حلقات تناولت حياة وأعمال فنّانات عالميات رائدات

"باية"على صفحات "لومانيتي" الفرنسية

"باية"على صفحات "لومانيتي" الفرنسية
  • 700
مريم . ن مريم . ن

خصّصت جريدة "لومانيتي" الفرنسية على صفحاتها سلسلة من الحلقات تتناول حياة وأعمال فنّانات عالميات رائدات، تركن بصمة خالدة في الفن العالمي من بينهن الفنّانة الجزائرية الراحلة باية (1931-1998) التي تمثّل مدرسة فنّية خاصة تأثّر بها الكثير من الرسّامين. بقيت الفنّانة باية، تصنع الحدث حتى بعد موتها، فلا تزال الأوساط الفنّية والأدبية والإعلامية تقف عند أعمالها ومشوارها الذي ترسّخت عبر سنواته الخصوصية الثقافية والاجتماعية الجزائرية.

وأشار الأستاذ بوداود عمير، عبر صفحته الإلكترونية إلى أنّ باية، لفتت بلوحاتها المتفردة أنظار كبار الفنّانين والنقاد في العالم، وانبهارهم يقف على رأسهم الفنان الاسباني الكبير بيكاسو، وكذلك الشاعر والناقد أندري بروتون، منظّر المدرسة السريالية وأحد مؤسّسيها في العالم؛ وقال عنها الرسام الفرنسي جان دوبوفي، إنّ أعمالها تمثّل "المادة الخام للفن".

باية، الفنّانة العصامية تجسّد فعلا فكرة أنّ العالمية الحقيقية تنطلق من الأصالة، فقد كانت حريصة على ارتداء اللباس الجزائري التقليدي الأصيل حتى وهي تشرح لوحاتها المعروضة في أرقى صالونات الفن الباريسية. كما أنّ فنّها المتفرّد والذي يصنّفه بعض النقّاد ضمن مدرسة الفن الفطري أو الساذج، استلهمته من عمق الجزائر من برج الكيفان مسقط رأسها، ومن مدينة البليدة مستقرّ سنواتها الأخيرة ومكان وفاتها ومنطقة القبائل. وتعتبر الرسامة الجزائرية باية محيي الدين، واحدة من الأسماء المميّزة في الفن التشكيلي بصفتها المؤسّسة الأولى لمدرسة الفن البدائي بشهادة أكبر الرسّامين الفرنسيين العالميين. وقدّمت الصحيفة جوانب من حياة هذه الفنّانة العالمية التي عاشت يتيمة الوالدين في سنواتها الأولى، فربّتها جدّتها التي تعمل في الأرض عند المستعمرين الفرنسيين، وذاقت الفقر والحرمان.

وربما وجدت الصبية في حكايات الجدة ما زوّد خيالها بآلاف الصور والأشكال لشخوص وحيوانات وعصافير وأزهار، فلم تجد أمامها سوى الطين تشكّل منه حيوانات غريبة كما يصوّرها لها خيالها المجنح الطافح بالتخيّلات. ورسمت باية، أولى لوحاتها خلسة.. فكانت ترسم كل ما يخطر ببالها وتعتمد على الصور الطفولية البريئة والألوان الزاهية. وكانت تخفي كل شيء، حين اطلعت أمّها بالتبنّي على الرسومات انبهرت وشجّعتها على المواصلة. في السادسة عشرة من العمر اشتهرت باية، وصارت تحتل مكانة لافتة في مشهد الفن التشكيلي، كان ذلك سنة 1947 حين زار إيمي ماغ، تاجر الفن الفرنسي والنحات والمنتج السينمائي المعروف الجزائر وقدّم له الرسام جون بايريسياك، صديق العائلة أعمال باية.

انبهر ماغ، بلوحاتها وتحفها ووجدها تتميّز عن غيرها بالبدائية والعفوية. ونظّم لها أوّل معرض بمؤسّسة ماغ الفنية في باريس، كما دعمها الشاعر السريالي الفرنسي الشهير أندري بروتون، بكتابة مقدّمة في مطوية خاصة بمعرضها، وكتب عنها الأديب كاتب ياسين وغيرهما. في باريس انفتحت أمامها آفاق النجاح الكبير، فأصبحت وجها بارزا للفن المعاصر الجزائري والعالمي، وفي عام 1948 دعاها الرسّام الإسباني العالمي بابلو بيكاسو إلى ورشته بفلاوريس جنوب فرنسا، فقضت عدّة أشهر رفقته تنجز تحفا من الفخّار وترسم، وكان قد تعرّف إليها وأعجب بفنها وألوانها، وتعاونا في إنجاز عدّة تحف جميلة، وهناك أبدعت لوحات السيراميك. كما التقت بجورج براك، وهو من مؤسّسي المدرسة التكعيبية. وكتبت عنها مجلة فوك “Vogue” الفرنسية ونشرت صورتها وبسرعة اعترف بها وتبناها الوسط السوريالي.

تستمد أفكارها من المحيط الذي نشأت فيه في الجزائر، أزهار، أشجار، دوالي العنب، طيور، فراشات، أسماك، مزهريات. كما تعتمد على المزج بين عناصر الهوية الوطنية، فترتكز معظم لوحاتها، إن لم تكن كلّها، على المرأة بعين واحدة كحبة اللوز. أسّست باية محيي الدين، بأسلوبها الفنّي المتميّز وتلقائيتها الطفولية في الأشكال والألوان مدرسة جديدة في الفن التشكيلي الجزائري والعربي، هي مدرسة الفن البدائي.. فتمكّنت من تحقيق سمعة وألمعية عالمية.