التصوف والقيم الإنسانية عند الأمير عبد القادر
الجانب الروحي محرّك للقيم والسّلام
- 126
تناول المتدخّلون في ندوة "التصوّف والقيم الإنسانية عند الأمير عبد القادر" التي احتضنتها القاعة الكبرى بالصالون الدولي للكتاب، أوّل أمس، الجانب الإنساني الذي تمثّل في حياة الأمير الذي أصبح ميراثا في قيم الحرية والعدالة، إضافة للجانب الروحي الذي ارتبط به حيثما حلّ وكان ما شدّ إليه الناس من عرب ومن عجم.
نشط الندوة الدكتور بوزيد بومدين الذي أشار في كلمته إلى ضرورة النهل من تراث الأمير الإنساني في هذا الزمن الراهن، ووقف الدكتور عبد الوهاب بلغراس من مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية "كراسك" بوهران، عند جوانب مهمة من فلسفة الأمير معتمدا على كتابه "المواقف"، موضّحا ثنائية "الظاهر والباطن" ما يدلّ على التطوّر وتجديد الفكر الصوفي.
توظّف هذه الثنائية في تأويل الخطاب القرآني وفي تحديد مستويات النصّ القرآني، والتأويل بالنسبة للأمير عبد القادر هو أداة لرفع الحجب أو ما يعرف بالعوائق عن الحقائق الباطنة الكامنة وراء الظواهر، ففيه يخترق الحدود اللغوية والبيانية وينتقل باللفظ من الظاهر إلى ما يعتبر حقيقة أيّ الحقيقة التي يشير إليها اللفظ في القرآن.
استحضر المتحدّث رأي أركون وإشارته إلى عدم تفطّن الغرب إلى ضرورة طرح مسألة البعد الروحي وأهميته في الوجود البشري بشكل جدي، فالتجارب العديدة التي يقدّمها تاريخ الأديان، تدلّ على أنّنا بالنسبة للإسلام المعاصر "إذا كانت لا تزال توجد صيغ روحانية في المجتمعات الإسلامية المعاصرة، فإنّ ذلك عائد إلى ديمومة البنى الاجتماعية التقليدية واقتصاد القناعة".
تتبّع المحاضر مسار الأمير عبد القادر منذ النشأة إلى آخر حياته، وهي مرحلة استقراره بالشام، وتعتبر أطول مرحلة يسخّرها للتدريس والتأليف، وكيف أنّه دخل بفكره زمن الحداثة، وكذا جدلية المطلق والنسبي التي هي جوهر الإنسان ومركزية وجوده. وخلص المتحدّث إلى اتّخاذ هذا الفكر من تراث ومواقف أداة لإحلال السلام والتعايش وفي أزمات الهوية والنزاعات المسلحة.
أما الدكتور حمو فرعون فتوقّف عند مفهومي "الجهاد في الله، والجهاد في سبيل الله"، وكيف أنّ الأمير ألمّ بالجهادين، وأعطى المحاضر الفرق بينهما من الآيات الكريمة في سور الحج والعنكبوت والمائدة والتوبة وغيرها، فالأوّل هو الأشمل وهو حقيقة الجهاد ويخصّ الجهاد ضدّ النفس والهوى والدنيا والشيطان، أما الثانية فهي جهاد الأعداء بالسلاح وهو فرع من الجهاد الأكبر الأوّل ومن لم يلتزم بالجهاد في الله سوف لن يلتزم بالضرورة بالجهاد في سبيله وهو ما ثبته الأمير عبد القادر.
عن علاقة التصوّف بالجهاد فإنّ الأوّل هو التزكية والثاني هو الإحسان، علما أنّ التصوّف هو مقام من مقامات الإحسان، ثم تأتي مرحلة التعلّق ثم الفناء (الفناء الكلي في الله) التي عاشها الأمير كمرحلة أخيرة طويلة، وقبلها كانت مرحلة التعلق والتحقق إلى أن أدرك الفتح المبين وهي أعلى المراتب (الدوائر الصوفية الالهية)، عن جهاد الأمير بالسلاح قال المتحدث "حدث عنها ولا حرج" كذلك في بناء الدولة وغيرها من الانجازات.