"خزائن المخطوطات بعين صالح بين الواقع والمأمول"
المطالبة بفرع للمخطوط وفهرسة كنوز المنطقة
- 374
نشّط عبد القادر بويه، أوّل أمس، بالمكتبة الوطنية، محاضرة بعنوان "خزائن المخطوطات بعين صالح بين الواقع والمأمول"، تناول فيها جوانب من هذا التراث النفيس محطّ الاهتمام والرعاية؛ لما يمثله من تاريخ وثقافة رغم أنّ الكثير منه أصابه التلف والضياع.
قدّم المحاضر في البداية، تعريفا للمخطوط، الذي غالبا ما يكون على شكل ورق، أو جلد، أو قماش، مستعرضا تاريخه عبر العصور الإسلامية ابتداء من عهد النبوة؛ حيث تم تدوين مراسلات الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم تدوين القرآن العظيم والسنّة الشريفة. وكان الهدف في الغالب، هو تبليغ رسالة الإسلام، التي امتدّت من شرق آسيا حتى الأندلس، ومن البلقان حتى الساحل الإفريقي، وهو الأمر الذي عزّز نسخ الكتب، وازدهار تجارة المخطوط كظاهرة حضرية.
نفائس المخطوط بعين صالح
ذكر المتحدّث أنّ منطقة عين صالح كغيرها من مناطق الصحراء الجزائرية، زاخرة بهذا التراث العريق، وبنفائس المخطوطات؛ ما يدلّ على اهتمام أهلها بالعلم، واعتنائهم عبر العصور بها، مؤكّدا أن كمّاً هائلا من الخزائن موجود هناك. وأشار إلى أنّ منطقة عين صالح ذات موقع استراتيجي هام؛ فهي ملتقى الطرق، ومحور التقاء بين القوافل التجارية والعابرين من تلمسان إلى النيجر، ومن شنقيط حتى غدامس، ناهيك عن رحلات الحج، موضّحا أن مواسم الحج كانت أيضا، مرتبطة بالنسخ والتدوين؛ منها تلك الموجودة بتمنراست مثلا، زيادة على انتشار المدارس والزوايا "قلاع المخطوطات" ؛ حيث كانت تُنسخ المخطوطات وتوضع كوقف في المساجد والزوايا والمدارس، وأحيانا يبادر المعلّمون بنسخ الكتب التي تدرَّس للطلبة، ولم يكن حينها الكتاب المطبوع متوفّرا كما اليوم. كما أكد المتحدث أنّ "أهل الخير" من المحسنين ومن العائلات، كانوا يدعمون الناسخ ماليا لنيل الأجر من الله؛ ما زاد في إقبال الناس على النسخ كوقف، ليساهم في انتشاره.وأشار الأستاذ عبد القادر بويه إلى أنّ المخطوط بعين صالح، يُكتب بقلم نحاسي لا تنتهي صلاحيته، مع استعمال التلوين، موضّحا من خلال شاشة العرض، بعض أدوات النسخ والتغليف وغيرها، متوقفا، أيضا، عند بعض الزوايا؛ منها زاوية طلبيش، ومقدّم الطريقة السنوسية بها وشهرتها في معركة الفنقيقيرة سنة 1899 ضدّ الاحتلال الفرنسي. وهناك خزانة لبيض البركة المشهورة زيادة على خزانات أخرى بعضها أحرقها الاستعمار الفرنسي، وسلّط بطشه على المعلمين والزوايا، علما أنّ بعض المخطوطات سجّلت جرائم المستعمر في نهاية القرن 19. ومن المخطوطات أيضا، عقود الزواج، والتمليك، والفوقارة، وأغلبها في خزانة عائلة بن عبد السلام.
مخطوطات مصيرها التلف
عن الأخطار التي تهدّد المخطوطات قال المحاضر إنّ بعضها في حالة صعبة بفعل عوامل الطبيعة؛ منها التراب والطين، وسقف مكان التخزين المصنوع من القش، مبيّنا عبر شاشة العرض، بعض المخطوطات التالفة التي أكلتها الحشرات (الأرضة)، ومثمنا دور خبراء المكتبة الوطنية، الذين عاينوا الأضرار مقدّمين المساعدة اللازمة.
وعن عراقة هذه المخطوطات، أوضح المتحدّث أنّ بعضها قويض بالذهب. وتم شراء بعض النسخ من همبر وتومبوكتو، فيما زيّنت مصاحف بالذهب. ومن ضمن ما أكّده أن أحدهم اشترى من تومبوكتو مخطوطا بقيمة 20 ألف من عملة الودع (قوقعة حيوان بحري من نهر النيجر تُستعمل في الزينة). واشترى آخر مخطوطا برطل من ريش النعام من بلاد الحلّة (مالي).وأكد المتحدث أنّ عين صالح تضمّ 30 خزانة بآلاف المخطوطات، منها خزانة عبد الله الطالب، بها مخطوط مصحف مرصّع بماء الذهب. وآخر يؤرّخ لدخول فرنسا المنطقة في 28 ديسمبر 1899، ولمعركة الدغامشة، وكذا خزائن أخرى؛ منها خزانات بن عبد السلام والشيخ ولفي وطالب الشبلي وطالب بن موسى، وبعض الخزانات التي لم تلتحق بعد بالجمعية الثقافية للمخطوط والبحث التاريخي. كما عرض جانبا من خزانة طالب الحمامي بقصر المرابطين التي لاتزال مهملة. وهنا أشار إلى أنّ بعض اللاوعي كان سائدا في ما مضى؛ حيث كان بعض السكان يرون في هذه المخطوطات عبءا، ويصل بهم الأمر إلى إحراقها، فيما بقيت عائلات تتوارثها، وترى فيها شيئا من رائحة الأجداد، وبركة منهم.
مساهمات الخبراء والسلطات في حماية الخزائن العامرة
عن المساهمة في إنقاذ هذا التراث ذكر المتحدث تدخّل بعض الجهات؛ منها وزارة الشؤون الدينية في سنة 2010، وبعدها بسنتين تم تزويد العائلات بخزائن من الألومنيوم لحماية المخطوطات. وبدورهم، فتح الملاّك خزائنهم للدارسين والباحثين القادمين من كلّ مكان، ليتوقّف المتحدث عند الجمعية الثقافية للمخطوط والبحث التاريخي بعين صالح التي تم اعتمادها في 2022، والتي تجمع ملاّك الخزائن، وتستفيد من دعم الدولة، علما أنّ بالمنطقة أكثر من 17 ألفا و890 مخطوط مصور (أصبحت مؤمَّنة من التلف). كما تم ترميم مخطوطات الملكية، واكتشاف أخرى نادرة؛ كمخطوط بخزانة بودة عن الفلك لعباس الرقاني شيخ المقاومة بالمنطقة، زيادة على تحديد هوية المخطوطات المبتورة بفضل خبراء المكتبة الوطنية، في انتظار فهرسة كلّ ذلك، مع المطالبة بتأسيس فرع للمخطوط بعين صالح.
وشهدت المناقشة تدخّلات عديدة، خاصة من خبراء المكتبة الوطنية، مع دعوة لتأسيس منصة مخطوطات بعين صالح، علما أنّ بعض المخطوطات نادرة، ولا مثيل لها في العالم.