إلى مركز للتعذيب، وكان هذا تحت سطوة القبعات الحمر. ومن ثم تم أخذه إلى مزرعة تقع قبالة مستشفى بطرارية حوّلت هي الأخرى إلى مركز للتعذيب، وبعدها إلى بن عكنون حيث يوجد أيضا مقر للتعذيب بالقرب من ثانوية عمارة رشيد، ومن ثم أُخذ إلى سجن سركاجي ومكث هناك عاما كاملا بتهمة المساس بالأمن الداخلي والخارجي للدولة الفرنسية، وحكم عليه بمحكمة القصّر بما أنه لم يكن قد وصل إلى السن القانونية، بأن يُسلّم إلى العائلة تحت ضمانة والده.

حكاية بوشوشي مع السجن والتعذيب لم تنته عند هذا الحد، والمرة الثانية كانت سنة 1960 إذ قبض عليه الاحتلال ووجد نفسه في الثكنة العسكرية بحسين داي في مركز تعذيب آخر، وهذا لأن المنظمة التي كان يناضل معها هي من مدينة حسين داي، وأطلق سراحه بعد خمسة عشر يوما، أما المرة الثالثة فكانت سنة 1961 وهذا في فيلا سيزوني، ومكث فيها ثمانية أيام وكان هذا قبل الإعلان عن تاريخ وقف إطلاق النار.

وهنا تذكر بوشوشي، كيف نجا رفقة مناضل ثان من رصاص المستعمر من ضمن خمسة مناضلين، حيث عندما أطلق سراحهم من مركز التعذيب بحسين داي، لحقت بهم سيارات المحتل وتيقنوا أن المستعمر يريد هلاكهم فافترقوا، ولكن العدو كان مصمما على قتلهم فبدأ بملاحقة اثنين منهم اتخذا الطريق العلوي ملاذا لهما، ولكنهما استشهدا تحت الرصاص، بعدها عادت هذه السيارات نحو الثلاثة المتبقين وكانت النتيجة استشهاد مناضل آخر ونجاته مع الرفيق الأخير الذي تعرض إلى سبعة رصاصات ومع ذلك لم يمت.

كما كان والد يوسف قاضيا يهتم بأحوال المسلمين من زواج وطلاق وعقد وغيرها، وبعد الاستقلال تحول إلى قاض لمحكمة الحراش، ثم مستشارا في وزارة العدل، وكان والده مولعا باللغة العربية، فكان يفتح قسما لتعليم اللغة العربية بالطريقة التقليدية (اللوحة) في كل جامع للمنطقة التي يرسل إليها لأداء مهامه في عهد الاستعمار، وخاصة في منطقة القبائل، حتى أنه حوّل مرآب منزل العائلة إلى قسم لتعليم اللغة العربية لأبناء الحي، وأحضر معلما لتحقيق هذا الغرض، هذا المعلم استشهد فيما بعد.

بالمقابل، التحق يوسف بالتلفزة سنة 1961 كمساعد مصور، فقد كان مولعا بالتصوير، حتى أن والده اشترى له آلة كاميرا تسعة ملم، وكانت آنذاك آلة قيّمة، وكان رفقة أحد عشر جزائريا يعملون في التلفزيون وفي نفس الوقت منخرطون في لجنة تابعة للجبهة، من بينهم إسماعيل مدني، برقوق، مصطفى بديع وآخرين تم القبض عليهم في مقر عملهم بالتلفزة، والتقى بهم في سجن سركاجي.

حكاية بوشوشي مع السينما لم تتوقف بعد الاستقلال، بالعكس فقد صور مظاهر الفرحة بالاستقلال 24 ساعة على 24، وكان أيضا مصور الجبهة، وصور اقتلاع الجبهة للتماثيل ليلا مثل التمثال الذي كان في حي العربي بن مهيدي، والذي يضم الآن تمثال الأمير عبد القادر، وكان يعطي الجبهة الأفلام التي يصورها.

وتذكر يوسف ذلك اليوم الذي جاء فيه مبعوث الجبهة وهو لغواطي إلى التلفزة وسأله عن إمكانية تشغيل التلفزة من طرف جزائريين فقط، فأجابه بنعم رغم أنهم كانوا عشرة أشخاص يعملون في التلفزيون، ومن بينهم يوسف ماحي وقريبي ومصطفى بديع، وإثر ذلك حوّط المجاهدون مقر التلفزة وكانوا يفتشون ملابس كل فرنسي يخرج منها، أما عن الجزائريين فقد كانوا يبيتون في مقر عملهم، وتمكنوا من إنجاز برامج مختلفة حتى المسرحيات على المباشر، وكان ذلك بوسائل وتقنيات بسيطة.

وعمل بوشوشي بالأخبار وبالسينما وأعد حصة «روائع الفن السابع» سنة 1969 على المباشر، وكان هذا أيضا بوسائل بسيطة تطورت تدريجيا مع مرور الوقت، وفي البداية تعامل مع رشيد بومدين، الذي كان يعمل في الإذاعة وأصبح فيما بعد مدير الإذاعة الثالثة، فعمل مقدما للبرنامج لكنه لم يستمر لأنه لم تكن لديه ميول ومعرفة في عالم الفن السابع، بعدها تعامل مع مليكة طويلي، التي درست في معهد السينما بفرنسا، ولكنها لم تتحمل تبعات الشهرة التي جنتها من تقديمها لهذه الحصة مثل الكم الكبير من الرجال الذين كانوا ينتظرونها أسفل بيت العائلة عندما تعود من عملها، أي بعد البث المباشر للبرنامج، أيضا توافد عدد كبير من العائلات لخطبتها لنفس السبب، فقررت التوقف عن العمل، بعدها اختار أحمد بجاوي، وهو ناقد متميز في السينما ومع ظهور قانون التعريب، اعتمد أيضا على صحفي من جريدة «الشعب»، ولكنه لم يستمر طويلا وعاد بجاوي لتقديم «روائع الفن السابع» لوحده .

ماذا يقول عن الجزائر بعد مرور خمسة وخمسين عاما من اندلاع ثورتها المظفرة؟ «لن أقول إنني غير راض على وضع الجزائر اليوم، فقد كنا في عهد الاستعمار لا نستطيع حتى أن نمشي على طريق مّعبد والذي كان يسمى «طريق الرومي» وها نحن اليوم نسير في بلدنا بحرية وأبناءنا يدرسون بمجانية، في حين كانت الجزائر برمتها تضم مائة طالب ثانوي فقط غداة الاستقلال، ولكن كنّا نستطيع أن نكون مائة مرة أفضل من وضعنا الحالي، أتحسر على الآفات التي أصبحت تنخر بلدي كالبيروقراطية والانتهازية لدى البعض وكذا قضية المجاهدين المزيّفين ومن يعرقل مسار الجزائر للوصول إلى مصف أفضل، ومع ذلك أقول الحمد لله فأنا حي أرزق وسط أطفالي وأحفادي».

يذكر أن يوسف بوشوشي هو والد المخرج لطفي بوشوشي صاحب فيلم « البئر» الذي تحصل على جوائز محلية وعالمية.