اهتمّ ببنية النص دون سواها

الدكتور عبد الكبير يبرز "المناهج النقدية بين النقد ونقد النقد"

الدكتور عبد الكبير يبرز "المناهج النقدية بين النقد ونقد النقد"
  • القراءات: 239
م. ص م. ص

في كتابه الصادر بعنوان "المناهج النقدية بين النقد ونقد النقد"، يؤكّد الدكتور أبوبكر عبد الكبير أن المناهج النقدية الحداثية في الجزائر، استقطبت اهتمام الدارسين والباحثين جيلا بعد آخر، بداية من الجيل الأول في ثمانينيات القرن العشرين، الذي يُعدّ المؤسس الأول لها؛ تنظيراً وتطبيقا، في النقد الجزائري المعاصر، ومعه بدأ الاهتمام بهذا التوجّه النقدي يتزايد يوما بعد يوم.

يُعدّ هذا الكتاب الذي صدر عن دار "جودة للنشر" بالجزائر، امتدادا لتلك الدراسات النقدية التي ما فتئت تظهر هنا وهناك، والتي حاولت دراسة النصوص الأدبية والنقدية بمعزل عن كل ما هو خارج عنها، والاهتمام ببنية النص دون سواها.
وقد حاول المؤلّف في هذا الكتاب، التوقّف عند بعض هذه المناهج النقدية الحداثية؛ تطبيقا لها، كما في الجزء الأوّل، الذي خصّصه للمنهج البنيوي، وبالخصوص الثنائيات الضدية؛ كونها من أهم الظواهر اللغوية التي توقف عندها مطولا أنصار ودعاة هذا المنهج في دراستهم لمختلف النصوص الأدبية. وقد اختار لذلك جدارية لمحمود درويش نظرا لما تتضمّنه من مفارقات لغوية أُسّست عليها هذه الجدارية من بدايتها إلى نهايتها. وساهمت هذه الثنائيات كثيرا في تحديد الإطار العام لهذه القصيدة؛ إذ حمّلها محمود درويش العديد من الدلالات، التي جاءت في واقع الأمر امتدادا للحالات النفسية التي مر بها الشاعر بين فترة وأخرى؛ ذلك أنه وظفها للدلالة على التشاؤم والتفاؤل، والتجديد والاستمرارية والتحدي، وغيرها من المعاني.

أما الجزء الثاني من الكتاب فخصّصه المؤلف للمنهج السيميائي، منزاحا بذلك عن الدراسات المألوفة لهذا المنهج من خلال اهتمامه بالجانب غير اللغوي في شعر عز الدين ميهوبي؛ أي التشكيل البصري، الذي استطاع من خلاله الخروج عن النظام العمودي للقصيدة، وزجّ من خلاله القارئ في لعبة مطاردة المعنى، مستغلا، بذلك، هذه الظاهرة البصرية، لتكون أداة مساعدة للعلامات اللغوية في أداء المعاني، وإيصالها إلى المتلقي؛ إذ جاء بذلك هذا التشكيل البصري متناسبا مع الحالات الشعورية التي يعبّر عنها الشاعر في خضم قصائده الشعرية، موظفا العديد من مظاهر التشكيل البصري؛ على غرار السطر الشعري المتعامد، والسطر الشعري المتدرج، والسطر الشعري المتساقط، وغيرها من المظاهر الأخرى التي اختلفت دلالاتها تبعا لاختلاف المقاطع الشعرية وتنوعها.

أما الجزء الأخير من هذا الكتاب فارتأى الدكتور أبوبكر عبد الكبير تخصيصه للبحث عن هذا المنهج الجديد، الذي عُرف بنقد النقد، وتمثلاته في النقد الجزائري المعاصر، خاصة أعمال الناقد يوسف وغليسي، الذي حاول تقريب الرؤى النقدية، وإذابة الجليد في كثير من المرات بين النقاد، خصوصا في ردّه على خصوم الناقد عبدالملك مرتاض.
وفي هذا الباب بالذات، يؤكد المؤلف: "يُعدّ كتاب يوسف وغليسي " الخطاب النقدي عند عبد الملك مرتاض في المنهج وإشكالياته "، من التجارب الرائدة في مجال نقد النقد في الجزائر وخارجها؛ لكون هذا الناقد تتبّع في كتابه التجربة النقدية المرتاضية من بداية عهدها مع المناهج السياقية، وتطورها، وانتقالها إلى المناهج النسقية، مركزا من خلال ذلك، على التجديد، والتجاوز الذي تبنّاه عبدالملك مرتاض في تجربته النقدية".

وأرجع جلَّ الانتقادات التي تعرّض لها عبد الملك مرتاض من خلال تجربته النقدية، إلى عدم الفهم الجيّد من طرف العديد من النقّاد، لفحوى هذه التجربة النقدية المتميزة. كما أكّد وغليسي محاولا من خلال ذلك، تقريب وجهة نظر عبد الملك مرتاض لهؤلاء النقّاد، وذلك على غرار فكرة اللامنهج، التي أكّد وغليسي أن "الانتقادات التي تعرّض لها مرتاض في هذه القضية النقدية، تعود، أساسا، إلى عدم وجود توافق بين مرتاض وبعض النقّاد في استعمالهم وتوظيفهم مصطلح اللامنهج في متونهم النقدية، وهو ما أدى إلى سوء التفاهم فيما بينهم؛ باعتبار أن اللامنهج عند بعض النقّاد هو الجمع بين المناهج النقدية في الدراسة النقدية الواحدة، بينما عبد الملك مرتاض يقصد بهذا المصطلح، تكييف المنهج الغربي بما يتوافق وخصوصية النص الإبداعي العربي".
ويشار إلى أن الدكتور أبوبكر عبد الكبير مؤلف الكتاب، باحث جزائري، حاصل على دكتوراه في الأدب العربي ونقده من جامعة الجزائر (2021). ومن مؤلفاته "ترهين الخطاب النقدي العربي الحديث والمعاصر".