علامة مسجّلة لقسنطينة

الملايا.. تراث ورواية

الملايا.. تراث ورواية
  • القراءات: 713
زبير. ز زبير. ز

أطلق متحف الفنون والتعابير الثقافية التقليدية "قصر الحاج أحمد باي" بقسنطينة، مؤخرا، الطبعة الثانية لخرجة "الملايا" القسنطينية، بمشاركة عدد من الجمعيات الثقافية المهتمة بهذا اللباس التقليدي، الذي اشتهرت به عاصمة الشرق الجزائري، وعدد من الولايات المجاورة في فترة زمنية معينة، وبات من النادر لمحه في شوارع وأزقة مدينة الجسور المعلقة. 

حسب السيدة مريم قبايلية، مديرة متحف الفنون والتعابير الثقافية التقليدية، "قصر الحاج أحمد باي"، فإن هذه التظاهرة التي جاءت تحت شعار "الملايا.. تراث ورواية"، تأتي تجسيدا للبرنامج الثقافي والتراثي لقطاع الثقافة، بمناسبة الاحتفالات بشهر التراث، الممتد بين 18 أفريل و18 ماي من كل سنة، قصد الحفاظ على موروث هذه المدينة الثقافي الضارب في التاريخ. وكشفت عن أن الطبعة الثانية التي جاءت امتدادا للطبعة الأولى، عرفت مشاركة الفئة العمرية الصغيرة والأطفال، الذين أبوا إلا التوشح بالرداء الأسود، أسوة بالجدات، اللائي كن لا يخرجن إلى الشارع إلا و"الملايا" على أكتفاهن، كلباس يسترهن ويزيد وقارهن.

عرف برنامج التظاهرة، ارتداء "الملايا" من طرف عدد من النساء والفتيات، مع رفع العلم الوطني والخروج من قصر "الحاج أحمد باي"، رفقة شباب يرتدون الزي التقليدي الخاص برجال قسنطينة، نحو أزقة المدينة القديمة، مرورا برحبة الصوف والتجول بين دكاكين الأواني النحاسية، التي باتت علامة مسجلة لقسنطينة، ثم التوجه إلى ساحة سيدي جليس، أمام النافورة المشهورة، لالتقاط بعض الصور التذكارية، فالعودة مجددا إلى قصر الباي، وتناول قهوة العصر، هذا التقليد الذي اشتهرت به المدينة، وبدأ في الزوال بسبب ظروف الحياة الجديدة.

استحسن سكان المدينة القديمة هذه الخرجة، التي زينت الشوارع والأزقة، وتهدف إلى الحفاظ على التراث القسنطيني الأصيل، وأثارت فضول العديد من الشباب، خاصة أن فكرة تنظيم يوم لهذا اللباس التقليدي، تعود إلى 10 سنوات مضت، عندما حاولت مجموعة من شباب المدينة، تخصيص يوم لـ" القسنطينية، حيث تم اقتراح يوم 16 نوفمبر من كل سنة، لكن الفكرة ورغم تجسيدها على أرض الواقع، لم تستمر، وانقطعت مع مرور السنوات. كانت أول مبادرة لإحياء تاريخ "الملايا" القسنطينية، بتاريخ 16 نوفمبر 2013، في حديقة "بن ناصر" بالقرب من قصر الثقافة "محمد العيد آل خليفة"، وسط المدينة، من خلال تجمع النساء الراغبات في ارتداء "الملايا" من جديد، والقيام بجولة قصيرة بوسط المدينة، وقد تم خلالها توزيع مطويات للجمهور الفضولي، خاصة بـ«الملايا" التي تعتبر رمزا من رموز السترة والعفة.

أراد أصحاب هذه المبادرة، التي جاءت وقتها تحت شعار "الملايا لباس الحشمة والزمن الجميل"، إعادة إحياء الموروث الثقافي القسنطيني القديم، والعودة إلى زمن الجدات والأمهات اللائي كن يضعن الملايا السوداء و"العجار" الأبيض الذي يغطي كل الوجه، باستثناء العينين، عند الخروج من المنزل، في حلة تزيدهن وقارا واحتراما، داخل المجتمع.

ويرى العارفون بتقاليد المدينة، أن تاريخ ارتداء الملايا من طرف نساء قسنطينة، يعود إلى سنة 1792، وهو تاريخ مقتل بيلك الشرق "صالح باي"، حيث حزنت عليه المدينة حزنا كبيرا، كما تقول الروايات، وبدلت نساء قسنطينة سترتهن البيضاء (الحايك) بالسترة السوداء، أو ما يطلق عليه "الملايا"، التي انتشرت بشكل كبير في الولايات الشرقية، قبل أن تتراجع، تاركة المجال للباس العصري، في حين يرى بعض المهتمين بالتاريخ، أن تواجد "الملايا" بقسنطينة، يعود إلى فترة بعيدة، وحتى إلى ما قبل دخول العثمانيين إلى الجزائر، وبالتحديد إلى الفترة الفاطمية.