دكاترة يحاضرون عن قائد البحرية الجزائرية

الرايس حميدو.. رجل ليس ككل الرجال

الرايس حميدو.. رجل ليس ككل الرجال
  • القراءات: 224 مرات
لطيفة داريب لطيفة داريب

جعل ذكرى استشهاد الرايس حميدو  في 17 جوان، يوما وطنيا للبحرية أو للشجاعة. تنظيم ملتقى دولي حول هذه الشخصية الفذة، تضافر جهود السلطات والمجتمع لتثمين التاريخ البحري وإدراج شخصياتها في المنظومة التربوية.. تلك هي أهم التوصيات التي رفعها المحاضرون في اليوم الدراسي، الذي نظمه المتحف العمومي الوطني البحري، أول أمس، بعنوان "الرايس حميدو أميرال البحرية الجزائرية.. من حلم فتى إلى رايس البحر".

ضمت قائمة التوصيات، نقاطا أخرى، كضبط ومراجعة المصطلحات الخاصة بالفترة العثمانية، تحري الصورة الأصلية لرايس حميدو، توسيع البحث العلمي عن الشخصيات البحرية، استعمال الرقمنة وإنجاز فيلم وثائقي عن الرايس، بالاعتماد على أهل الاختصاص، وكذا بناء السفينة الشراعية "شباك" الجزائرية لغايات تاريخية ثقافية وسياحية.
بالمقابل، ألقى مدير الحماية القانونية بوزارة الثقافة والفنون، الأستاذ عمار نوارة، كلمة وزيرة الثقافة والفنون صورية مولوجي، بالمناسبة، فقالت إن هذه الفعالية تسلط الضوء على تراثنا البحري، الذي يعد جزءا من هويتنا وتاريخنا، مضيفة أنه من الضروري التعريف بأبطال البحرية الجزائرية للشباب، مثل العلج علي باشا والإخوة بربروس والاستثناء رايس حميدو، جميعهم عززوا قوة الأسطول البحري الجزائري وفرضوا الاحترام على القوى الأخرى.
أشارت مولوجي، إلى أن وزارة الثقافة والفنون شرعت في ترميم أقبية خير الدين، ومنحت لمكتب دراسات حق متابعة هذه الأشغال، مؤكدة أهمية الحفاظ على التراث البحري، مجتمعا وسلطة. أما مديرة المتحف البحري، الأستاذة أمال مقراني، فقالت إنه لزاما علينا دراسة والبحث حول الشخصيات البحرية الجزائرية، لإثراء التراث الثقافي البحري المحلي، مشيرة إلى أن قلة قليلة جدا من الجزائريين من وصلوا إلى مراتب عليا في البحرية في فترة الحكم العثماني.

بطل البحرية الجزائرية

بعدها، قدم الدكتور علي تابليت ورقة بعنوان "الرايس حميدو آخر بطل من أبطال البحرية الجزائرية"، أشار فيها إلى اعتماده أساسا على المصادر باللغة الإنجليزية، ومن ثم عدد بطولات الرايس حميدو التي شهدت عليها أسماء مهمة، مثل القنصل الأمريكي  في الجزائر والسكرتير الأول للرئيس جورج واشنطن، توبياس لير، الذي أصدر للرايس جواز سفر بحري، والقنصل الأمريكي الآخر وليام شالير والضابط الأمريكي جاكسن والشاعر الإيطالي فيليبو باننتي، وابنة القنصل الإنجليزي في الجزائر. وذكر تابيلت عمل حميدو في ظل حكم 15 دايا، وكذا ظفره بـ59 سفينة تجارية وفرقاطتان و700 أسير، مقابل العديد من الملايين من الفرنكات، وقد استشهد خلال معركته ضد قائد الأسطول الأمريكي في الجنوب الشرقي من إسبانيا ستيفن ديكاتور، في 17جوان 1815، كما بلغ عدد السفن الأمريكية 10، تحمل 170 مدفع، في حين عدد سفن حميدو كان فقط مركبتين وفرقاطة ذات 46 مدفعا.
ودعا الدكتور إلى البحث والتحري في الصورة الحقيقية للرايس، والتي يمكن إيجاد بعض ملامحها في شهادات من عايشوه، مثل كونه وسيما بعيون زرقاء ومتوسط القامة، في حين التمثال الذي نصب له بنادي الجيش غير ذلك تماما، ليطالب بأهمية دعم جهود الباحثين، خاصة في التراث البحري، حتى نسكت أفواه كل من يدعي أن الجزائر لم تكن دولة قبل الاستعمار الفرنسي، وكذا تزويدهم بالأرشيف أو حتى بنسخ مصورة عنها، لنكتب تاريخنا.

شجاعة يشهد لها العدو قبل الصديق

من جهتها، قدمت الدكتورة ليندة بلعبد الوهاب، مداخلة موسومة بـ"رايس حميدو وستيفن ديكاتور، نهاية مرحلة بطولية وبداية استعمار استراتيجي"، فصلت فيها بين مصطلحي الخاطف (بيرات) والقرصان (كورسار)، فالأول غير معترف به من الدولة التي ينتمي إليها، وقد يختطف سفن أبناء جلدته، أما الثاني فينشط بشكل رسمي، أي تحت إمرة الداي، وتابعت أن الرايس حميدو لعب دورا كبيرا في حماية الأميرالية الجزائرية ضد القوى الغربية، وقد تمكن من الظفر بالفرقاطة البرتغالية عام 1802، كما استطاع أن يتدخل بشكل حاسم في النزاع الذي وقع بين داي الجزائر وباي تونس، حيث استولى على السفينة الأميرالية التونسية. علاوة على كل الهجمات البحرية التي حققها ضد سفن يونانية وسويدية وهولندية ودنماركية وإسبانية وصقلية، كانت ثمرتها أكثر من 200 مركب.
وتحدثت الدكتورة عن العلاقات الجزائرية-الأمريكية في تلك الفترة، والتي اتسمت بالصداقة أحيانا والحرب أحيانا أخرى، آخرها الحرب التي أعلنت عنها أمريكا ضد الجزائر بقيادة القبطان ستيفن ديكاتور، الذي قاد تسع سفن ضد رايس حميدو، الذي لم يرض الاستسلام وأوصى برمي جثمانه في البحر في حال استشهاده، حتى لا يتأثر سكان البهجة برؤية جسده الميت، فكان له ذلك بعد معركة دامت خمس ساعات، واستشهد فيها أكثر من 80 مسلما.
وتابعت أن ستيفن تأثر جدا بموقف حميدو، وكتب عن شجاعته في تقريره الحربي، كما أن البحرية الجزائرية اهتزت جدا باستشهاد الرايس حميدو، واضطرت لقبول اتفاقية الهدنة مع أمريكا، لتتوالى الضربات عليها من دول غربية عديدة، آخرها الاحتلال الفرنسي.

الواجهة البحرية ببومرداس باسم الرايس

بدورها، استعرضت الدكتورة رقية شارف ورقتها الموسومة بـ"أملاك وتركات الرايس حميدو 1770-1815، من خلال الوثائق الأرشيفية"، فقالت إن بطولات حميدو حدثت في وقت عصيب، حيث بدأت الدولة الجزائرية في تلك الفترة بالانهيار الداخلي، بالإضافة إلى تكالب الغرب عليها، وكان الخطر يحدق بها من البحر بشكل كبير، لهذا اهتمت الدولة بأسطولها البحري أكثر بكثير من إنشاء مؤسسات.
أما تركة حميدو، فقد جاء في وثيقة لبيت المال، أشارت إلى أنه ترك أشياء ثمينة ومتنوعة في بيته، وكان أيضا يملك أملاكا منقولة، وأخرى غير منقولة، مثل أراضٍ ومحلات وأوقاف. علما أن أغلب ثورته مصدرها غنائم البحر، وكانت له علاقات مصاهرة مع عائلات جزائرية عريقة. وشارك السيد فريد غانا، ممثل عن جمعية "إرث الجزائر" أيضا، في اليوم الدراسي المخصص للرايس حميدو، من خلال مداخلة بعنوان "جهود الجمعية في تسمية الواجهة البحرية لبومرداس باسم الرايس حميدو"، ذكر فيها أن الجمعية نظمت في السابق، ملتقى حول الرايس حميدو، وأعلن قبول طلب الجمعية بتسمية الواجهة البحرية لبومرداس باسم هذا الرايس الكبير، باعتبار أنه ينحدر من مدينة يسر.