"الصامتات" لعواطف نعيم

الخنوع يطيل عمر الديكتاتورية

الخنوع يطيل عمر الديكتاتورية
  • 593
من تونس: دليلة مالك من تونس: دليلة مالك
قدّمت المخرجة العراقية عواطف نعيم، في اليوم الرابع من مهرجان المسرح النسوي "مرا" بتونس بدار الثقافة "ابن الرشيق"، مسرحية "الصامتات"، وهي عبارة عن قراءة مغايرة لنص "الخادمات" للكاتب الفرنسي جان جيني، حيث ألبست المخرجة العمل لباسا عربيا، يستهدف واقع المرأة العراقية على وجه التحديد.
القصة تتعلّق بخادمتين تعملان عند سيدة أرستقراطية لا يحبانها إلاّ قليلا، كما تقول إحداهن، وهي لا تستطيع أن تطردهن؛ لأنّها لا تستطيع الاستغناء عن خدمتهما، وإن كانت تقول إنّها قادرة على ذلك، وحين يشتد النقاش وتتطوّر الأمور إلى نزاع ينتهي بقتل السيدة، يدوّي صوت من آخر القاعة بكلمات تشير إلى أنّ سيّدا آخر قد جاء، وفي هذا تريد المخرجة أن تؤكّد على أنّ الخادمتين لم تتحرّرا بعد، وهي إشارة إلى استمرار الدكتاتورية.
العمل المسرحي هذا بكلّ ما يجسّده من مأساوية وقساوة، ما هو إلاّ اقتباس لحدث واقعي وجريمة اقترفتها الأختان (بابان)، والتي قوبلت في حينها بعدم رضا الجمهور، ولاقت انتقادا شديدا لدى عرضها في نهاية أربعينيات القرن الماضي، إلاّ أنّها كانت مدعاة للتفكير بشأن الطبقة البرجوازية في القرن العشرين. ويتحدّث عن ثلاثة مجرمين يتصارعون فيما بينهم كي يصعدوا إلى المجرم الأعلى، وما قامت به عواطف نعيم شيء واحد فقط لم تدخل فيه، وهو أنّ كل واحدة من الخادمتين كانت تحلّ محلّ سيدتها، ولكن حاولت في الأخير أنّ تعطي هذه الفكرة، كان المجرمون هناك يتصارعون فيما بينهم ليحلوا محل المجرم الأكبر.
واعتمدت الدكتورة عواطف نعيم على ثلاث ممثلات كبيرات، وقدّمت هذه القراءة الواعية (الخادمات) التي سبق أن قدّمها العديد من المخرجين، ولكن هذه القراءة تنويرية، تطمح إلى استعادة حرية المرأة، وإن ذهبنا أكثر؛ فهي استعادة لحرية البلد من كلّ الضغوط الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي يمرّ بها البلد.
وتميزت الممثلة إقبال نعيم بحضورها على الخشبة؛ إذ قدّمت نسقا أدائيا متطوّرا يعتمد الحس والقراءة الهامة لشخصيتها، وكذلك الممثلتان الأخريان قدّمتا هذا النسق الذي كان طاغيا، بحيث وضعت المخرجة أصبعها على الجرح في أن تفجّر الطاقة الأدائية للممثلات الثلاث اللواتي قدمّن عرضا جميلا، والعمل فيه الكثير من المواجع والآلام التي  تتكبّدها المرأة العراقية التي عليها أن تطرحها. والمسرحية تدعو لذلك بلغة فنية عالية، وهو عمل جميل يضاف إلى تجارب المسرح العراقي الجيدة.
هي صرخة احتجاج أن يكون الإنسان سيد نفسه، وأن تكون المرأة سيدة نفسها، وإذا أصبحت سيدة نفسها وامتلكت حريتها ستكون قادرة على أن تحرّر الآخرين، فلا نستطيع أن نكون أحرارا وأسيادا إن لم نكن أسيادا حقيقيين داخل ذواتنا.