القوة الصامتة تفشل الأجندات
لم يتخلّف الشعب الجزائري ـ كما عهدناه ـ عن ممارسة حقه الانتخابي أمس، وأداء واجبه في نفس الوقت تجاه الأمة بالمشاركة في اختيار رئيس للجمهورية من بين خمسة مترشحين من يراه أهلا لتحمّل هذه المسؤولية الثقيلة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا ودبلوماسيا، في هذا الظرف الاستثنائي الذي تعيشه البلاد منذ 22 فيفري، والمحيط الإقليمي والدولي الذي يفرض على الجزائر تحديات كبيرة لا يمكن التصدي لها في غياب رئيس شرعي يستمد قوته من الشعب للدفاع عن مصالحه ومصالح البلاد ويصونها على كافة الصعد.
لقد سجل الشعب الجزائري بالفعل تحديا في هذا الاستحقاق المصيري للبلاد، والذي يضاف إلى التحديات التي عرف بها عبر تاريخه القديم والحديث، كما أثبت أنه محصّن ضد الهزّات الفكرية والإيديولوجية، كما لم تهزّه المخططات الاستعمارية وآلتها العسكرية الجهنمية، حيث سطّر ملحمة بثورته التي خاضها أعزلا إلا من إرادته الفولاذية وإيمانه القوي بربه وحبه لوطنه وبعدالة قضيته.
وكان للشباب في هذا التحدي الفضل الكبير والذي شارك بقوة ـ على غير العادة ـ في هذا الاستحقاق مسلّحا بالروح الوطنية الصافية الخالية من الشوائب الإيديولوجية، ومن الحسابات السياسوية والنعرات الجهوية والتجاذبات المذهبية، شباب صنع التغيير الإيجابي بالحراك الشعبي، وها هو إلى جانب الآباء والأجداد يصنع الحل للأزمة السياسية التي عجز "السياسيون" وراكبو الموجات واللاعبون على الأحبال عن حلها.
إن الذي يهم الشعب ومنظمي هذا الاستحقاق والساهرين اليوم ليست نسبة المشاركة في حد ذاتها وإن كانت مطلوبة، بقدر ما يهم أنها كانت حرّة، شفّافة وديمقراطية معبّرة عن إرادة الناخبين، وأنها جرت في ظروف عادية جدا، خاصة وأنه يعلم أن نسبة المشاركة في الرئاسيات هي عادة ضعيفة عندنا وعند غيرنا على عكس الانتخابات التشريعية والمحلية. كما أن هذه المشاركة أسقطت رهانات من يوهمون أنفسهم بسيناريوهات بعيدة كل البعد عن واقع الجزائريين، ولا يمكن تحقيقها إلا في مخيلاتهم، وليس أدل على ذلك من الصفعة التي و جهها الشعب أمس، لأولئك المراهنين على تركيع الجزائري و تقزيم دوره في رسم مستقبله بنفسه وبكل سيادة.
لقد قالت القوة الصامتة كلمتها وفوتت على المتربصين بالبلاد والعباد فرصة تحقيق أغراضهم الدنيئة التي تخدم أجندات خارجية.