الفنان ناصر بوحجام لـ"المساء":

تصميم اللوحات أصبح أولوية في الفن التشكيلي

تصميم اللوحات أصبح أولوية في الفن التشكيلي
  • القراءات: 1554
التقته: نادية شنيوني التقته: نادية شنيوني
يوصف بالشاب المبدع، فهو ليس رساما لكنّه مصمّم لوحات وباحث وخبير في المجال الفني المصور، يفتخر بمسقط رأسه "القرارة" بغرداية، جاء منها ليعرض لوحاته المستلهمة من تاريخ مجيد حتى تكون شاهدا حيّا على أصالة الجزائر، وتنوّع عاداتها وتقاليدها وعظمة ثورتها، بها قصص مثيرة أبهرت الجمهور المتجول، مرورا عبر أزقة القصبة الضيقة وتراثها الراسخ، وصولا إلى جمال الجزائرية المحتشم، يعرض الفنان المصمم ناصر بوحجام بساحة أول ماي.

المساء: هذا الفضول الذي يجلب إليك كلّ هؤلاء المارة، يوحي قطعا بأنّك جئت بفن متميز فما تعليقك؟
ناصر بوحجام محمّد: هي المرة الأولى التي أعرض فيها هنا، وبالمناسبة أشكر رئيس بلدية سيدي امحمّد السيّد نصر الدين زيناسلي جزيل الشكر لفتحه لنا هذا الفضاء الذي من خلاله تسنى لي ولغيري من الشباب عرض منتجاتنا، وسمحت للجمهور أيضا بالتمتّع بفن لم يألفه من قبل في هذه الساحة العتيقة المكتظة بالناس، وبالتالي تمكن من خلال أعمالي من العودة إلى القرن الماضي ورؤية الجزائر بالأبيض والأسود ثم التدرج شيئا فشيئا للوصول إلى مرحلة الألوان، إنها صور احتوت الجزائر بكل ثقل تراثها الثوري والاجتماعي مما ولد شعورا بالحنين والارتباط وجدانيا بالوطن وتذوق فن أصيل من زمن جميل رغم ما كان به من بعض المحن.

المساء: لست رسّاما، بل أنت مصمّم لوحات سينوغرافيا وهذا الفن خاصّ بالمسرح فكيف اعتمدته في أعمالك؟
ناصر بوحجام محمّد: استلهمت الفكرة من قصة الشيخ الحداد التي صمّمتها على اللوحة، أنا لست برسام صاحب ريشة وألوان، لكني فنان في مجال النحت وعن طريق البحث والتنقيب، اهتديت إلى فكرة.. لقد تأمّلت وأمعنت التأمّل، واستمرّ بداخلي التساؤل عن إمكانية التوصل إلى أسلوب متميّز يصل إلى أبعد الحدود فاهتديت إلى ضرورة توظيف النص الهادف والفكرة الجادة لتجسيد اللوحة المميّزة واكتشفت أن الموضوع الجذاب أو القصة المعبرة تستحق أن تخلّدها الريشة والتاريخ، علما أن أغلب الرسامين عندنا يجدون صعوبة في اختيار المواضيع وعليه بات من الضروري وجود مصمّمي لوحات، أي باحثين وخبراء في مجال تحديد النصوص الهامة التي من شأنها أن تكون موضوعا جذابا ليرسم، يخلّد عن طريق لوحة فريدة تخطف القلب والعقل معا لجدية ما تحتويه، فكلّ ما تشاهدينه من لوحات أنجزته عن طريق السينوغرافيا، هذه الكلمة المركبة من كلمتين أساسيتين هما: السينوأي بمعنى الصورة المشهدية، وكلمة غرافيا تعني التصوير وقد تطورت السينوغرافيا من فن الزخرفة والديكور وهندسة المعمار لتصبح فن خلق الصور والرؤى من خلال تفعيل الإضاءة والألوان والتشكيل والشعر والآليات الرقمية والمعطيات السينمائية الموحية، والسينوغرافيا التي كانت تعني عند الإغريق والرومان فن تزيين خشبة المسرح وزخرفتها، لتقترن إبان عصر النهضة بفن الديكور والعمارة، لتهتم في العصر الحديث بتأثيث الخشبة وتحويلها فيما بعد إلى الصورة لم تعد وسيلة المسرح، بل اقتحمت كل المجالات والفنون ومنها الرسم وأضفت الكثير إلى عالم الصورة..

الجزائر بمدنها وتاريخها وتراثها مجسّدة في كلّ هذه الصور المعروضة، فهل هي المحور الرئيسي لكل معرضك؟
الجزائر عدا كونها بلدي ومنبع انتمائي هي أيضا بلد المليون ونصف المليون شهيد وبلد الأحرار وهي قارة شاسعة تكتمل فيها صور الجمال والطبيعة ومن ثم يحق للجزائر أن تكون محور معرضي، علما أنه سبق لأسماء مهمة في الفن التشكيلي العالمي أن وقفت منبهرة أمام الجزائر وسحرها ودفء شمسها وعراقة حضارتها فسجّلوا دهشتهم في لوحات فنية شهيرة أصبحت تراثا إنسانيا كان منهم "دولاكروا" و"ماتيس" و"بول كلي" و"دينيه" وغيرهم، فأنجز الرسام الفرنسي "دولاكروا" والذي يعتبر من رواد المدرسة الرومانسية الفرنسية، لوحة الجزائريات عام 1834 والفنان الفرنسي "ماتيس" الذي تأثر بالشرق قبل زيارته للمغرب عام 1906 فقد كان شغفه واضحاً بالفن العربي حيث بدا هذا التأثير جليا في معظم رسوماته خاصة في لوحة "السجاد الأحمر" ولوحة "الجزائرية" في1909، بدوره "إتيان دينيه" الرسام الفرنسي الذي عاش في بداية القرن العشرين مغامرة مثيرة اكتملت فصولها في مدينة بوسعادة وتعدت الـ400 لوحة.

ما قيمة كل هذه الأعمال الإستشراقية المستوحاة من تاريخ وجمال الجزائر، وهل يمكن استغلالها للوصول إلى تحقيق مدرسة فنية جزائرية خالصة تعنى بهذا التراث؟
لوحات الفنانين المستشرقين هي اليوم بمثابة وثائق تاريخية مرئية واعتراف صريح بوجود أمة لها تاريخ وماض عريق وحضارة زاخرة يستنبط منها فن أصيل و راق تبنى معالمه من تراث الهندسة الإسلامية والعادات والتقاليد الغنية بالصناعات التقليدية والأزياء والأسواق والأعياد والمناسبات الخاصة، وإن كانت الجزائر قد ألهمت مخيلة المستشرقين، فإنّه باستطاعتها أن تلهب وجدان الرسامين الجزائريين وكلّ ما ينقص في رأيي هو التوجيه الصائب لاختيار الموضوع الهادف والجاد، كي تعطى قيمة معنوية للوحة المنجزة وهنا لابد من الإشارة إلى ضرورة اكتساب ثقافة في هذا المجال وتوخي التخصص والاطلاع على الأعمال القيّمة للرسّامين الكبار ضمانا لابداع راق، كما أن الإبداع ليس حكرا على فئة دون الأخرى، فإذا اجتمعت الموهبة والإطلاع الواسع والبصر الثاقب والمخيلة الخصبة ستجنى أعمال أرقى وذات بصمة احترافية يكتب لها الشهرة، كما كتبت لغيرها من الأعمال القيمة الخالدة التي سبقت.

هل من تصاميم جديدة في الأفق؟
إن أروع وأجّل ما يمكن تسجيله هو كفاح المرأة الجزائرية وما أظهرته من شجاعة وإقدام وتضحية في ميدان الشرف دفاعا عن شرف الدين والأمة، وأكيد أن "لالا فاطمة نسومر" تحضر كلما حضر الجهاد والفداء وبالتالي فهي موضوعي الجديد الذي أشتغل عليه، وهو أيضا عرفان لبطولات من ركعت جنرالات فرنسا.

كلمتك الأخيرة؟
في الختام لدي رجاء، نظرا لنجاح هذا المعرض وكثرة المتوافدين على الصور، أطلب من رئيس بلدية سيدي امحمد إذا أمكن تمديد مدة العرض لأيام أخرى حتى يتسنى لأكبر عدد من الوافدين على العاصمة الاستمتاع برؤية هذه اللوحات التي تغوص في عمق تاريخ الجزائر الحبيبة، وشاكرا إياه على دعمه وتشجيعه للشباب وأشكر جريدة المساء بدورها على الالتفاتة الطيبة واللقاء.