ندوة "اليقظة الفنية" بالمكتبة الوطنية

الجزائر تستشرف التحوّلات الكبرى مع تحديد المهام

الجزائر تستشرف التحوّلات الكبرى مع تحديد المهام
  • 158
مريم. ن  مريم. ن 

نظّمت مؤسّسة "صناعة الغد" (فطور صباح الاستشراف)، أوّل أمس بالمكتبة الوطنية، ندوة بعنوان "اليقظة الفنية"، حضرها جمع من الفنانين، يتقدّمهم باديس فضلاء، الذي قدّم عرضا عن حال الفنون في بلادنا، والمهام المنتظرة منه للمشاركة في صناعة غد الجزائر؛ باعتباره بوصلة باتجاه المستقبل.

أجمع المشاركون على أنّ الفن في الجزائر بحاجة إلى يقظة، تجعل منه حصنا للهوية، ورافعة لنهضة تنموية. كما أكّد رئيس مؤسسة "صناعة الغد" الدكتور بشير مصيطفى، على ضرورة أن يستعيد الفن الجزائري مكانته الريادية، حاثا على دعم الفن؛ من أجل أن تُقبل الجزائر على مستقبل أكثر إشراقا.

الفن قوّة ناعمة

ثمّن المتحدّث مثل هذه اللقاءات والمبادرات التي ترسّخ مكانة الفن كقوة ناعمة، في جزائر ناهضة، متطلّعة لغد أجمل، وتعيد إلى زمن الفن الجميل. 

ودعا الوزير الأسبق الفاعلين في المؤسسة، إلى التقرّب من فناني الأرياف والمناطق المعزولة، لإخراجهم من دائرة الصمت والتجاهل، من أجل تكفّل أفضل بانشغالاتهم.

وتدخَّل، بعدها، الفنان المسرحي المعروف باديس فضلاء، ليثير ذكريات مسيرة جمعته بالدكتور مصيطفى في المسرح الإذاعي؛ حيث ترعرعت بينهما الصداقة. 

وقال إنّ الفن يختلف حسب التصوّر والتخيّل، والإحساس، والسحر، معتبرا أنّ الفن جسر بين الداخل العميق والخارج المحسوس، وغالبا ما يسمع الفنان ما لا يقال من الحقيقة. ويترجم نبض المجتمع بلغة فنية راقية، لا تحتاج إلى الترجمة؛ لأنّها تتحدّث إلى الوجدان الإنساني مباشرة. 

وقال فضلاء إنّ الفن ليس مجرّد تسلية وتعبير جمالي، بل هو عملية تربوية وفكرية وعاطفية، ترصد الواقع، وتستشرف المستقبل. وأضاف أنّ الفن يهتم بالحقيقة الاجتماعية، ليقدم نقدا للواقع، ويكون مرآة له.

رسم المستقبل والتنبؤ بالتحوّلات

عاد فضلاء، بالمناسبة، إلى تاريخ الفن، مؤكّدا أن أصله ديني، يتمثّل في مختلف الطقوس الممارَسة، والتي استُعملت فيها شتى الفنون؛ من رسم، وموسيقى، وغيرهما، وبالتالي نرى اليوم ذلك الجانب القدسي في الفن. 

كما توقّف المتحدّث عند أفكار بعض الفلاسفة والمفكّرين عن الفن، وأهميته، منها أننا " نملك الفن؛ كي لا نموت من الحقيقة" ، وأنّ "الفن أحلى كذبة تقول الحقيقة" . وبالمقابل أشار إلى أنّ الفن يحفّز العقل والتفكير، وأنه من أرقى التعبير الإنساني، يبدأ بالتأمّل والبصيرة، وبالتالي فإنّ الفنان، حسبه، فطنٌ ويقظ؛ ما يتطلّب استراتيجية استشرافية لرسم المستقبل، والتنبؤ بالتحوّلات، علما أنّ المتحدّث قسّم هذا المستقبل إلى عناوين متعددة؛ منها "المستقبل المتوقّع" المتعلّق بالفضاءات الرقمية والذكاء الاصطناعي، الذي لا بدّ من مسايرته. وهناك "المستقبل المحتمل" ، وهو الذي نتوقّعه، ونستعد لتحدياته، خاصة منها التقنية، والتكنولوجية، وأيضا "المستقبل الممكن" الذي نملكه بإمكاناتنا، مع حسن الإدماج بين العلم والفن. و"المستقبل المنشود" الذي يتواجد فيه الفن في كل مكان. 

وتناول المتحدّث صراع الأجيال، وانتقاد "الفنان الجديد" ، معتبرا ذلك نقدا غير واقعي، يعكس الخوف من التجديد، وعدم مراعاة السياقات والظروف من خلال اليقظة والاستشراف. 

التكنولوجيا في خدمة الفن

كما دعا فضلاء إلى دمقرطة الفن ليكون في متناول الجميع، من خلال التربية الفنية، واستعمال الفضاء الرقمي لتقديم عروض مسرحية وفنية، وكذلك العودة إلى السينما في الهواء الطلق.

وفي الأخير، قدّم المتدخّل مجموعة من التوصيات التي تمنى أن تُرفع إلى رئاسة الجمهورية؛ منها تأسيس منظومة فنية متماسكة، مبنية على فهم عميق للهوية الجزائرية، ومنفتحة في الآن ذاته، على العصر، ودعم الدولة للفنانين من خلال القوانين (كالتغطية الصحية مثلا)، وتشجيع المبادرات المحلية والابتكار بعيدا عن البيروقراطية، إلى جانب تحسين التسويق الثقافي من خلال الترويج الإعلامي، والمعارض المتنقلة.

ومن التوصيات المهمة أيضا دمج الفنون في المنظومة التربوية، وتعزيز السياحة الثقافية، والعمل على إنشاء مراكز ثقافية، وقاعات عرض وسينما حديثة، مع تخصيص هيئة أو خلية لليقظة والاستشراف الفني، وإنشاء مرصد وطني للفنون والثقافة، وبوابة رقمية وطنية للفنون لخدمة الباحثين، إضافة إلى جلب الشركات الناشئة في المجال الفني، ليختتم فضلاء تدخّله بمشروع فني، عبارة عن قصيدة عصماء، تعاون فيها لمدة شهر مع الذكاء الاصطناعي، مؤكّدا أنّ ذلك كان علاقة تكامل، ولم تكن هذه التكنولوجيا بديلا.

كما قرأت الشاعرة الدكتورة سعاد موسوني للوطن، لتأتي التعقيبات من عدة متدخلين، منهم الفنان طاهر ومان الذي تناول مشاريع رائدة في قطاع الثقافة بمشاركة فنانين ومثقفين، كمشروع طُرح في عهد رضا مالك عندما كان وزيرا للثقافة والإعلام في 1977، وفيه كانت الإدارة تتعامل مباشرة مع المبدعين كل في اختصاصه. 

أما المطرب يوسفي توفيق فركز على الموهبة في النهوض بالفن والاهتمام بالفنانين ذوي المواهب العالية، الذين هم قلائل، مؤكّدا أنّ الإنسان الموهوب هو الفطن الذي يأخذ بيد الجاهل الغافل بالاعتماد على الوعي والضمير وليس المصالح.

ومن جانبه، أكد الشاعر توفيق ومان أنّ الشعراء تنبأوا بالمستقبل، وبتحوّلاته من خلال وعيهم وفطنتهم.

للإشارة، تسعى مؤسسة "صناعة الغد" التي يرأسها الوزير الأسبق والخبير في الاستشراف بشير مصيطفى، لإشراك النخبة من خبراء ومثقفين ضمن خلايا "اليقظة الاستراتيجية"، التي تهتم بمجالات التنمية الشاملة على الصعيدين المحلي والوطني. ويصل عدد محاور اليقظة التي تشتغل عليها المؤسسة، إلى سبعة عشر، لكل منها مجالها، وأولوياتها.