"أدباء مصلحون" بمقر "الجاحظية"

تراث ومآثر من أمجاد جمعية العلماء المسلمين الجزائريّين

تراث ومآثر من أمجاد جمعية العلماء المسلمين الجزائريّين
الدكتور عبد الرزاق قسوم، الرئيس الأسبق لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين
  • 145
مريم . ن مريم . ن

أشارالدكتور عبد الرزاق قسوم، الرئيس الأسبق لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، في بداية تدخّله، إلى أنّ الصوم مرتبط بالتأمّل؛ بتجاوز مجرد الانقطاع عن الأكل والشرب، وبالتالي يؤدي ذلك إلى التفكير في تنشيط الحياة الثقافية. كما تحدّث عن الهوة الموجودة عندنا بين الالتزام الثقافي والإصلاحي؛ ما سبّب أزمة عميقة.

فرغم أن الثقافة والإصلاح مقوِّمان أساسيان لتكوين المواطن الصالح والمجتمع الأفضل، يبقى غياب ذلك التكامل بينهما، وهو ما يراه المتحدث ضرورة لتحصين المجتمع تماما. كما توضع أسس مضادة للزلازل لتحمي البشر، وبالتالي فإن تعزيز تلك المقومات تثبيتٌ للأرضية التي يقف عليها المجتمع؛ كي يصدّ الهزات بمحض إرادته.

وقال المتحدث: " لازلنا كمجتمع نعاني بعض التشويه والتشويش في عقولنا ". والسبب، حسبه، هو الواقع الثقافي الذي مرّ بفترات من الغزو، ومن غياب الخصوصية الدينية. وفي نفس المعنى أوضح أنّ جمعية العلماء كانت أول من نادى بالاصطلاح في معناه الشامل غير الجزئي، والتوجّه نحو المجتمع بكلّ فئاته، وبكلّ مقوّمات الإنسان؛ من عقل، ولغة، وسلوك وغيرها، مضيفا أن الجمعية اهتمت بقطبين؛ الأوّل هو القطب الأدبي اللغوي؛ من خلال تعليم موزون، وبلغة ملتزمة، ثم بأدب ملتزم، وغير ملزم، يكتفي بالخوض مع الخائضين؛ لكونه مائعاً. أما الملتزم بحق فهو يملك الشجاعة ليقول كلمة الحق.

وعن علماء جمعية العلماء المسلمين قال الدكتور إنّهم كانوا يملكون الجانب اللغوي الذي تكوّنوا فيه. وفي الإصلاح سبقوا زمانهم، مستحضرا تراث الشيخ ابن باديس، الذي أسّس النوادي والصحف، وعزّز المعنى الإصلاحي في الثقافة الوطنية. وكان يفكر في مستقبل الجزائر الذي هو حريتها؛ لذلك كان في بداية كل موسم دراسي يسأل الطلبة: "من منكم خدم في الجندية الفرنسية ليعلّم غيره استعمال السلاح؟ " . ويقول: "سيأتي يوم نحتاجكم فيه" ؛ وكأنه استشراف منه. كما قال أثناء احتفال فرنسا بمئوية وجودها في الجزائر: "سجِّل عني أنّ فرنسا لن تحتفل بالمئوية الثانية".

وذكر المحاضر أنّ صديق ابن باديس ـ وهو أحمد بوشمال الذي سقط شهيدا أثناء الثورة ـ رقَّ لحال الشيخ وهو يدرّس 13 و14 ساعة يوميا، ولا يأكل سوى الزيتون والجبن، ليحضّر له طعاما دسما، رفضه ابن باديس وقال: "لا آكل سوى ما يأكله تلاميذي" . 

كما استحضر الدكتور قسوم حادثة أخرى حينما حل بقسنطينة سيرك عمار، فرافق أصدقاءه، واختار فقرة العرض مع الحيوانات. ثم قال لأصدقائه المعلمين: "تقولون إن التلميذ غبي، وهؤلاء روَّضوا حيوانا متوحشا؛ فعليكم أخذ العبرة من أهل السيرك".

وتحدّث المحاضر عن الشيخ الإبراهيمي، الذي كان يصف المستعمر بالشيطان، وبالتالي فهو عدوّ، موظّفا الآية الكريمة: "فاتّخذوه عدوّا" . كما تصدى ـ رحمه الله ـ للتصوّف السلبي. وكتب عنه مقالا بعنوان: "تعالوا نسائلكم" ، موبّخا من ينجرّون وراء الشعوذة، والشرك، والتسليم لهؤلاء بدل الاستسلام للحق. وكتب أيضا عن اليمن؛ وكأنه يكتب عن حالها اليوم، ويحث شعبها على تجاوز الفرقة والانقسام. وكتب لفلسطين، ووبّخ بعض من ساهموا في ضياعها. وقال: "إذا أخذ اليهود فلسطين ونحن عصبة، فنحن قوم خاسرون".

كما تحدّث الدكتور قسوم عن الشيخ أحمد سحنون الأديب والواعظ. وردّ مرة على عبد الوهاب منصور، الذي طالب أدباء الجزائر بالكتابة، والنشر، والإبداع. وقال سحنون: "لا تُطل لومي، ولا تطلب نشيدي؛ أنا في شغل لتحطيم قيودي" ؛ أي أن الجزائر هي الهدف، والمطلوب تحريرها. 

وقال المحاضر إن الثورة هي التي التحقت بجمعية العلماء وليس العكس؛ حيث كانت تنادي إلى الثورة منذ عقود، وهو رد يقال في وجه المشككين في وطنيتها.

واستحضر المحاضر نماذج من شعر رجال الجمعية، وأناشيد الكشافة، التي كانت تحث على الوطنية، وعلى حب الدين، مع الالتزام بثوابت الأمة الجزائرية، ووحدتها. وأضاف أنّ رجال الجمعية من كتّاب ومصلحين كان لكلٍّ أسلوبه، وإبداعه أحيانا بالجد، وأحيانا بالأدب الساخر، كما هي الحال مع الشهيد رضا حوحو عندما كتب " بوسعادي ماضي" ؛ كمعنى للمقاومة المسلحة. وكذلك كتّاب آخرون وقفوا عند التجنيس الذي صدته الجمعية. ورأت أن كل من يتجنس يخرج عن الملة، وفي هذا كتابات كثيرة.

وتميز النقاش بالحماسة، وبعرض حال الجمعية اليوم. وقد رد الأستاذ قسوم بأنّها قليلة الإمكانيات؛ فلا ميزانية خاصة بها، ولا إشهار تستفيد منه صحافتها، ولا مقر يليق بها، لكن الأكيد أن الجمعية مصرّة على إيصال تراث من سبقوا إلى جيل الشباب؛ فواجبها اليوم متعلق بحفظ الهوية والتاريخ، وهي مفتوحة لكل الجزائريين للإثراء، وحتى النقد.