اختارت الجزائر واستوطنت قالمة
بتينة هاينين عياش ترحل في صمت
- 1187
رحلت عن عالمنا، مؤخرا، الفنانة التشكيلية الجزائرية الكبيرة بتينة هاينين عياش، وهي ألمانية الجذور قالمية الحضور والهوى، عشقت الجزائر وأهدتها فنها، وظلت وفية ومبدعة، تحكي بألوانها مدينتها قالمة التي عشقتها حتى آخر نفس.
ظلت الفنانة بتينة تحكي طبيعة الوطن الجزائري خاصة في شقه الشرقي حيث الاخضرار والانطلاق والزرقة؛ إنه الجمال بعينه الذي ظلت تصوره وتحرص على أن يراه الجميع، ولم يكن يعنيها إطراء الغير وإبداء إعجابهم بفنها بقدر ما كانت حريصة على كشف جمال الجزائر لكل عين ترى النور.
تُظهر اللوحات الجميلة للفنانة التشكيلية الراحلة بتينة هاينين عياش، تلك التلال الخضراء، والسماوات الزرق، ومروج الأقحوان والياسمين والنرجس، والأراضي الممتدة على طول المدى باخضرارها ربيعا وبياضها شتاء، تحرص أن تكون هي القبلة الأولى لمدينة قالمة العريقة.
وظلت الفنانة تكنّ مشاعر غير عادية لمدينتها، وترى فيها الأم الحنون التي تبنتها، ولم تحس ولو لطيف بصر أن أمها تمارس فرقا بينها وبين أبنائها الجزائريين، فكانت تفخر بجزائريتها أينما حلت. وما يميز هذه الفنانة هو وجهها البريء الذي يخفي بشائر الخير والمحبة، وكانت التحايا التي تلتزم بها معبقة بنسائم الندى وهتاف الطيور المحلقة، وشعاع الفجر الذي يسطع بيوم جديد على قالمة.
الرسامة الألمانية الجزائرية أقامت بقالمة منذ عام 1962، واختارت أن تكمل فيها حياتها، علما أن المدينة هي في الواقع مسقط رأس زوجها، منحت بحب ألوان فنها لقالمة وما جاورها، مع صور ولوحات طبيعية بشتى الأساليب الفنية، وكان القاسم الأكبر هو التنوع النباتي الأخضر من النباتات المورقة والأزهار الملونة، والتعريف بأماكن شتى بالمنطقة وبالجزائر عامة، على غرار البرج الروماني لتبسة وتيمقاد وواد سيبوس وبومهرة أحمد وجبل ماونة؛ حارس قالمة الأزلي، وطريق قسنطينة وجبال سدراتة وواحة سيدي عقبة ببسكرة، إضافة إلى لوحات تعود إلى سنة 1963. كما سجلت هذه الفنانة عبر لوحاتها، الكثير من الشخصيات الفكرية والفنية للمنطقة، منها الفنان حكيم بن عبدة، وكذا حياتها مع زوجها الراحل بما في ذلك رحلة مرضه.
للإشارة، فإن الفنانة عياش جزائرية ذات أصول ألمانية، لها باع طويل في عالم الفنون التشكيلية. تحصلت على الجائزة الكبرى لمدينة الجزائر العاصمة في عام 1993، وجائزة "كورت بادن" في سولينغن. كما كُرمت في 2006 و2009 من قبل وزارة الثقافة.
الراحلة بتينة من مواليد سبتمبر 1937 بألمانيا، وكان والدها مدير تحرير جريدة مدينة زولينج. وفي سن 12 سنة قررت أن تصبح فنانة تشكيلية، لتلتحق فيما بعد بكلية الفنون الجميلة في مدينة كولونيا، ثم في أكاديمية الفنون الجميلة في ميونيخ، وفي الأكاديمية الملكية بكوبنهاغن بالدنمارك. بعدها صالت وجالت بمعارضها في القارات الخمس، كما عرضت بالجزائر. وتعرفت على زوجها عبد الحميد عياش سنة 1960 حين قام بزيارة إلى ألمانيا. وبعد ارتباطهما قرر الزوج الاستقرار بقالمة، وأعطاها حرية الاختيار إما مواصلة المشوار معه أو العودة إلى بلادها، فاختارت الجزائر.
كانت الراحلة تصرح في كل لقاءاتها بأنها تحبذ الرسم في الطبيعة؛ فهي رسامة الهواء الطلق. ولقيمة أعمالها فلوحاتها موجودة في عدة متاحف عبر العالم، منها متحف الفنون الجميلة بالجزائر، ومتاحف بألمانيا وغيرها.
وخلال حياتها بقالمة تبنت عدة رسامين ومواهب، ومدت لهم يد العون. ويشهد لها الجميع بوطنيتها ودفاعها المستميت عن الجزائر وشعبها، خاصة في وسائل الإعلام الأجنبية. وظلت الراحلة بالنسبة للقالميين شقيقتهم وأمهم التي تعلموا منها العمل والصبر وحب الخير. ويوجد اليوم أربع طبعات من الكتب تحمل اسم بتينة؛ الأولى من إعداد علي الحاج الطاهر ناقد بالفن، والثانية لبوعبد الله حسان، والثالثة من إعداد المتحف الوطني للفنون الجميلة، والأخرى من إعداد الطيب لاراك.