في ملتقى نظّمته جامعة "عباس لغرور" بخنشلة
تسليط الضوء على الخطابات الشعبية واتّباع مناهج ما بعد الحداثة

- 120

نظّمت كلية الآداب واللغات بجامعة "عباس لغرور" بولاية خنشلة، الأسبوع المنقضي، الملتقى الوطني الأول الموسوم بـ "فائض المعنى في الخطابات الأدبية الشعبية"، بمشاركة أساتذة جامعيين ومتخصّصين من مختلف ولايات الوطن.
تأسّست إشكالية الملتقى على أنّ الخطابات الأدبية الشعبية آهلة بالفضاءات المستترة من خلال طروحات المناهج النقدية المختلفة، وكذا النقد الثقافي والدراسات والمقارنة. حيث أجاب المشاركون عن مختلف الإشكالات التي تطرحها قضية الخطاب الأدبي في الثقافات الشعبية. وقالت الدكتورة خميسة مزيتي من جامعة "عباس لغرور" بخنشلة ورئيسة الملتقى، إنّ فكرة الملتقى جاءت من أجل البحث في الخطابات الأدبية التي تُعد موروثا ثقافيا، وإرثا مثقلا بثقافات الشعوب، وتاريخها، وأصالتها، وروحها، وإبداعها وتلقائيتها.
وأكّدت المتدخّلة أنّ هدف الملتقى هو تسليط الضوء على هذه الخطابات، واتّباع مناهج ما بعد الحداثة؛ إذ تبحث المناهج في فائض المعنى المسكوت عنه، وما الذي أخفته هذه الخطابات من خلال تلك اللغة المكثّفة والموجزة جدا؛ من التأويل، والسيميائيات، والنقد الثقافي، والمقارن، والفلسفة، وعلم الاجتماع. وكشفت أنّ اللجنة المنظمة تلقّت 70 مداخلة، تم انتقاء 50، ومنها اختارت اللجنة العلمية 31 مداخلة.
وركّز الدكتور أحمد التجاني سي كبير من جامعة "قاصدي مرباح" بورقلة، في مداخلته بعنوان "انفتاح الدلالة في خطابات الأمثال الشعبية: الوظيفة والأسلوب وتجدّد الدلالات"، على علاقة الأمثال الشعبية في المجتمع بأشكالها البلاغية من حيث التمثيل. وقال إنّها كناية عن المعاني غير المصرّح بها. وأوضح أنّ دلالة الأمثال الشعبية في نصوصها المنفتحة على أسلوبيتها وبأساليبها البلاغية المختلفة، هي نصوص تدعو الإنسان إلى معادل اجتماعي نفسي ثقافي، ليستطيع أخذ النصح من كنوز الأمثال الشعبية، التي هي عصارة تجربة إنسانية قديمة.
وذكر أسلوب الإخبار، وأسلوب الشرط، والموازنة. كما أوضح أنّ هذه الأساليب تتداخل لكن الأمثال حينما تعطي خبرا، هي لا تعطي الخبر في حدّ ذاته، وإنّما ترمي إلى ما ورائه. ومَثلَ أحمد التجاني سي كبير بمثل: "حباب حباب والنيّة ما تنصاب"، و "إذا ما خروجك سداسي ومدخولك خماسي غير هز قدورك وساسي" ، وهو دعوة إلى اقتصاد معيشته حتى لا يُزرى به، وأيضا أسلوب الموازنة، وهو إعطاء صورتين متقابلتين؛ حتى يستطيع الإنسان أن يوازن حياته.
وانصبّت مداخلة الدكتورة كريمة حجازي من جامعة "عباس لغرور" بخنشلة، على فكرة الحديث عن المسكوت عنه بعنوان: "تمثّلات الجندر والدين في الحكايات والأمثال الشعبية الجزائرية: قراءة في المسكوت عنه" . وقالت إنّ المسكوت عنه هو الذي يحاول في باطن الرؤية العميقة، أن يكون تمثّلا وجوديا صالحا للاستئناس دون الاعتراف في أغلب الأحيان؛ أي بما يعبَّر عنه ضمنيا لا تصريحا، فيحضر في المعنى العميق، لكنّه يُخفى ولا يُعترف به علنا، وعليه فإنّ الخطاب السردي القديم في أمثاله وحكاياته وقصصه يحمل في طياته معارف طقوسية، تمثّل في جزئياته ما هو متعلّق بالدين، والعرف السائد.
وأضافت أنّ هذه الحكايات والأمثال الشعبية ما هي إلاّ علامات طقوسية، تحمل في النص الواحد ازدواجية الدين والعرف بطريقة منظّمة؛ كالقول الشائع الذي أصبح نكتة عندنا "ندّي الدار للدار"، وهو عدم تصريح باسم المرأة؛ رمزا للحرمة، وفي نفس الوقت محمول ديني. وأردفت حجازي أنّ الأدب الشعبي بحكاياته وأمثاله لا يكتفي، فقط، بالسّرد المألوف، وإنّما يخفي فائضا من المعاني التي تكشف عن وعي المجتمع تجاه قضايا الجندر والدين.
وقدّمت الأديبة والباحثة في التراث الشعبي الأستاذة وردة زرقين من قالمة، مداخلة موسومة بـ«الترانيم الشعبية: متعة الترفيه والانعكاسات الوجدانية والثقافية على المجتمع" . وقالت إنّ الترانيم أو أغاني المهد تُعد من أبرز عناصر الموروث الشفاهي كقيمة ثقافية، وتربوية. وتُصنَّف ضمن أروع الأجناس الأدبية في التراث الشعبي؛ باعتبارها صوتا له إيقاع ووزن ومعنى. وتقوم بدور تربوي، وتثقيفي، وتعليمي للطفل، مضيفة أنّ الترانيم هي وسيلة فنية من وسائل تنشئة الطفل تنشئة سليمة، وإنماء مخزونه المعرفي، ومفرداته اللغوية، وبناء شخصيته الاجتماعية بناء سليما أساسه القيم النبيلة؛ حيث لعبت دورا هاما في غرس الأخلاق والدين في نفوس الأطفال في المجتمعات.
وتتعلّق بميلاد الطفل، والتنويم، والترقيص، والختان، وترانيم العمل والأعياد الدينية وغيرها. وأوضحت وردة زرقين أنّ الترانيم تختلف من دولة عربية إلى أخرى خاصة في الكلمات، لكنّها تشترك في المضمون والهدف، وتتشابه في موضوعاتها. كما أشارت إلى أوجه العلاقة بين الترانيم في اللسان العربي والمسكوت عنه والفائض في المعنى؛ مثل هذه الترنيمة المنتشرة في بلادنا: "نني نني يا بشة"، حيث تُردّد في مصر "نام يا حبيبي نام واذبحلك جوزين حمام" . وفي فلسطين: "يلا تنام يلا تنام واهديلك طير حمام".
ومن جهتها، تطرّقت البروفيسور جمعة مصاص من جامعة خنشلة، للمسكوت عنه في البوقالات والألغاز الشعبية المعروفة بـ"المحاجيات"، في مداخلة بعنوان "شعرية اللغة ومخاتلة المعنى في البوقالات والألغاز الشعبية الجزائرية" . وقالت إنّها من الخطابات الشعبية التي تحظى بإقبال من طرف المجتمع الجزائري. وقد تطرّقت مصاص بإسهاب، للبوقالات. وقدّمت شرحا مفصّلا عنها، وما تختزنه من معنى مع تقديم أمثلة منها.