إجماع على العلاقة النضالية والروحية
الجزائر وفلسطين.. التزام دائم
- 300
أشار المختص في الدراسات التراثية، الأستاذ إبراهيم باجس عبد المجيد المقدسي، إلى أنّ تواجد الجزائريين في فلسطين يعود إلى عهد صلاح الدين الأيوبي، حيث هاجروا إليها على دفعات لعدّة أسباب كالجهاد في سبيل الله لتحرير بيت المقدس والمسجد الأقصى من الاحتلال الصليبي أو الفرار من الاستعمار الفرنسي على دفعات بداية من 1847 وغيرها، وأضاف في ندوة "الجزائر وفلسطين..التزام دائم" ضمن برنامج "سيلا 27"، أنّه نتج عن تلك الهجرات وجود تجمع جزائري كثيف في مدن فلسطين وقراها، من منطقة الجليل على الحدود السورية واللبنانية في الشمال، إلى قطاع غزة في الجنوب الفلسطيني.
أوضح المتدخل في الندوة التي احتضنها "فضاء فلسطين"، أوّل أمس، أنّ الجزائريين شدوا الرحال إلى المسجد الأقصى لزيارته، أو المجاورة في بيت المقدس، أو الهجرة لطلب العلم أو نشره في بيت المقدس، مستعرضا مشاركتهم في الثورات الفلسطينية المتعاقبة في 1927 و1936-1939 و1948 وما بعدها، كما استعرض كيف أسّسوا في الشمال الفلسطيني كثيرا من القرى التي لم تكن مأهولة من قبل، أو كان فيها قلَّة من أهل فلسطين، وقد بلغ عدد تلك القرى 14 قرية، منها "عولم"، "سَمَخ"، "كفر سبت"، و«ديشوم"، إلى أن هُجّروا منها بعد نكبة 1948. وأوضح أنّ الجزائريين كانوا أوّل من قارع المستعمر الانجليزي والمستوطن الصهيوني.
وانتقل بعد ذلك للحديث عن الأوقاف التي وقفها الجزائريون في بيت المقدس وفلسطين، والتي انتفع بها عموم المغاربة، وليس الجزائريين فقط إلى جانب إسهامهم في تأسيس بعض الفصائل الفلسطينية التي كانت النواة الأولى لتأسيس العمل الفدائي الفلسطيني وقال إنّ "3 من بين الـ7 المؤسسين للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أصولهم جزائرية، كما كشف عن أنّ المناضلة الشهيدة دلال المغربي تعود أصولها إلى مدينة تلمسان، شأنها في ذلك شأن الكثير من المناضلين الفلسطينيين الذين ينحدرون من عائلات جزائرية هاجرت إلى فلسطين ثم استقرت من البلدان المجاورة كالأردن وسوريا ومنها من عادت إلى الجزائر بعد النكبة والشتات.
فيما تحدّثت الدكتورة الفلسطينية آمنة محمود أبو حطب عمّا يميّز العلاقة المتينة التي تربط الجزائريين والفلسطينيين، وقالت إنّ الشعب الفلسطيني تعلّم من مبادئ الثورة الجزائرية المقاومة والثورة ضدّ بني صهيون، مثيرة تساؤلات عن سرّ هذه العلاقة التي أرسيت على الحب المطلق، مؤكّدة أنّها ليس وليدة اليوم ولكن هي نتاج تراكمات تمتد إلى الحروب الصليبية وشعور الجزائريين بأنّهم معنيون بشكل مباشر بالدفاع عن بيت المقدس. وقالت إنّ حارة "المغاربة" بالقدس شاهدة على هذه العلاقة ذ، وواصلت أنّ الجزائريين يعشقون الحرية وعانوا من الاستعمار ويعرفون جيّدا حقارة اليهود فأحبوا الفلسطينيين حبا كبيرا.
كما نوّهت المتدخلة بدور الصحافة الجزائرية التي لم تترك فرصة إلا ونبّهت من الاستيطان اليهودي، واستدلت بما كتبه الشيخ سعيد الزاهري في جريدة "الإصلاح" عندما حذّر من الصهيونية، كما استحضرت موقف الشيخ عبد الحميد بن باديس من القضية الفلسطينية، وهذا الموقف استعمر إلى ما بعد استعادة الجزائر لسيادتها الوطنية، إذ لم تنس القضية وكانت الداعمة الوحيدة لها حتى مع موجة التطبيع المخذلة.
من جانبه اختار الأستاذ محمد كريم عصوان من جامعة الجزائر، الحديث في مداخلته عن مناضل القضيتين الشهيد محمد بودية، واعتبره "صفحة من الصفحات النضالية والتاريخية التي جمعت الشعبين، وهي صفحة جدّ قيّمة"، وقال "إذا ذكر اسم محمد بودية، فعلينا أن نحيطه بعلم فلسطين وكلّ فلسطين"، وأضاف أنّه إن التقينا بودية فكنا سنجد في يده اليمنى الارث النضالي الذي أداه في حرب التحرير الوطنية، فهو رجل جمع النظرية والممارسة، إرث بدأه وهو شاب (17 سنة)، متأسفا لعدم اهتمام الرؤى الأكاديمية والتاريخية بنشاطه العسكري والسري خلال الثورة المظفرة في الخارج، وأشار إلى أنّه لم يكن يخلد للراحة بين نشاطه المسرحي صباحا والتزامه النضالي ليلا.
وختم المتدخل حديثه متأسفا أيضا لندرة الأبحاث عن الراحل محمد بودية من الجانب العربي وكذا الجزائري، ولا بدّ من فتح ودراسة الأرشيف الفلسطيني خاصة اسهامات المجموعة الجزائرية التي كانت تنشط مع المناضل الراحل محمد بودية من 1966 إلى ما بعد 1973، وأضاف أن بودية شارك عن وعي وأسهم في وقدّم الكثير من التجارب الخاصة وله الفضل في إلحاق التنظيمات الأوروبية بالقضية الفلسطينية.
الندوة أدارها الدكتور سليمان أعراج الذي قال إنّ فلسطين "عقيدة" بالنسبة للجزائريين وليست "صفقة" أو "قضية ظرفية"، تسير وفق الأهواء، فالجزائر ئؤمن بأنّ فلسطين حرة وعاصمتها القدس، فيما استذكر ممثل سفارة فلسطين بالجزائر أهم ما يميز العلاقات الجزائرية الفلسطينية على جميع الأصعدة، الاجتماعية والسياسية والدبلوماسية وكذا الاعلامية، مشيدا بتخصيص فضاء لفلسطين لثاني طبعة على التوالي في خضم حرب الإبادة التي يشنها الكيان الصهيوني على غزة. أما الدكتور بومدين بوزيد فخاض في الخلفية الصوفية للرابط الموجود بين الشعبين، وأرجعها إلى الانتماء إلى الطريقة القادرية، مشيرا إلى أنّ هذه التوأمة أعاد صياغتها داخل الوعي الجزائري الشيخ البشير الابراهيمي.