”أنوار في ليل كورونا" لبوعلام رمضاني
الحجر الصحي خلّف ثورة ثقافية شاملة

- 881

أصدر الكاتب الإعلامي بوعلام رمضاني مؤخرا، كتابا جديدا "أنوار في ليل كورونا، من دفتر محجور ثقافي عن دار "ضمة" بالأردن. ويَعتبر الكاتب نفسه الصحفي الوحيد عربيا وربما عالميا، الذي خرج بكتاب عن كورونا من وجهة نظر ثقافية، وهو محجور في بيته بالعاصمة باريس، وقد تسلمت "المساء" حصريا نسخة من الكتاب، تقدمه لقرائها.
عبّر الكاتب عن سعادته وهو يرى منتوجه على الورق، موضحا أن تجربته في الكتابة الصحفية اكتست هذه المرة طابعا غير مسبوق، وهو يرصد يوميا محجورا في بيته ككل بشر المعمورة في عز كورونا، كيفيات مقاومة تداعيات الوباء نفسيا. وفي نفس الوقت يرى هذا الكاتب الصحفي أن مهنة المتاعب هي نفسها مهنة السعادة في نظر الذي يؤمن بأن الكتابة سعادة غير محدودة، تولَد من رحم معاناة نفسية وذهنية وجسدية. وجاء في مقدمة الكتاب قول الأستاذ رمضاني: "تعبت كصحفي، وأجهدت نفسي ليل نهار على مدار عشرات الأيام والساعات، لكنني سعدت أيضا كصحفي وأنا أطارد وأرصد كل أنواع التعابير الثقافية، التي أضحت حاجة حيوية لمواجهة فيروس لا يغزو الصدر والرئة فحسب، بل أيضا العقل والقلب كمصدرين لسلامة فكرية ونفسية ووجدانية". هذا الكتاب يُعد نموذجا لمعايشة مثالية بن الشقاء والسعادة، وبين التعب والراحة، وبين التشاؤم والتفاؤل، وبين الألم والأمل، وبين الخضوع والتحدي، وأخيرا بين الموت والحياة، والقبح والجمال في أبهى التجليات والحلل والتعابير الفكرية والفنية والثقافية البديعة. ويجد القارئ في هذا الكتاب كوكتيل نماذج كل المتناقضات المذكورة، عبر مقالات نشرت بعضها في موقع "ضفة ثالثة"، وأخرى كتبها المؤلف خصيصا للكتاب الذي أضحى عبرة جديدة ومتجددة، تثبت أن الثقافة حاجة ضرورية في زمن الشدة والفرج على السواء، ووحدها مدينة مثل باريس، يمكن أن تحوّل الظلام إلى نور؛ تأكيدا لصحة تاريخها الثقافي الكبير.
الكتاب الحافل بحقائق ومواقف وممارسات فنية وآراء فكرية وأدبية، أعطت لزمن كورونا في العاصمة الفرنسية رمزية حضارية، تساعد في توفير واستثمار الثقافة للقضاء على فيروسات غرست الجهل والقبح والقحط الروحيين في بلدان لازالت متخلفة عن الركب، وتزرع المعرفة والجمال والسعادة كما زرعها أبطال الثقافة في زمن كورونا. وقدّم الكاتب إطلالة على خيرة ما قيل ويقال عن الكتاب كخير جليس، وكحاجة ضرورية للإنسان السوي والمتوازن في كل الحالات، خاصة في حال تحول العزلة إلى أمر واقع يهزم الجميع. واستعرض مواقف بعض المثقفين والإعلاميين الكبار، منهم برنار بيفو الذي كتب مغردا: "آه، كم كنا نتمنى أن نسمع بأن الحجر الصحي المفروض بسبب كورونا، قد دفع المواطنين إلى غزو المكتبات لضمان مؤونة روحية لمدة طويلة".
وعاد الكاتب إلى موقع "أكتوليتي" (الأحداث الأدبية)، الذي أكد أن الكتاب يكتسي أهمية علاجية خاصة في الظروف العصيبة غير المسبوقة مثل ظرف وباء كورونا الذي يثير الهلع، ويفسد ويعكّر المزاج، ويتسبب في التشتت الذهني وفي الأرق. واستند الموقع الشهير في تأكيد ما راح إليه، إلى دراسة قام بها عام 2013 المحللان النفسيان دافيد كومير كيد وإيمانويال كاستانو في المعهد الجديد للبحث الاجتماعي. وخلص الاثنان إلى أن قراءة كل أنواع الكتابات الخيالية تمكن القراء من معايشة حالات اجتماعية ونفسية غير مسبوقة، من خلال الدخول في سياقات عوالم معقدة ومجهولة، تسمح بمعانقة حقائق وجودية جديدة. كما يبرز دور الرواية الإيجابي على القراء؛ استنادا إلى دراسة أمريكية أخرى أقدم من الأولى، تقول إن قراءة الكتب تسمح بالانغماس والغطس في عوالم خيالية تؤسس لعلاقات اجتماعية جديدة، تتجاوز ما كان يربط القارئ اجتماعيا ونفسيا وواقعيا في كنف هدوء يريح الخاطر ولو لفترات عابرة. وفي المحصلة يمكن القول إن القراءة تعوّض التباعد الاجتماعي الذي تفرضه حياة العزلة المفروضة على الجميع، لاتقاء شر فيروس وباء كورونا ولعدم نقله لآخرين. وعالم القراءة وحده يمكّن المحجور الصحي من ربط علاقات اجتماعية وعاطفية مع كتّاب وشخصيات، يتحولون إلى رفقاء وإلى أصدقاء جدد، يساهمون في الحد من الكبت الناتج عن ظرف قاهر، يحول دون لقاء الأهل والأقارب والأحباب.
كورونا والترويج للثقافة العربية
استعرض الكاتب ما نشره أبرز الكتّاب في زمن كورونا، وكيف خرجت بعض الروائع والأعمال الأدبية من الأدراج، وكيف كان هو شخصيا شغوفا بقراءة الأعمال الجزائرية والعربية والعالمية، متمنيا أن تكون هذه الفترة مناسبة للترويج للثقافة الجزائرية والعربية كما حدث في الضفة الأخرى، مقترحا، مثلا، "ألف ليلة وليلة". كما أشار إلى أن الراحل بن شيخ قال: "لا يمكن استيعاب وتمثل عبرة "ألف ليلة وليلة" التي يعرفها محبو الأدب منذ قرنين على الأقل، من خلال روعة الأسلوب، ولا بواسطة القصص المثيرة والمشوقة، و”يجب قراءتها من الليلة الأولى حتى الأخيرة لفهم مقاومة شهرزاد للموت.
ولولا صمودها وجلدها وقوة شخصيتها لما أخذت الرواية غير الغنية لغويا والمملة بتكرار صيغها، كل الزخم الأدبي الذي يفسر بأسلوب الحكايات الليلية البديعة، التي أنست الملك شهريار مشروع قطع رأس شهرزاد المشؤوم".
ومن جهته، قال أندري ميكال: "ألف ليلة وليلة" تمثل كل ما يمكن تصوره من أدب مستحيل يتراوح بين الخيال المرعب والواقع الخام". ويستطرد متحدثا عن الرواية التي يجهل الجميع كاتبها إلى يومنا: "إنها الرواية الوحيدة التي تفلت للتصنيف؛ لأنها وظفت فيها كل أشكال الأدب كالشعر والملحمة التاريخية والرواية الاجتماعية واليوميات والحكاية الشهوانية والأخلاقية والرحلة والنكتة، وحتى الخيال الذاتي الذي ميز الليلة 602، التي سمع فيها شهريار على لسان شهرزاد، حكايتها الشخصية". ومن بين التجارب التي سردها الكاتب تجربة الممثل كارتوزو بفكرة بث الموسيقى من شرفته في شارع سان برنار الذي يسكنه في الدائرة الحادية عشرة لباريس؛ بهدف إدخال البهجة والتنفيس على جيرانه المحجورين مثله. كما لم يتردد في إطلاق مسابقة ثقافية من شرفته بصوته الجهوري، داعيا الجيران الذين تعوّدوا على الخروج إلى شرفات بيوتهم، إلى المشاركة في مسابقة تمتحنهم في شتى المجالات المعرفية والفنية والعلمية والتقنية؛ الأمر الذي يعمّق ثقافتهم العامة، ويسلّيهم، ويمكّنهم من محاربة الجائحة، التي أجبرتهم على البقاء في البيوت خوفا من عدوى الفيروس. وأبرز الكاتب تزايد توافد الزوار افتراضيا على المتاحف، واستمتاعهم بشروح الأعمال التشكيلية، وغيرها. وختم بتصريح لأحد المسؤولين قائلا: "تسمح الثقافة خلال الحجر بقراءة العالم في ظل تداعياته السلبية الكثيرة، وبمعرفة ذواتنا أكثر، كما تسمح لنا بأن نعيش المحنة جماعيا بإيجابية".