"عظماء الأصالة في الجزائر" بقصر "مصطفى باشا"
الفنون التشكيلية والتقنيات البصرية في خدمة الخط العربي
- 977
افتتح الفنانان المعروفان طالب محمود وخالد خالدي، معرضهما "عظماء الأصالة في الجزائر" بالمتحف العمومي الوطني للزخرفة والمنمنمات وفن الخط بقصر "مصطفى باشا" في القصبة السفلى، حيث استعرضت أعمالهما مدى التمكن الفني المبني على الأسس العلمية والتجديد، علما أن الفنانين امتد صيتهما إلى بلدان شتى، شهدت لهما بهذه الروائع التي لا توجد في مكان آخر.
جال الفنان الكبير محمود طالب في الجناح الأول، الذي ضم لوحاته التي أدهشت الجمهور، أغلبها مكتوب عليها أشعار الأمير عبد القادر وبعض الآيات القرآنية الكريمة، وقال إن هذه اللوحات تختلف باختلاف الألوان، وأشارت مديرة المتحف، إلى أنه قل ما يسمح أي فنان بلمس لوحاته، لكن الفنان طالب يسمح بذلك، عن طيب خاطر، خاصة مع جمهور المكفوفين.
الأمير عبد القادر الملهم
كما أشار الفنان إلى أنه يقوم بنحت الخط العربي، مستعملا الألوان الزيتية وبعض المواد الأخرى، منها مادة "لاريزين"، مضيفا أنه يحرص على أن يلمس جمهوره لوحاته كي يكتشف المواد الموجودة بها. وراح الفنان يستعرض بعض أعماله الأخرى، منها مجسم خشبي مرصع بالأحرف المذهبة، وعن الأشعار المختارة، أكد أنها مستمدة من تراثنا الصوفي الأصيل، الذي بقي غائبا رغم مكانته في العلم والفن والتعليم والجهاد، والذي أُريد تشويهه بالدجل والخزعبلات، وتكريم الصوفية، حسبه، هو بتكريم تراث الأمير عبد القادر الذي كان صوفيا زاهدا وشاعرا وفارسا مجاهدا وفقيها، بالتالي أكد الفنان أنه وظف الصوفية في المعرض، كما وظف الحركة والأساليب التجريدية والتعبيرية. في القاعة المجاورة، عرض الدكتور الفنان خالد خالدي فن الحروفيات، الذي يعتمد على توظيف الحرف داخل اللوحة، موضحا أنه فنان تشكيلي وخطاط في نفس الوقت، وزاوج بين التعبيري والتجريدي في موضوع "عظماء الجزائر"، من ذلك الجهاد الذي يتماشى موضوعه واحتفالاتنا بعيد استرجاع السيادة الوطنية.
الحرف في بعده الثالث
في شرحه لبعض لوحاته، توقف خالدي عند استعمال خط الثلث المشرقي، وكذا الخط المبسوط والخط القندوسي (محمد عبد الله قندوسي من بشار) الخاص بالجزائر، مع توظيف الخطوط المغاربية بهوية جزائرية، ووقفة عند ثورات ومعارك ضد المستعمر الفرنسي، لذلك وجدت لوحات عن الجهاد، وأضاف أنه استعان بالحرف في الكينونة البصرية من خلال البعد الثالث، ومما رسم رأس حصان أصيل من زمن الأمير وزمن الفانتازيا، مع توظيف الحرف، كما قال، داخل كتلة اللوحة أي وجه الحصان، ووظف أيضا خط الثلث بحروف على رأس الحصان تكبر كلما اقترب المشاهد منها، وبفضل التقنيات تُقرأ الحروف من كل اتجاه.
من لوحاته أيضا، لوحة "اللطيم"، وهو الفرس الأبيض الجميل، مستعملا الخط الديواني الجلي الذي أخذ إجازته من المشرق، وخط على اللوحة آية كريمة تتحدث عن الأحصنة، وفي لوحة أخرى للحصان، تبدو عبارات العظمة، مع استعمال خلفية سوداء توحي بالفن والذوق الإسلامي.
لوحات أخرى فلسفية استعملت الحرف المذهب، وكان الانسجام فيها بين الخلفية والموضوع، مع حضور الخط المجوهر الجلي المستعمل في المراسلات الملكية، في لوحة ميتافيزيقية استعملت الألوان الحارة التي تعكس، حسبه، شخصية الجزائري صعب المنال. بالمناسبة، قال الفنان خالدي، إن الخطاط الكلاسيكي ليس له خيال الفنان التشكيلي، فينحصر بذلك في البعد الواحد في الخط، بينما هو اخترع البعد الثالث في الحرف، وكان من المجددين فيه.
اجتماع العلم بالمهارة
على هامش اللقاء، تحدثت "المساء" مع الفنان طالب محمود، الذي أكد أنه يتعاطى الفن منذ 1978، معبرا عن فخره، كونه أول من قدم معرضا للمكفوفين في الجزائر في 2021، وعن العلاقة التي تربط الفن التشكيلي الغربي بفن الخط العربي الإسلامي، قال إن العالم اليوم هو قرية صغيرة تتلاقح فيها الفنون وتتكامل، حاثا على رعاية المواهب الشابة التي تضيع بفعل نقص الإمكانيات. تحدث الفنان أيضا عن الجداريات التي بلغ صيتها الآفاق داخل وخارج الوطن، والتي تزين مقرات رسمية منها المطار وغيره، وتلك الجدارية التي زينت اجتماع القمة العربية ببغداد، وعن زياراته لبعض الدول العربية وكذا زيارة بعض السفراء الأجانب لبيته بوهران، وأمله في أن تزين جدارياته أماكن أخرى، منها المركز الدولي للمؤتمرات، متمنيا أيضا أن تلقى جداريته "فلسطين" مكانها اللائق الذي يشرف الجزائر، مثلما عبر عن اهتمام الأوساط الأكاديمية بأعماله، من ذلك تخصيص رسالة دكتوراه عن منجزاته، ترأسها مدير المدرسة العليا للفنون الجميلة.
بدوره، تحدث الدكتور خالد خالدي (مقيم بسعيدة) وأستاذ بجامعة تلمسان، تخصص فن إسلامي وخط عربي، معتبرا طالب محمود قدوته وأستاذه، وهو من اقترحه للمعرض، مؤكدا أنه من المهم أن يجتمع العلم بالمهارة ليتحقق الإبداع، مضيفا أنه ودكاترة آخرون يقترحون على المجلس العلمي للجامعة مواضيع لمذكرات التخرج وهي تساعد بدورها الخطاطين. أكد محدث "المساء"، أن له العديد من الدراسات الأكاديمية المنشورة، و30 مقالا محكما، وله مؤلفان أحدهما عن "الاتجاهات المعاصرة لفن الخط العربي بالجزائر"، والثاني عن "التجربة الجزائرية لفن الخط العربي"، سيصدر قريبا، وله مساهمات في العديد من المجلات العلمية والثقافية عبر العالم، وألقى محاضرات، بعضها شاهدتها على المباشر 150 جامعة عبر العالم، وكان له شرف تكريمه كجزائري، عن ترسيم فن الخط العربي كفن غير مادي بـ«اليونسكو"، ومؤشر من طرف الأمم المتحدة سنة 2022، وقد تلقى شكر الرئاسة الجزائرية.