المسرح الجهوي لسكيكدة

تحفة معمارية تبعث من جديد

تحفة معمارية تبعث من جديد
  • 2086

تسمح عملية إعادة الاعتبار التي يشهدها المسرح الجهوي لسكيكدة الذي يعود تاريخ تشييده إلى 1932 من إعادة بريق هذه التحفة المعمارية التي شهدت تدهورا كبيرا مع مر السنين. وبني المسرح الجهوي لسكيكدة الواقع وسط المدينة بمحاذاة الحي الإيطالي العتيق بين 1912 و1932 من طرف المهندس المعماري الشهير شارل مونطالون، وقد تم تشييده على أنقاض معبد فينوس (آلهة الحب والجمال عند الرومان).

بدأت أشغال بناء المسرح الجهوي لسكيكدة الذي يتربع على مساحة 1000 متر مربع سنة 1912 من طرف هذا المهندس الذي صمم غالبية المباني العتيقة بالمدينة، على غرار محطة القطار ومبنى البلدية لتتوقف خلال الحرب العالمية الأولى ليتم تدشينه في 19 جانفي 1932، وهو يتسع لـ 500 مقعد. وقد بني على أنقاض المسرح القديم لفيليب فيل، التسمية الاستعمارية لمدينة سكيكدة. 

نحو إعادة البريق لمعلم من معالم المدينة

يشهد المسرح الجهوي لسكيكدة حاليا عملية ترميم وتجهيز واسعتين من شأنها إعادة البريق المفقود لهذا الصرح الثقافي والمحافظة عليه.

شهد مشروع إعادة الاعتبار وتجهيز المسرح الجهوي لسكيكدة منذ بداية عملية الترميم سنة 2015 عدة مشاكل، حيث أن العملية التي كانت تشرف عليها مديرية الثقافة تم تحويلها إلى مديرية التجهيزات العمومية نهاية 2016 لتنطلق الأشغال فعليا نهاية 2017.

هذه العملية المهمة تهدف لجعل المسرح الجهوي مطابقا للمواصفات التقنية للمسارح العالمية، فضلا عن المحافظة على هذا الصرح الثقافي لسنوات أخرى قادمة.

عملية الترميم هذه التي تطلبت غلافا ماليا يناهز 200 مليون دج والمتوقع الانتهاء منها نهاية 2019، ستمس أشغال التهيئة من ترميم وتدعيم للهياكل وتجديد للبناية، حيث سيتم إعادة ترميم السقف وخصوصا المساكة التي تشهد تدهورا كبيرا ووضع أجهزة التكييف المركزي لهذا المعلم المصنف، بالإضافة إلى تجديد الخشبة وإعادة توزيع الفضاءات المتواجدة به.

عملية الترميم ستأخذ في الحسبان طبيعة البناية كونها صرحا ثقافيا يمثل قيمة فنية وجمالية فريدة من نوعها سواء من حيث هندستها المعمارية أو الديكور والزخارف والنقوش المتواجدة بها.

فضاء للإبداع منذ أزيد من 80 سنة 

يعتبر المسرح الجهوي لسكيكدة منذ افتتاحه عام 1932 فضاء للإبداع والترفيه في خدمة الفن الرابع منذ أزيد عن ثمانين (80) سنة، حيث تعاقبت على ركحه العديد من الفرق الوطنية والتي عملت على تقديم عروض ترفيهية وتثقيفية.

أجرى الأستاذ احسن ثليلاني أستاذ محاضر في الأدب والمسرح وعميد سابق لكلية الآداب واللغات بجامعة سكيكدة بحثا معمّقا حول نشأة المسرح بهذه الولاية، مؤكدا أن المسرح الجهوي في تسميته الحالية ظل بعيدا عن الجزائريين في بدايات نشأته، لأنه "كان مسرحا ميتروبوليا مخصصا للأوروبيين فقط".

وأبرز في هذا السياق، أن الآراء تجمع على أن نشأة المسرح العربي في منطقة سكيكدة قد بدأت منذ أربعينيات القرن الماضي سواء من خلال الزيارات التي كانت تقوم بها بعض الفرق العربية كفرقة يوسف وهبي الشهيرة أو الفرق الجزائرية كفرقة محيي الدين بشطارزي التي نظمت زيارة إلى سكيكدة والقل (غرب سكيكدة) سنة 1937 ومختلف النشاطات المسرحية لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين.

أشار إلى أنه من خلال بحثه، تبين أن شهادات عدة تؤكد أن المسرح في سكيكدة، قد انتعش بشكل كبير بعد الاستقلال من خلال انتشاره في مختلف المدارس، مستفيدا من خبرات المعلمين الأجانب، مما أدى إلى تأسيس عديد الفرق المسرحية خصوصا في السبعينيات من القرن الماضي على رأسها فرقة "الطليعة" التي استطاعت تقديم مسرح اجتماعي وسياسي هادف.

ولفت إلى أن الساحة المسرحية بسكيكدة تميزت بإنشاء أول فرقة مسرحية سنة 1974 على يد مجموعة من الشباب الطلبة والعمال واعتمادا على أعضاء سابقين في الفرقة المسرحية لمتوسطة "عبد الحميد العمراني".

وكان أول إنتاج لهذه الفرقة، مسرحية "الأرض لمن يخدمها" من تأليف شنوف نجيب، ظهرت بعد هذه الفرقة "فرقة الثقافة الشعبية"، والتي تعد امتدادا طبيعيا لفرقة "الطليعة"، حيث أُسست في مارس 1978 من قبل مجموعة  من الشباب على رأسهم أحمد بوطاطا والتي أنجزت عديد الأعمال من بينها (الضمير المستتر) 1978 من إخراج جماعي و«واش من ثران جاب الغاشي" عام 1979 إخراج أحمد بوطاطا.

وتعاقبت على ركح مسرح سكيكدة بعد هذه الفترة فرق عديدة على غرار فرقة الفنون الدرامية التابعة للمسرح البلدي (المسرح الجهوي حاليا) سنة 1979 وفرقة المعهد البلدي الموسيقي في 1980 وفرقة "الموجة" لمدينة القل والتي أسست في 1985.

ومن بين الفرق التي لا زالت تنشط إلى اليوم، جمعية مهرجان المسرح لمدينة سكيكدة التي كانت أولى شموعها في أفريل 1983 والتي تميزت بتنظيمها لمهرجان سكيكدة للمسرح لمدة 13 سنة متعاقبة لتتوقف في 1998 بسبب الوضع الأمني لتعود في حلة جديدة بـ "الأيام الوطنية للمسرح لمدينة سكيكدة" في سنة 2006 بالطبعة 14 لهذا المهرجان.

صونيا، حمودة وغيرهما وجوه تعاقبت على الخشبة

تعاقب على خشبة مسرح سكيكدة فنانون كبار قدموا الكثير للمسرح السكيكدي بصفة خاصة والمسرح الوطني بصفة عامة على غرار الفنانة القديرة الراحلة سكينة ميكيو المعروفة في الوسط الفني باسم "صونيا"، والتي ترأست المسرح الجهوي لسكيكدة، ما بين أوت 2009 إلى غاية جويلية 2012 وأخرجت له مجموعة من المسرحيات، وكذا المخرج القدير جمال حمودة المولود في (1954) بسكيكدة والذي زاول دراسته بمسقط رأسه ليمثل ويخرج العديد من المسرحيات لمسرح سكيكدة آخرها "حقيقة الكذب" بداية 2018.

ومن بين أبناء مدينة سكيكدة الذين قدموا الكثير للمسرح الوطني، نذكر الراحل عز الدين مجوبي (1945 ـ 1995) وهو من مواليد مدينة عزابة شرق سكيكدة، والذي كان ممثلا ومخرجا من كبار الفنانين الذين عرفهم المسرح الجزائري، أنتج العديد من المسرحيات على غرار "عالم البعوش"(1993) والعيطة (1988) ونال العديد من الجوائز الوطنية والدولية والذي يعتبر مفخرة مدينة سكيكدة ويحمل الآن اسمه مهرجان يجرى سنويا بمدينة عزابة وهو "الأيام الوطنية عزالدين مجوبي للمسرح".

ق.ث