وافته المنية عن عمر 97 عاما

الفنان والمجاهد طه العامري يترجّل

الفنان والمجاهد طه العامري يترجّل
  • القراءات: 1000
د.مالك/ ق.ث د.مالك/ ق.ث

وُوري الفنان المجاهد طه العامري الراحل، الثرى، أمس الأربعاء، بمقبرة سيدي امحمد بالجزائر العاصمة، بعد أن وافته المنية أول أمس الثلاثاء عن عمر ناهز 97 عاما. ونعى فنانون ومسؤولون وهيئات، الفقيد. وعبّروا عن مرارة المُصاب الذي ألمّ بالمشهد الثقافي في الجزائر.
نعت وزيرة الثقافة والفنون صورية مولوجي، المجاهد الفنان القدير طه العامري. وعزّت، في رسالة لها، عائلة فقيد الفن في الجزائر، والأسرة الفنية. وقالت إنه كان من خيرة رجال الجزائر مجاهدا خلال الثورة، ومؤسسا نبيلا للفعل الفني بعد الاستقلال، ليظلّ في وجدان الجزائريين جميعا، علامة مضيئة، وخالدة في تاريخنا الثقافي المجيد.
من جهته، بعث وزير المجاهدين وذوي الحقوق، العيد ربيقة، رسالة تعزية إلى عائلة الفقيد وكلّ رفاقه في الجهاد وأسرته الكبيرة في الساحة الثقافية والفنية، معبّرا عن حزنه وأساه لرحيل هذا "الفنان الكبير" ، و"المجاهد الرمز" . وقد ذكر أيضا في رسالته، أنّ الراحل "من أولئك الأفذاذ الذين أبرزوا الوجه النضالي الثقافي لثورة أوّل نوفمبر 1954 ، وساهموا مساهمة جليلة في تبليغ صوت الشعب الجزائري في مختلف المحافل الثقافية الدولية خلال كفاح التحرير الوطني".
من جانب آخر، أشاد فنانون جزائريون بـ "المسار النضالي" ، و"العطاء الفني الكبير" لعميد المسرح الجزائري وعضو الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني.
وقال الفنان المسرحي عبد الحميد رابية، إنّ الفقيد من "فناني الجيل الأوّل" ، ومن "قامات المسرح، والسينما، والتلفزيون" في الجزائر؛ حيث ترك "رصيدا فنيا هائلا" من الأعمال، مشيرا إلى أن بدايات نشاطه الفني كانت في 1947 على يد أبي المسرح الجزائري الراحل محيي الدين باشطارزي.
وأضاف المتحدّث أن الفقيد "عُرف أيضا بنضاله في الحركة الوطنية. وكان عضوا بحزب الشعب الجزائري، وحركة الانتصار للحريات الديمقراطية"، قبل أن ينضم للفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني بتونس في 1958 . و"شارك في العديد من المسرحيات التي ساهمت في التعريف بكفاح الشعب الجزائري في مختلف البلدان". ولفت رابية إلى أن الفقيد واصل نشاطه الفني بعد الاستقلال؛ حيث "شارك في كثير من المسرحيات، وعدد من أهم الأفلام السينمائية، وفي المسلسلات التلفزيونية، إلى جانب كبار المخرجين، والممثلين، والتقنيين الجزائريين" . كما تقلّد العديد من المسؤوليات، كان أبرزها إدارته لمؤسسة المسرح الوطني الجزائري. 
من جهته، وصف المدير العام للمسرح الوطني الجزائري محمد يحياوي، رحيل الفنان طه العامري، بـ"الخسارة الكبيرة" للفن والثقافة في الجزائر، مضيفا أن الفقيد كان "فنانا ومناضلا كبيرا. ترك بصماته البارزة في كلّ من المسرح والسينما والتلفزيون" . و"بقي مهتما بالحركة المسرحية الجزائرية إلى آخر أيامه".
ولفت المتحدث في هذا السياق، إلى أنّ العامري الذي كان مديرا عاما للمسرح الوطني الجزائري في السبعينيات، "بقي في سنواته الأخيرة، يحضر مختلف عروض وتظاهرات هذه المؤسسة. وقد كان عضوا بمجلس إدارتها. كما كان يعطي توجيهات ونصائح؛ بهدف تقديم عروض راقية لجمهور راق".
وقال المخرج المسرحي عمر فطموش، إنّ رحيل طه العامري "سيخلّف فراغا كبيرا يصعب ملؤه"، مشيدا في سياق كلامه، بمسيرته الفنية الطويلة والحافلة، وواصفا إياه بأنّه "من كبار الفنانين والمسرحيين في الجزائر" ؛ إذ أنه عايش المسرح الجزائري خلال الثورة التحريرية وبعد الاستقلال، فكان فنانا مسرحيا، وتلفزيونيا، وسينمائيا متميّزا".
كما عزّت الهيئة العربية للمسرح فقيد المسرح الجزائري طه العامري، في منشور على صفحتها الرسمية على فايسبوك.

فنان من الجيل الأوّل

طه العامري ـ واسمه الحقيقي عبد الرحمان بسطانجي ـ من كبار الفنانين الجزائريين. كان عضوا في الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني، والمدير العام الأسبق للمسرح الوطني الجزائري. وُلد في 20 أوت 1927 بحي القصبة بالعاصمة. وقد اكتشف المسرح لأوّل مرة وهو في سن العاشرة من خلال متابعته رفقة والده مسرحية هزلية للمرحوم رشيد قسنطيني. ومن بعدها ضمن صفوف الكشافة الإسلامية الجزائرية.
وتعلّم الراحل الفن الدرامي على يد أبي المسرح الجزائري محيي الدين باشطارزي، إلى جانب فنانين كبار آخرين؛ من أمثال حبيب رضا، وكلثوم، وحسان الحسني، قبل أن يبدأ مشواره الفني عام 1947؛ إذ شارك في العديد من الأعمال المسرحية؛ على غرار "عطيل" ، و"صلاح الدين الأيوبي".
وكان الفقيد عضوا بحزب الشعب الجزائري. وبعد اندلاع الثورة التحريرية وبفعل نشاطه النضالي، نجا عام 1956 من متابعات السلطات الاستعمارية. وتمكّن من مغادرة الجزائر متوجّها إلى سويسرا بحجة القيام بدورة تكوينية في الميدان المسرحي. وهناك التقى المسرحي الراحل مصطفى كاتب، ليلتحق بعدها بالعاصمة التونسية، وينضم للفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني التي كان من مؤسسيها عام 1958.
وقد تميّز، خصوصا، بمشاركته في المسرحيات الثلاث التي ألّفها المرحوم عبد الحليم رايس "أولاد القصبة" ، و"دم الأحرار" ، و"الخالدون".
وبعد الاستقلال شارك الفنان في العديد من المسرحيات بالعربية الدارجة، والعربية الفصحى. كما ترك بصمات بارزة في الفن السابع. وشارك في أفلام سينمائية شهيرة من قبيل "الليل يخاف من الشمس" (1965)، و"وقائع سنين الجمر" (1975)، و"المنطقة المحرّمة" (1974)، و"صراخ الحجر" (1987)، وكذا مسلسلات على غرار "الوصية" و"القلادة" . كما تقلّد عدة مناصب في الميدان الفني. وأسّس الفرقة المسرحية للإذاعة الجزائرية، والتي عمل فيها أيضا كممثل، ومخرج مسرحي، ومسؤول إنتاج. كما كان مديرا عاما للمسرح الوطني الجزائري في الفترة الممتدة من 1972 إلى 1975.
وتم تكريم العامري في مناسبات عديدة، كان آخرها في 2023 من طرف الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي. كما تم تكريمه في الطبعة 15 للمهرجان الوطني للمسرح المحترف في 2022؛ عرفانا بجهوده في عالم الفن والنضال، وباعتباره أيضا ذاكرة فنية ونضالية حية، شاهدة على عراقة وثراء الفن الجزائري.