الكاتب كرومي هبري يقدم قراءته حول كتاب خير الدين هني
"الفتنة الكبرى ومشكلات التأويل".. مؤلَّف يضيء تاريخ الأمة

- 151

قدّم الكاتب كرومي هبري قراءته لكتاب "الفتنة الكبرى ومشكلات التأويل" للباحث خير الدين هني، فكانت قراءة غنية، تبرز قيمة هذا العمل الذي يتناول واحدة من أعقد المحطات في التاريخ الإسلامي: الفتنة الكبرى وتداعياتها. ويشير كرومي منذ البداية، إلى أن الكتاب يقع في 262 صفحة، ويستند إلى 49 مرجعاً، ما يعكس جهدا بحثياً دقيقاً ومضنياً.
قال كرومي إن الكتاب يتجاوز مجرد السرد التاريخي، ليغوص في تحليل الأحداث، وربطها بالحاضر والمستقبل، فالفتنة الكبرى لم تكن حدثاً عابراً، بل جرحاً غائراً، ترك أثره العميق في جسد الأمة إلى اليوم؛ من مقتل عثمان بن عفان، رضي الله عنه، مروراً بموقعة الجمل، وصفين، والتحكيم، وصولاً إلى النهروان، تتكشف – كما يعرض الكتاب – صراعات سياسية ودينية، أدت إلى انشقاقات كبرى، وما انبثق عنها من جماعات كالخوارج والشيعة.
وبيّن كرومي أن المؤلَّف يركز على شخصية علي بن أبي طالب رضي الله عنه، التي مثّلت النموذج الأصيل للخلافة الراشدة المبنية على التقوى والعدل، في مقابل مشروع معاوية، الذي اتخذ من دم عثمان ذريعة لرفض العزل والاستمرار في الحكم، ثم تحويل الخلافة إلى ملك وراثي. هذه المفارقة – بحسب ما يعرض كرومي – شكلّت الأساس الذي مّهد لانحرافات سياسية خطيرة، انتهت بمأساة كربلاء، وقتل الحسين رضي الله عنه.
وتابع كرومي في عرضه، أن الكتاب يولي اهتماماً كبيراً لمفهوم التأويل، فهو لا يكتفي بإبراز الأحداث، بل يتوقف عند الكيفية التي فُسّرت بها. ويوضح هني أن المسلمين انقسموا في تأويل ما وقع: فريق برر سياسات الأمويين، وفريق آخر عارضهم وانحاز لآل البيت. ومن هنا تشكلت مدارس كلامية ومذاهب فكرية، ماتزال آثارها قائمة إلى اليوم.
ويستشهد كرومي بما أورده الكاتب في الصفحة 53، من أن اختلاف الفهم بين الناس أمر طبيعي، سببه تفاوت القدرات، والتجارب، والبيئات الاجتماعية والسياسية. كما أشار كرومي إلى أن الكتاب لا يتردد في نقد الأمويين والعباسيين على حد سواء، معتبراً أن الاثنين أضرّا بالأمة حين حوّلا رسالة الإسلام إلى أداة سياسية في خدمة السلطة. وأبرز أن المؤلَّف يوضح كيف أن هذه الانحرافات التاريخية تركت بصماتها على مسيرة المسلمين، وأنتجت واقعاً متخلفاً ماتزال الأمة تعانيه.
وأكد الكاتب في قراءته أن أهمية الكتاب تكمن في كونه لا ينغلق على الماضي، بل يحفّز القارئ على التفكير في المستقبل؛ من خلال مراجعة جذور الأزمات الأولى. فالفهم الصحيح لتلك المرحلة – كما أبرز المؤلف – ضروري لبناء وعي نقدي رشيد، قادر على مواجهة تحديات الحاضر. وأشار كرومي إلى أن هذا العمل يستحق أن يدرَّس في الجامعات والمعاهد العليا، لأنه يشكل أرضية صلبة للأطروحات الجامعية في مجالات الدراسات الإسلامية والفكر السياسي. كما شدد على أن مثل هذه الأعمال لا يجب أن تبقى حبيسة الرفوف، بل ينبغي أن تصل إلى الإعلام والجمهور الواسع، وأن يحظى أصحابها بالتقدير الذي يليق بجهودهم.
وختم كرومي عرضه بالتنويه بأن "الفتنة الكبرى ومشكلات التأويل" ليست مجرد كتاب تاريخي، بل مرجع فكري، يعيد فتح النقاش حول معنى السلطة في الإسلام، وأثر التأويلات المختلفة في تشكيل واقع الأمة، وهو، في تقديره، عمل رصين يثري المكتبة الإسلامية، ويفتح آفاقاً جديدة لفهم الذات الجماعية للأمة عبر قراءة الماضي في ضوء الحاضر والمستقبل.