ملتقى "الصناعات الإبداعية وحق المؤلف.. منظومة جديدة متحرّكة"
تأسيس الأكاديمية الجزائرية لحقوق الملكية الفكرية مطلع 2026
- 255
مريم . ن
نظّم الديوان الوطني لحقوق التأليف والحقوق المجاورة "أوندا"، أمس الثلاثاء، بفندق "ماريوت" في الجزائر العاصمة، ملتقى وطنيا بعنوان "الصناعات الإبداعية وحق المؤلف: منظومة جديدة متحرّكة " سلّط فيه الخبراء الجزائريون والأجانب الضوء على التحديات والفرص الجديدة في هذا القطاع الحيوي الذي يدخل في صميم النهوض الاقتصادي، ويحفّز على الاستثمار المعرفي والتكنولوجي في أطر تشريعية وتنظيمية أكثر ضمانا وأريحية.
أكّد المدير العام للديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة سمير ثعالبي، في كلمته الافتتاحية على أهمية اللقاء الذي ينظّم بالشراكة مع المنظمة العالمية للملكية الفكرية، لتناول موضوعا حيويا وهو بناء نظام إيكولوجي متكامل للصناعات الإبداعية في الجزائر، قائم على حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة، مشيرا إلى أنّ الجزائر تدخل مرحلة جديدة من سياساتها الثقافية والإبداعية، تضع المبدع في قلب الاهتمام، وتضع الصناعات الإبداعية في صميم التنمية الاقتصادية والاجتماعية. أضاف المتحدّث أنّ الصناعات الإبداعية في العالم اليوم أصبحت واحدة من أسرع القطاعات نموّا، وأكثرها قدرة على خلق القيمة المضافة، خاصة في البيئات الرقمية، "وإذا أردنا لهذا القطاع أن يزدهر في الجزائر، فلا بدّ من نظام فعّال لحق المؤلّف، يحمي جهود المبدعين، ويوفّر بيئة آمنة للمستثمرين، ويعزّز القيمة الاقتصادية للصناعات الإبداعية.،كما أوضح ثعالبي أنّ هذه الفعالية جاءت لتكون خطوة عملية نحو إرساء منظومة حديثة وفعّالة، تستجيب للواقع الجديد، وتستفيد من الخبرات الدولية، خصوصا خبرة المنظمة العالمية للملكية الفكرية، علما، كما يقول، إنّ الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، يؤمن أنّ تطوير الصناعات الإبداعية ليس مسؤولية قطاع واحد، بل عمل جماعي تشريعي، ثقافي، اقتصادي، تربوي وتقني. كما تهدف هذه الفعالية إلى تأسيس قاعدة حوار قوية لتحديد الأولويات، وتوجيه السياسات، ودعم الانتقال نحو اقتصاد إبداعي منظم وقوي.
بالمناسبة، أشار المتحدث إلى أنّ "أوندا" بادرت إلى رقمنة خدمات الديوان، لضمان إدارة حقوق فعّالة وشفافة، وتطوير أنظمة الإدارة الجماعية، بما يواكب التحديات الرقمية، وتعزيز حماية الحقوق في البيئات الرقمية، مع إطلاق برامج تكوين وتوعية للمبدعين، وتوسيع الشراكات الدولية والإقليمية لتعزيز الخبرات والقدرات الوطنية، مبيّنا أنّ مستقبل الصناعات الإبداعية في الجزائر واعد، ومواهب شبابنا قادرة على صنع الفارق، شريطة توفير الوسط القانوني والتكنولوجي الذي يستحقه المبدع، قائلا "ما نقوم به اليوم، هو خطوة أساسية نحو بناء منظومة متكاملة، وصنع اقتصاد إبداعي حقيقي، وليس مجرّد نشاط ثقافي".
بدورها، تناولت مديرة مشاريع ومنسقة رئيسية لشؤون تطوير حق المؤلف وادارة التعاون الانمائي وقطاع التنمية الاقليمية والوطنية بالمنظمة العالمية للملكية الفكرية (ويبو) شرين جريس التحوّلات العميقة التي يشهدها في نظرته إلى الثقافة والفنون، باعتبارهما رافدا رئيسيا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومصدرا للقيمة المضافة وخلق فرص العمل، مثمّنة التعاون الوثيق مع "أوندا"، الشريك في تنظيم هذا اللقاء الهام إلى جانب المنظمة العالمية للملكية الفكرية، ما يعكس التزاما مشتركا ببناء منظومة متطوّرة للملكية الفكرية ودعم المبدعين في الجزائر، معتبرة الجزائر البلد الذي لطالما شكّلت الثقافة فيه ركيزة أساسية للهوية الوطنية.
كما قالت المتحدثة إنّ الجزائر تزخر بمنظومة واسعة من الصناعات الإبداعية التي تمتاز بثقلها الثقافي وآفاقها الاقتصادية الواعدة، ومن أبرز هذه القطاعات الصناعة السينمائية التي تعرف ديناميكية جديدة من خلال دعم الإنتاج، وإحياء قاعات العرض، وتشجيع ظهور جيل جديد من الكتاب والمخرجين الشباب أصحاب الرؤى المبتكرة، القادرين على التعبير عن المجتمع الجزائري بكل ثرائه وتنوّعه، والفنون التشكيلية التي تمثّل إرثا حيا، وقد نجح الفنانون الجزائريون في إيصال أعمالهم إلى معارض وأسواق دولية، بما يعكس الحيوية التي يزخر بها هذا القطاع وإمكاناته الكبيرة، ثم الصناعات الحرفية والتراثية التي تجسد الهوية الوطنية في أدقّ تفاصيلها، وتمتلك قابلية عالية للتحوّل إلى قوّة اقتصادية من خلال التطوير والتسويق، وكذا الموسيقى وفنون الأداء التي تعيش حراكا مستمرا عبر المهرجانات والفعاليات المنتشرة في مختلف مناطق البلاد، ومجالات التصميم والابتكار الرقمي التي يشهد فيها جيل جديد حضورا متزايدا.
كما أكّدت المتدخّلة أنّ الجزائر تشهد تقدّما في تطوير الاقتصاد الإبداعي من خلال دعم ريادة الأعمال الثقافية، وتعزيز التحول الرقمي، وتطوير سلاسل القيمة، وتوسيع برامج التدريب، بما يعزز من مساهمة الثقافة في الاقتصاد الوطني. من ضمن ما قالته المتحدثة إنّ حماية حقوق المؤلف ليست مجرد نصوص قانونية، بل منظومة متكاملة تضمن بيئة عادلة ومحفّزة للمبدعين، وتشجّع على الاستثمار الثقافي، ويبرز حقّ التتبع كأحد أهم مكوّنات هذه المنظومة، إذ يتيح للفنان الاستفادة من القيمة المتزايدة لأعماله عند إعادة بيعها، غير أنّ تطبيق هذا الحق، حسبها، في الجزائر ما يزال يواجه جملة من التحديات التي تستدعي عملا مؤسسيا وتشريعيا منسقا.
للإشارة، صرح السيد ثعالبي على هامش اللقاء أنّ اجتماعا اقليميا سيعقد غدا لمناقشة خطة عمل لتحديد الملكية الفكرية، مع الإعلان عن إنشاء أكاديمية خاصة بالحقوق الفكرية سنة 2026 هي الأولى من نوعها عربيا وافريقيا لتكوين وتدريب وسطاء ومحكمين دوليين معتمدين عالميا، علما أنّ 63 متكونا متخرجا تم اعدادهم لهذه الأكاديمية.