"عودة قمر" سمية عبابسة

الخيال والرمزية للتكيف مع قوى الطبيعة

الخيال والرمزية للتكيف مع قوى الطبيعة
المؤلفة الدكتورة سمية عبابسة
  • القراءات: 435
مريم. ن مريم. ن

قدمت المؤلفة الدكتورة سمية عبابسة، طبيبة عامة ونائبة رئيس المكتب الولائي للجمعية العامة للأطباء لولاية أم البواقي، ورئيسة نادي المرأة والطفل، مؤخرا، قصة "عودة قمر"، من خلال سرد ثري يحمل دلالات اجتماعية ونفسية عميقة، خاصة بالنسبة للأطفال الذين يعانون من متلازمة نادرة، مثل أطفال القمر. لا تسرد القصة فقط حالة الطفلة قمر، بل تدمج الرمزية، الخيال والأسلوب القصصي، للتعامل مع صراع الفرد والمجتمع في التفاعل مع الأمراض النادرة، ما يجعل النص غنيا ومناسبا لدراسة متعددة الأبعاد.

اعتمدت البنية السردية للقصة على التقليد القصصي الكلاسيكي، الذي يبدأ بموقف هادئ، ثم يتصاعد من خلال أحداث مليئة بالتوتر العاطفي، وتنتهي بالحل والرضا، مع الالتزام ببنية ثلاثية، تبدأ بولادة الطفلة "قمر" في ليلة رائعة، تتعرض بعدها لمرض أطفال القمر، وتنتهي بعودة قمر إلى حياتها الطبيعية، بفضل تعاون المجتمع.
كانت الولادة في ليلة مقمرة، حيث تتماهى شخصية قمر مع القمر بشكل رمزي، ثم اكتشاف حالة قمر الصحية ومعاناتها من الشمس، ليأتي بعدها الحل بالدعم المجتمعي، وتكاتف القرية، وإعادة قمر لحياتها الطبيعية مع حلول عملية.
كانت اللغة التصويرية المستخدمة، -كما وصفها الكاتب بلحمدي رابح- مثل تصوير الطبيعة والتفاعل بين الشمس والقمر، تضفي عمقا رمزيا يستخدم لربط الفكرة الرئيسية (الصراع بين الطبيعة وقمر) مع التجارب الإنسانية.
كما أن القمر في القصة يحمل دلالات رمزية متعددة، فهو يمثل النقاء، الجمال والعزلة، من خلال ربط الطفلة قمر بالقمر، تشير المؤلفة إلى حالة الأطفال المصابين بمتلازمة أطفال القمر، الذين يجدون أنفسهم محصورين في عالم خاص بعيدا عن الشمس، والقمر يمثل الأمل والضياء في الظلام، ما يعكس قدرة الطفلة قمر على الاستمرار، رغم تحدياتها.
يمثل القمر النقاء والشفافية في شخصية قمر، لكنه يعكس أيضا عزلتها عن المجتمع، نتيجة لمرضها، والشمس رمز للغيرة والطبيعة القاسية، التي تعني العوائق التي تواجهها قمر في حياتها، أما النجوم، فتمثل الأصدقاء والمجتمع الذين يساندون قمر في وقت الحاجة.
التفاعل بين هذه الرموز ـ حسب الكاتب بلحمدي رابح - يعكس مفهوم الصراع والتعايش بين الطبيعة والإنسان، وفي النهاية، تهدأ الشمس وتقبل التعاون الإنساني، ما يشير إلى قدرة الإنسان على تكييف الطبيعة لخدمة احتياجاته.
القصة تعكس بعمق، الصراع النفسي الذي قد يمر به الطفل الذي يعاني من حالة صحية نادرة ، وكذلك الأثر النفسي على العائلة والمجتمع المحيط به، فالطفلة تشعر بالعزلة والحزن بسبب مرضها وعدم قدرتها على العيش حياة طبيعية كأصدقائها، هذه الحالة تعكس معاناة العديد من الأطفال المصابين بحالات صحية نادرة، حيث يواجهون رفضا غير مقصود من المجتمع.
أما الأم والأب فيمثلان الدعم العاطفي والمعنوي، ويعكسان الجهود المستمرة التي يبذلها الآباء في رعاية أطفالهم، رغم الحزن الداخلي والمعاناة النفسية التي يشعرون بها، نتيجة هذا المرض.
تركز قصة "عودة قمر" بشكل كبير، على دور المجتمع في دعم أفراده، خاصة عندما يتعلق الأمر بالأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، أهل القرية، وخاصة وسيم، يمثلون القوة الداعمة التي تسعى لتحويل معاناة قمر إلى شيء إيجابي، من خلال مشروع "عودة قمر" الذي أطلقه وسيم، وهو مشروع خيري يعبر عن التكافل الاجتماعي، ودور المجتمع في توفير الحلول للأطفال الذين يعانون من أمراض نادرة، بالتالي، فإن القصة تبرز قيمة التعاون والرحمة المجتمعية في دعم الأفراد الذين يواجهون صعوبات صحية أو اجتماعية.
من خلال منظور التفكيك، يمكن قراءة القصة على أنها تساؤل حول العلاقة بين الطبيعة والإنسان، فهل الشمس حقا عدو لقمر؟ أم أن الأمر يتعلق بالصراع بين القوى الطبيعية والإنسان الذي يحاول تكييفها لخدمته، والنص يفتح مساحة للتفكير في مدى قدرة الإنسان على السيطرة على الطبيعة، وفي النهاية يظهر أن الحل ليس في السيطرة، بل في التكيف مع هذه القوى.
تحمل القصة قيما تربوية قوية، فهي تعلم الأطفال أهمية التعاطف مع الآخرين، خاصة من يعانون من تحديات صحية، كما تعلمهم أهمية التعاون والعمل الجماعي لحل المشكلات، مثلما فعل وسيم وأصدقاؤه في مشروع "عودة قمر".
القصة يمكن استخدامها في مجال التعليم، لتعزيز الوعي حول الأمراض النادرة وأهمية التعاون المجتمعي، والصور المرافقة لكل مقطع من القصة، تساعد على توضيح المفاهيم للأطفال وتشجعهم على التفكير بطريقة إبداعية، حول كيفية التعامل مع التحديات.
للإشارة، فإن قصة "عودة قمر" للدكتورة سمية عبابسة، هي نص غني ومتكامل، يجمع بين الخيال والرمزية والواقع، ليعالج قضية حساسة تتعلق بالأطفال المصابين بهذا المرض النادر، من خلال دراسة القصة من زوايا بنيوية، سيميائية، نفسية، اجتماعية، تفكيكية، وبيداغوجية، وكيف أن النص يدمج بين الخيال والواقع، ليقدم رسالة عميقة عن التعاون المجتمعي، والقدرة على التكيف مع التحديات.
يكتشف القراء هذا الكتاب الممتع والمفيد خلال فعاليات "سيلا 2024"، شهر نوفمبر القادم.