افتكت للمرتبة الأولى جائزة "علي معاشي" في الرواية، أمواج دواس لـ"المساء":
الجوائز لا تصنع الروائي أو الشاعر
- 713
❊ جائزة "علي معاشي" جواز سفر إلى عالم الكتابة
❊ أحسست عند التتويج بلحظات من الانتشاء الفريد
❊ الرواية هي رؤية فلسفية بعين فنان
تعد أمواج دواس روائية صاعدة بامتياز، وموهبة متعددة، التقتها "المساء" مباشرة بعد افتكاكها المرتبة الأولى لجائزة رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب "علي معاشي" في فئة الرواية، وتوقفت معها عند بداياتها وطموحاتها، كما تحدثت عن الكتابة والإبداع ومسائل أخرى حملها هذا اللقاء.
❊ كيف تقدم أمواج دواس نفسها لقراء "المساء؟
❊ أمواج دواس من مواليد 2000 بولاية سكيكدة الهادئة، روائية صاعدة ترسم بأناملها عوالم الخيال، متخرجة بشهادة ماستر في النقد الحديث والمعاصر، تحمل بيمناها قلم الحرف وبيسراها ريشة الألوان، شغفها بالكلمة والإبداع، فتح لها آفاق الكتابة القصصية، فكانت بدايتي بكتابة مجموعتي "أشباح ومرايا" التي فازت بالجائزة الأولى وطنيا في مسابقة الطالب المؤلف، لأنفتح بعدها على عوالم السرد الروائي، من خلال تجربتي الأولى المتمثلة في رواية "ثيرالوزيا"، وهي رواية في أدب الخيال العلمي، حازت على جائزة الوطن اليوم الصادرة سنة 2019، وللشعر في عالم أمواج دواس أيضا نصيب، من خلال قصيدة "الهايكو"، وكتابتي لديوان شعري بعنوان "خلاخيلها والصدى"، كما أعانق عوالم الفن التشكيلي من خلال الرسم، حيث تحصلت على عدة جوائز محلية ووطنية ونظمت العديد من المعارض الفنية.
باختصار، أمواج دواس، روائية وشاعرة وقاصة وفنانة تشكيلية، متحصلة على شهادة البكالوريا دورة جوان 2018، شعبة علوم تجريبية بتقدير جيد، متحصلة على شهادة الليسانس في الدراسات الأدبية، تخصص أدب عربي (الأولى على الدفعة)، ومتحصلة على شهادة ماستر تخصص نقد حديث ومعاصر بجامعة "20 أوت 1955" بسكيكدة. (الأولى على الدفعة).
❊ أيهما أحب إليك.. الأدب أم الرسم؟
❊ بين الأدب والرسم، يقف حبي للنقد الأدبي والفني معلما راسخا من أجل تطوير أدواتي الفنية، ومنه صقل موهبتي في الرسم بالريشة والرسم بالكلمات.
❊ ما الدافع من الترشح لجائزة رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب "علي معاشي"؟
❊ ترشحي لجائزة رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب لم يكن وليد الصدفة، بل العكس تماما، فقد برمجت هذه المسابقة في أجندتي منذ سنوات، ذلك أنها جواز السفر إلى عالم الكتابة، فهي أرقى جائزة أدبية في الجزائر من الناحيتين المادية والمعنوية، وحتى من الناحية الإعلامية.
❊ كيف كان شعورك وأنت تفوزين بالجائزة الأولى؟
❊ ما يمكن قوله حين يتعلق الأمر بالأحاسيس الجميلة، يفوق ربما ما يمكن للكلمات أن تقوله، والحقيقة أنني في تلك اللحظات، حين ظهر اسمي على الشاشة، وللعلم كنت أول من صعد للتكريم، بالنظر إلى أن صنف الرواية كان أول فئة في القائمة، شعرت بإحساس غريب يسكنني، بين التفاجؤ والفرحة، إلى جانب أنني أحسست بلحظات من الانتشاء الفريد.
❊ هل ترين أن الجائزة تصنع روائيا كبيرا؟
❊ الجوائز لا تصنع الروائي أو الشاعر، فالأديب عموما هو من يصنع نفسه، من خلال العمل والاشتغال على نصوصه وتطوير أدواته الفنية وتقنيات الكتابة السردية أو الشعرية، من خلال قراءة النماذج الكبرى في الأدب العربي والأدب العالمي ومحاولة الكتابة بأسلوب متفرد، يحقق وجود الكاتب الحقيقي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، أعتقد أن الإبداع يجب أن يصاحبه رؤية فكرية وفلسفية ونقدية، لقد أحسست بهذا في تجربتي الشخصية، بعد دخول عالم الأكاديمية، من خلال دراستي للنقد الحديث والمعاصر، فالنقد ومعرفة النظريات النقدية يساهم دون شك في تكثيف رؤية المبدع النقدية.
❊ هل يؤثر الوسط العائلي في تفجير المواهب مهما كانت؟
❊ طبعا، فالطفل في مراحله الأولى كتلة من المواهب والطاقات، التي تحتاج إلى وسط ملائم يحتضنها ويطورها ويصقلها، وأول وسط يواجه الإنسان في حياته، هو الوسط العائلي، وهذا ما يمكن أن أقوله عن نفسي، فالوسط الذي ترعرعت فيه، كان طافحا بالإبداع والفن عامرا بالكتب والأقلام، وبتشجيعات تدفع بي قدما نحو الاستمرار بثقة وثبات، وما لا شك فيه، أن لهذه البيئة، الأثر الأكبر في تكوين شخصيتي الأدبية، فوالدي الدكتور الشاعر حسن دواس، أنشأنا على حب العلم، ومعانقة الكتب والنهل من مناهل الحياة والمعرفة قدر ما استطعنا.
❊ حدثينا عن موضوع روايتك التي حازت على الرتبة الأولى لجائزة رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب "علي معاشي؟
❊ "الفتنة القرمزية، متاهات على خارطة اللوحة المتشظية"، رواية نفسية تتناول موضوع تشظي الهوية واغتراب الروح، وضياع الأنا بين ثقافتين مختلفتين، ووسط عالم طافح بالشر، غامر بالقسوة، يتداخل فيها الزمن وتتداخل فيها الشخصيات المتعددة لبطل الرواية، الذي يعاني من انفصام في إدراك واقعه الحقيقي والمتخيل، ويمكن أن تصنف هذه الرواية ضمن إطار ما يعرف بالرواية، التي ترصد سيرة الفنان، أو كما يطلق عليها في اللغة الألمانية: رواية فنية (Künstlerroman)، وهي روايات تشكيل تتبع حياة الفنان، بطل هذه الرواية رسام من أب جزائري وأم إيطالية، عاش اليتم والقهر بعد تخلي والدته عنه، ضاقت به الحياة ليشد الرحال إلى الجزائر، من أجل البحث عن والده، وهنا تبدأ أحداث الرواية، الرسام المضطرب يصطدم برفض والده الاعتراف بنسبه إليه، فتأخذه محاولة انتحاره البائسة إلى مكان آخر، لا يدري أهو جنته أم جحيمه، بين أسوار غرفة باردة داخل إحدى المصحات العقلية الجزائرية، يصارع اضطراباته النفسية المتأزمة وذاته الشريدة وروحه التائهة، يعيش البطل حالة متأزمة من الاغتراب الروحي والكوني والزماني، تسافر به في مغامرات تخييلية بين عوالم مجهولة ومتضاربة ومتداخلة، لا يخفف من ألمه الخانق إلا لمسة تلك الممرضة السحرية، وملامحها الآسرة التي تجنح به نحو عالم الحلم الجميل، متخذا من الموت تذكرة لوصوله والخلود فيه.
❊ ماذا تمثل الرواية بالنسبة إليك؟
❊ الرواية عالم يصنعه الكاتب من وحي أفكاره ويشكله كيفما شاء، فيمارس عليه سلطته الكاملة، يخلق أجناسا ويميت أخرى، يخترق بها الواقع ويجنح إلى الخيال، وأحيانا يتخطاه، وهنا مكمن الإبداع، فالرواية بالنسبة لي، هي الرؤية الفلسفية التي ترى بعين فنان، وتسطر بأحرف شاعر، والروائي هو كل ذلك حقيقة، الرواية هي كل الموجود واللاموجود أيضا، تضم بين عوالمها مكنونات العالم وتعالج قضاياه الكبرى بطريقة مخاتلة وبصوت خفي، ترسم التجربة الإنسانية بمختلف جوانبها، ذلك أنها وعلى عكس القصص القصيرة، مثلا، تسمح للشخصيات بالتطور والتحول بطريقة سلسة ومستساغة للقارئ الذي يجد نفسه، داخل أحدى شخصيات الرواية، مهما حاول أن ينكر هذا، لأن الكاتب ينطلق عند كتابة الرواية من تجربته الخاصة والشعورية، التي تسقط على ما يسمى بالتجربة الإنسانية والكونية المشتركة بين جميع بني آدم.
❊ ما الكتابة بالنسبة إليك؟
❊ هي ذلك الملجأ الهادئ، بعيدا عن ضوضاء العالم، الذي يحملنا على بساط السحر والجمال، إلى عوالم الخيال والماورائيات، ويخولني إسماع صوتي للكون صادحا ذات يوم قريب أو بعيد، فالكتاب لا يموت وأحرفي لن تأخذها الرياح الهادرة، مادامت مخطوطة على الأوراق، ربما يأخذنا هذا الحديث إلى موضوع موضة الكتابة، التي تخفت أحيانا وتسطع أحيانا أخرى، فحين صارت الكتابة لأجل الشهرة ومجرد ركوب لأمواج الترند، ظهر لنا ما يسمى بالكتاب الذين يحاولون باستماتة اصطياد الحرف وملاحقته، والحقيقة أن الحرف يميز الكاتب الحقيقي، فيأتيه مخاتلا على استحياء.
❊ لمن تكتبين؟
❊ أكتب لذلك القارئ الضمني، الذي يعيش بداخل عقلي، ذلك الذي يتشكل لي كلما خطت يداي حرفا، فأحاول بكل ما أستطيع إرضاء ذوقه الصعب وغروره الأصعب وأضعه نصب عيني، كلما راودتني فكرة، لأنني أعمل بجد على أن أكتب بوعي وبنظرة أكبر من مجرد الكتابة للذات أو الكتابة لأحد، فالكاتب يحمل على عاتقه مسؤولية أفكاره ومعتقداته، التي يبثها داخل نصوصه ومسؤولية تأثيراتها على جمهور القراء، والقليلون من يدركون مدى قوة الكلمة، ومدى أهمية تبني مسؤولية الكتابة.
❊ ما هي العلاقة الموجودة بين القراءة والكتابة الإبداعية؟
❊ الكاتب المبدع قارئ مبدع، والقارئ المبدع هو ذلك القارئ الذكي الذي يجيد التعامل مع النصوص التي أمامه، ويجيد فك شيفراتها الخفية وملء البياضات التي يعمد الكاتب إلى تركها، فالنص قبل أن يكشف نفسه، يختبر قدرة القارئ على الولوج إلى معانيه المضمرة، التي تستعصي إلا على القلة المميزة، ففعل القراءة إذن مفتاح أبواب الكتابة الموصدة، ومن يجيد التعامل مع كتابات الآخرين، سيجيد وضع شفراته الخاصة داخل نصوصه الإبداعية، وسيجيد التخاطب مع القراء من خلالها.
❊ ما هو تقييمك للمشهد الثقافي في الجزائر؟
❊ بكل صراحة، هذا سؤال صعب جدا، والإجابة عنه تحتاج إلى معطيات كثيرة، للحكم على المشهد الثقافي والأدبي في الجزائر، أحاول أن أتابع المشهد الأدبي من خلال منصات التواصل الاجتماعي، لكن ما يمكنني قوله، إن الحركة الثقافية قد ازدهرت بعد تأسيس المكتبات الرئيسية للمطالعة العمومية، التي أظن أنها تقدم مادة مهمة للطبقة المثقفة، من خلال بعض البرامج القارة، على غرار برنامج "منتدى الكتاب" أو برنامج "القراءة في احتفال"، أما على صعيد الحركة الجمعوية التي تهتم يالابداع والكتابة، فالملاحظ أن الساحة، تحتاج إلى حركية حقيقية، وما هو موجود لا يفي بالغرض، مع الإشارة إلى الدور الكبير الذي يقوم به "بيت الشعر الجزائري" في مختلف الولايات، فتحية كبيرة لأعضائه، وعلى رأسهم الشاعر الكبير سليمان جوادي.
❊ ما هي مشاريعك المستقبلية؟
❊ هناك العديد من المخطوطات التي آمل إصدارها في القريب، على غرار المجموعة القصصية "أشباح ومرايا" وديوان الهايكو "خلاخيلها والصدى"، إلى جانب مشاريع لروايات أخرى بإذن الله، فأنا أعمد إلى التأني في الإصدار والنشر، لأنني أؤمن بأن النص الخالد، هو ذلك النص الذي يمر على مراحل مختلفة من التنقيح والتغيير، للخروج بتلك الصورة المميزة في النهاية.
❊ كيف تنظرين إلى دور النشر من جهة وللنقد من جهة أخرى؟
❊ دور النشر لها دور مهم في ترقية الإبداع ونشر الثقافة والفكر والمعرفة، لذلك يجب أن تتحمل هذه الدور مسؤولياتها كاملة، أقول هذا الكلام، على اعتبار أن دور النشر في الجزائر وفي الأعوام الأخيرة، تحولت إلى مؤسسات تجارية، وقليلة هي دور النشر التي تملك لجان قراءة، وتعمل فعلا على تثمين الأعمال الإبداعية الجادة وذات المستوى العالي، لذلك انتشرت الكثير من الأعمال الرديئة شكلا ومضمونا، الأمر الذي يجب أن ننبه إليه الجهات المسؤولة لتدارك هذه الوضعية، التي وصلت إليها صناعة الكتاب.
❊ هل يمكنك أن تعددي لقراء "المساء" أهم الجوائز التي تحصلت عليها إلى حد الآن؟
❊ تحصلت على الجائزة الوطنية الأولى للرواية القصيرة "دار الوطن" سطيف 2019، وكذا على الجائزة الأولى للقصة القصيرة في المسابقة الأدبية المنظمة من قبل ديوان مؤسسات الشباب بولاية سكيكدة 2019، وعلى الجائزة الوطنية الثانية في مسابقة "أول نوفمبر1954" المنظمة من قبل وزارة المجاهدين في فئة القصة القصيرة طبعة 2020، وعلى الجائزة الثامنة في المسابقة الوطنية من تنظيم جامعة "باجي مختار" عنابة، وعلى الجائزة الأولى في القصة القصيرة في المسابقة المنظمة من قبل مديرية النشاطات الثقافية والرياضية بجامعة "20 أوت 1955" سكيكدة، لسنوات 2020 /2021 /2022 /2023، وأيضا حاصلة على الجائزة الوطنية الأولى في مسابقة "الطالب المؤلف فرع الرواية والقصة القصيرة"، تنظيم جامعة "الصديق بن يحيى" جيجل 2023، وأخيرا على المرتبة الأولى في جائزة رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب "علي معاشي" في فئة الرواية سنة 2024.
كما تحصلت على عدة جوائز في مسابقات الفن التشكيلي، منها مسابقة أحسن لوحة من تنظيم دار الشباب صالح بوالشعور سنة 2014، ومسابقة أحسن بورتريه بمناسبة يوم العلم برمضان جمال سنة 2015، كما نلت الجائزة الرابعة في مسابقة الفنون التشكيلية، على هامش الملتقى الوطني للفن التشكيلي بسكيكدة (2022)، والجائزة الثانية في مسابقة "ورود آذار" المقامة بمناسبة عيد المرأة، سنتي 2023 و2024.
❊ في الأخير، هل يمكنك أن تقرئي لنا بعضا من كتاباتك؟
❊ أهدي لقراء "المساء" بعض النماذج من قصائد ديوان الهايكو "خلاخيلها والصدى"
"الموسم الجديد
أوجاع الصفصافة
تأخذها ريح الخريف
موسم جديد
قارئة الفنجان
ترشف قهوتها على عجل
انكسر الفنجان
بنيتي لا أمل
البرزخ
بين الضفتين
تعانق الروح البرزخ.. تتوسل
إلى أين..؟
دم الأخوة
أبكي لحالي وحال قومي
دمانا استبيحت
وبسُقَطْرَى جرح اللحى يدمي"
❊ بما نختم؟
❊ أشكر يومية "المساء"، التي أتاحت لي هذه الفرصة، التي أعتبرها دعما آخر، سيحفزني أكثر من أجل الارتقاء بالكتابة الإبداعية إلى أعلى المستويات.