آمال مهدي تعرض كتابيها بمكتبة ديدوش مراد

الرواية والتاريخ متلازمة إبداع

الرواية والتاريخ متلازمة إبداع
  • 742
مريم.ن مريم.ن
استضافت مكتبة "ديدوش مراد" أوّل أمس، الكاتبة آمال مهدي القادمة من عاصمة الأهقار تمنراست وبجعبتها كتاباها "تينهينان ملكتي" و"يامسال ابن الأهقار". وحضرت معها أيضا الدكتورة فاطمة الزهراء نجاي، التي قدّمت قراءة في الكتابين ضمن موضوع "الرواية التاريخية ودورها في المحافظة على التراث الثقافي".
قبيل انطلاق المحاضرة التقت "المساء" بالسيدة آمال المفعمة بالحيوية والإقبال على الحياة رغم خجلها الواضح، لتؤكّد أنّ ارتباطها بالكتابة، هو ارتباط عضوي وعفوي، ومما زاد في نمائه إقامتها بالصحراء التي فتحت لها فضاءات أكثر اتّساعا وهدوءا، والبداية مع الكتابة تعود إلى عشر سنوات خلت، لكن فرصة النشر لم تتأتَّ إلاّ سنة 2012؛ حيث نشرت كتابها الأوّل بعنوان "الحسناء والشاعر" عن دار القصبة، ويتناول جانبا من تراث الشاعر الكبير عبد الله بن كريو. أمّا الكتابان المقدّمان خلال هذا اللقاء فنُشرا السنة الفارطة، وقدّما لأوّل مرة بالمعرض الدولي للكتاب طبعة 2014.
ويتناول الكتاب الأوّل "تينهينان ملكتي" بيبلوغرافيا روائية عن ملكة التوارق تينهينان، وعن مآثرها وتاريخها ومقاومتها وكلّ تراثها الذي يجب ـ حسب الكاتبة - إيصاله للأجيال وللجمهور العادي، الذي لا يميل كثيرا إلى الجانب التاريخي المحض.
الرواية الثانية تقول الروائية آمال "هي حكاية خيالية، مبنية على مجموعة من القيم الإنسانية والمعالم البيئية لمنطقة الأهقار، وترصد حياة الفتى يمسال ابن شيخ قبيلة، ومغامراته في الصحراء. والتزمت في كتاباتي الأسلوب البسيط (باللغة الفرنسية) الذي يصل إلى كلّ شرائح القرّاء، وهذا ناتج ربما عن تكويني في علم الرياضيات الذي درسته، والمعتمد على الوضوح والاتّجاه مباشرة إلى الهدف بدون لف أو دوران، وهذا لا يعني الفراغ، وإنّما هناك الكثير من الوصف والصور الجمالية واللغوية والسرد وغيرها".
وعن بداياتها في عالم الكتابة تقول: "مارست الكتابة كنوع من التنفيس والعلاج في زمن العشرية السوداء من خلال مقالات كنت أنشرها في بعض الصحف الجزائرية، واستمرت هذه الرغبة رغم مشاغل الحياة وضيق الوقت. لقد وجدت فيها معنى السعادة، وكنت في كلّ مرة أحسّ بإحساس الأم التي تضع مولودا جديدا يضاف إلى أبنائها، وأحسست أيضا أنّني أقدّم شيئا ما أساهم به في بناء مجتمعي، ولم أجد أفضل من أن أتحدّث عن أبطالنا وحتى عن أناس عاديين يصنعون يوميات وطننا ويديرون عجلة الحياة فيه"، ورغم كتابتها باللغة الفرنسية إلاّ أنّ آمال شغوفة بالقراءة باللغتين؛ فهي تقرأ مثلا للعقاد وجبران ونجيب محفوظ، وتقرأ بالمقابل لمولود فرعون وأنور مالك ومحمد ديب وغيرهم.
وانطلق اللقاء بكلمة ترحيبية لفوزية لارادي، التي أكّدت أنّ الكتابين يحملان رائحة الصحراء ودفئها، واتّساعها اتّساع جنوبنا الكبير، الذي لايزال يحمل الكثير من الأشياء التي يجب اكتشافها. وتدخّلت آمال موضّحة أنّ الصدفة خدمتها في مجال الكتابة، وذلك حين قرّرت وهي ابنة الشمال، أن تقيم بتمنراست، لتجد فيها الهدوء والطبيعة العذراء، وتجد أيضا السيدة تينهينان وكلّ ما تمثّله من تاريخ وأسطورة، فتعلّقت بها، وأرادت أن يمتدّ هذا الإحساس لجمهور القرّاء، ليكتشف قيما روحية نبيلة، تعكس عبقرية أسلافه التي بقيت حية عبر الدهر، كما أنّ الرواية هي سرد لعالم التوارق وإعطاؤه المكانة العالية التي يستحقها، خاصة في الشق التاريخي.
شاركت في اللقاء الدكتورة أنجاي التي درست 33 سنة بجامعة "مولود معمري" بتيزي وزو، وهي الآن بالمدرسة العليا للفنون الجميلة، ومهتمة بالأنثروبولوجيا الثقافية، وبالكتابات النسوية والملتزمة وبالثقافة الشفوية. وأشارت أنجاي إلى أنّ الرواية التاريخية تحمي الذاكرة الجماعية، وأنّ الأساطير مع تكرارها وتناقلها عبر الأجيال، تصبح جزءا من التقاليد والقيم المشتركة، مؤكّدة أنّ الرواية التاريخية تحمل معطيات تاريخية ماضية لتعيد بناءها روائيا، وبذلك تلبس عباءة التاريخ، وتعطي للأحداث التاريخية روحا من خلال الشخوص والأفعال، وهو الأمر الذي يساعد على معايشة التاريخ أكثر.
وأكّدت أنجاي أنّ الكاتبة آمال التزمت في روايتها بالبحث التاريخي العلمي، وعاشت بالصحراء وجالتها مع دليلها، إضافة إلى الوثائق والمقابلات مع أهل التوارق الذين هم المنبع. وذكرت منهم السيد تومي سعيدان الذي يحفظ الذاكرة والأسطورة، ناهيك عن الحضور القوي للنسوة اللواتي يمثّلن خزّان العادات والتقاليد ولغة تماشاق وكلّ ما يمثّل الحياة اليومية. وتقول الدكتورة أنجاي: "لقد دُرس تاريخنا بطريقة جافة خالية من البعد الإنساني، وبالتالي فإنّ مثل هذه الأعمال الروائية تعيد الاعتبار لتاريخنا الوطني، الذي وقّعه البشر قبل أن توقّعه الأحداث".
من جهة أخرى، ذكرت المتحدثة أنّ هناك الكثير من روّاد الرواية الجزائرية الذين تعاملوا مع هذا التاريخ، كان منهم الراحل محمد ديب وآسيا جبار، ونالت تجاربهم صدى واسعا.
وفي الختام، صرحت الكاتبة آمال مهدي (من مواليد مدينة البليدة)، أنّها بصدد التحضير لمشروع رواية تتناول الفترة التاريخية من العهد العثماني وحتى الزمن الحاضر، لكنها أبت أن تعطي المزيد من التفاصيل.