الخاطرة ليست جنسا أدبيا
- 875
بعد تلاشي الساحة الأدبية وفقدانها نهائيا وتركها في أيادي صعاليك لا يفقهون في الأدب شيئا، نستطيع أن نقول إن من أسباب اضمحلال الساحة كثرة المواليد الموسومة بـ "الخواطر"، التي اتجه نحوها الكثيرون في هذه الفترة الأخيرة، وذلك لاعتبارهم أن الخاطرة جنسٌ أدبي؛ حيث نجد كُتابها في سن المراهقة ما بين الاثنتي عشرة سنة والواحد والعشرين؛ أي أنها مجرد تقليد لا غير.
إن الخاطرة لا تُعد جنسا أدبيا حتى الآن، وذلك لأنها مجرد جمل مركبة تحوي بين سطورها معاني. ونستطيع أن نقول عنها إنها فكرة وفقط، لكنها ليست فكرة ناضجة وليدة زمن بعيد. يتبادر إلى أذهاننا الكثير من الأسئلة، منها: لماذا لا تُعتبر جنسا أدبيا؟! لو كانت الخاطرة عبارة عن جنسٍ أدبي لوجدنا لها خطوات لكتابتها كـالأجناس الأدبية؛ خطوات الرواية مثلا، أو الشعر وحتى القصة؛ فالخاطرة تعتمد على الانفعال العاطفي والوجداني فقط.
هل للخاطرة تقنيات ونظريات ليستطيع الناقد تحليلها ونقدها؟
إن للجنس الأدبي منهجيات، قوانين ونظريات وحتى تقنيات. ونجد أيضا أن له خطوات يتبعها الكاتب وليست طريقة فوضوية كالخاطرة؛ بُحْ بما تريده وانتهى، حتى إن الخاطرة التي يكتبها الجزائري لا تمتاز بصغر حجمها، ولا سردُها الأدبي لائق...
تجد أن الخاطرة تأتي بمفردات سهلة ومتداولة بكثرة، ما هي إلا ترجمة لأحاسيس طفل صغير، يحاول أن يبوح بحبه لأمه بطريقة ما (الخاطرة) حتى إننا لم نجد أي أطروحة تخرج أو دراسة نقدية لها؛ لانعدام كل من المنهجيات والقوانين، والنظريات والتقنيات اللازمة.
لكل جنس أدبي مرجع نظري وقوانين بنائية وفنية يتكئ عليها عكس الخاطرة، التي لا وجود لمراجع نظرية وقوانين لها.. حتى لو كتب فيها البعض كغادة السمان مثلا أو مي زيادة، فتبقى مجرد جمل مركبة لا غير، وهي متاحة للجميع حتى للجنين في بطن أمه. لا أنكر أني كتبت الخاطرة، وأن بدايتي كانت بها، وكنت على وشك طباعة كتاب يحمل بين طياته خواطر، ثم تراجعت بعد أن أيقنت أن الخاطرة ليست جنسا أدبيا حتى الآن، وإنما ضرب من الجمل المركبة ببساطة.
حتى إن النقاد يختلفون في هذا الأمر إن كانت جنسا أدبيا أم لا، وذلك راجع للتعمق والبحث المعرفي لا غير...